لغز خيارة رام الله...طفرة جينية أم استخدام مفرط للمدخلات الكيميائية؟

09.05.2019 04:35 PM

وطن- ميساء بشارات

ظهر في السوق بالآونة الأخيرة العديد من الفواكه والخضروات في غير مواعيدها التي تنمو فيها بشكل طبيعي، إضافة إلى طفرات في عدد آخر منها، وهو ما تعارف على تسميته الفواكه والخضروات المهرمنة.

وفي الوقت الذي يزداد فيه استخدام الهرمونات والأسمدة الكيميائية بشكل مفرط في كثير من الأوقات، في ظل غياب الفحوصات المخبرية لتحديد كمية الهرمونات والأسمدة التي تعطى للأشتال، تخرج ظواهر زراعية غريبة أمام المواطنين، كان آخرها نمو جذور خيار من العنق وهي في منزل أحد المواطنين.

إبراهيم الخطيب من قرى محافظة رام الله والبيرة، تفاجأ عند رؤيته خيارة في منزله نمت لها جذور بيضاء ناعمة، يقول: "قمت بشراء خيار من حسبة رام الله، وضعته في صحن كبير مخرم (مصفاية) على بلاطة المطبخ، وللمطبخ نافذتان وباب بلكونة خارجي، وهو مفتوح على الصالة والصالون، أي أن المكان معرض للتهوية جيدا، وكان حينها بحالة ممتازة، وبعد أربعة أيام لاحظت نمو جذور على عنق الخيارة".

وجه الخطيب من خلال صفحته الشخصية على موقع (الفيس بوك) اللوم للجهات المعنية من وزارة الزراعة وجمعية حماية المستهلك واتحاد المزارعين بالتقصير والمسؤولية قائلا: "أنتم شركاء في الجريمة ... على وزارتي الزراعة والاقتصاد الوطني، واتحاد المزارعين ومؤسسة الإغاثة الزراعية وجمعية حماية المستهلك، أن تقدم جميعها تفسيرا صحيحا (لتشريش) الخيار من عنقه ونمو حجمه بعد شرائه بأيام قليلة من حسبة رام الله، وقبل ذلك الموز الذي كبر وتفسخت قشوره في المطبخ".
وتساءل الخطيب: "هل هي الهرمونات، الأسمدة الكيميائية، أو المبيدات لما حدث للخيارة؟ وما مدى مسؤوليتها عن سرطنة الناس بوجود هذا النبات المشبع بالسموم؟".

المهندس الزراعي سلطان خلف يستبعد أن تكون ظاهرة نمو الجذور داخل النبتة عائدة لزيادة الهرمونات، مفسرا الظاهرة على أنها طفرة قد تحدث للخضروات، وربما تكون ناتجة من الرطوبة الجوية أو تلك داخل صندوق التخزين أو الثلاجة، ما حفز نمو الجذور في عنق الخيارة وليس في الثمرة نفسها.

ويضيف خلف أن استخدام الهرمونات في الخيار شبه معدوم من قبل المزارعين الفلسطينيين، ولم نشهد مثله من قبل.
الزراعة العضوية لم تسجل أي حالة إنبات للجذور داخل الثمرة

يؤكد الدكتور أحمد النوباني الذي يمتلك مزرعة عضوية، أنه لم يسجل أي حالة إنبات للبذور داخل الثمرة في زراعته العضوية.
لا يشتري النوباني من الخضار المتواجدة في السوق، لامتلاكه أرضا يزرعها زراعة عضوية، ويستفيد منها لاحتياجات منزله.
يدرك النوباني خطر الكيماويات الضارة بصحة الإنسان والبيئة والموارد المائية والتنوع الحيوي المنتشرة بعشوائية لدى المزارعين، مفضلاً الزراعة العضوية ضمن ثقافة الاقتصاد المنزلي المستدام.

ويقول: "الدافع وراء الزراعة العضوية لغايات صحية بالدرجة الأولى، نحن نأكل مما ننتج ولا نشتري أي شيء من السوق، لا خضار ولا عسل ولا زيت ولا مشتقات الألبان".

المهندس الزراعي سعد داغر الذي انتهج الزراعات البيئية لم يسجل أيضا أي حالة لإنبات البذور داخل الثمرة في الزراعات العضوية، "لا يعتقد أن تفسير زيادة النيتروجين مقنعة لأن زيادة التسميد النيتروجيني موجود منذ فترات طويلة، لكن يتضح أن ما حدث هو خلل هرموني داخل النبات صعب تحديده".
وفضل داغر اجراء فحص مخبري للخضار، مشيرا إلى أنه وبشكل عام، فتلك الظواهر ترسخ حقيقة الاستخدام المكثف للأسمدة الكيميائية.

ويرى أن الحل ليس بالحديث عن طريقة التخزين إن كانت صحيحة أم لا، بل خلل يصيب النبات من أسبابه الاستخدام المكثف للمواد الكيميائية سواء الهرمونات أو الأسمدة أو المبيدات، إضافة إلى أن البذور نفسها المستخدمة للزراعة تكون إما بذور مهجنة أو بذور معدلة وراثيا، وهي أيضا تلعب دورا في هذه الظواهر الغريبة والجديدة.
ويؤكد: "الحل يحتاج لمنهج جديد في التفكير والعمل".

الظاهرة لم تقلق وزارة الزراعة

كما يبدو، هذه الظاهرة لم تقلق وزارة الزراعة رغم الجدل الذي أثار رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
يقول مدير دائرة الخضار في وزارة الزراعة المهندس عبد القادر خراز، إن ظاهرة انبات البذور داخل الثمرة، ظاهرة طبيعية وليس لها أي آثار سلبية على صحة الإنسان، ولا يوجد هناك ما يقلق المستهلك ويخيفه أو يقلل من ثقته بالمزارع.
ويوضح أن البذور داخل الثمار لا تنبت بشكل عام طالما بقيت موجودة داخل الثمرة، حتى عند النضج الكامل، إلا أنه يتم ملاحظة إنبات البذور أثناء نمو الثمرة أو بعد قطفها واكتمال مرحلة نموها وتعديها مرحلة النضج، ما يؤدي الى ارتفاع حموضتها واذابة الغلاف الجيلاتيني المحيط بالبذور.

وأشار إلى أن إنبات البذور داخل الثمرة تم ملاحظته في كل من محصول: البندورة، والفراولة، والفلفل، والشمام.
وأرجع خراز سبب الظاهرة في ثمرة الخيار إلى زيادة التسميد النيتروجيني أو نقص عنصر البوتاسيوم، إضافة إلى ظروف التخزين غير المبرد، وفي أماكن مظلمة مثل السوق المركزي، ما أدى إلى انخفاض الهرمون الطبيعي حمض الأبسيسيك (abscisic acid) المسؤول عن سكون البذور داخل ثمار الخيار الناضجة، وارتفاع نسبة حمض "الجبريليك" الذي يعمل على تكسر طور السكون للبذور داخل البيئة الرطبة لثمرة الخيار، وبالتالي نمو الثمار كأشتال من دون تجفيف البذور.
ويضيف: "كما أن حدوث خلل في المواد الكيميائية الموجودة في لٌب الثمرة، والتي تعمل كمانع لإنبات البذور داخلها (مجموعة اللاكتونات غير المشبعة مثل الكومارين - Coumarin)، ومعروف أن تأثيرها يزول عند إزالة البذور من الثمرة وغسلها، كما أن زيادة إفراز الأنزيمات الضرورية للإنبات مثل: الفا، بيتا، أميليز Amylase b، µ)، التي تقوم بتحليل الكربوهيدرات المعقدة التركيب وتحويلها إلى سكريات بسيطة".

على جانب آخر، يشيد مدير عام الوقاية في مديرية الزراعة بدر الحوامدة، بالمزارع الفلسطيني الذي يتمتع بدراية وعلم وحس ومسؤولية وفهم، ولا يوجد هناك أي تشكيك به.

ويقول: "لدينا مزارعون قياديون يعملون بإجراءات "الجلوبال جاب" العالمية، ولكن يحدث أحيانا طفرة في نبات معين، وليس بالضرورة أن يكون استخداماً مفرطاً للأسمدة أو الهرمونات.
ويشير الى ان السوق المحلية لا تحتوي فقط على انتاج المزارع الفلسطيني، بل هناك خضار من السوق الإسرائيلية تمر عبر المعابر، وأخرى مهربة، وفي الحالتين لا رقابة عليها، لغياب السيطرة على الحدود، وهذه تُغرق السوق، وتساهم في ضرب منتجنا والتأثير على مزارعنا.
ونوه الحوامدة الى أن وزارة الزراعة تقوم حالياً بعمل شراكة مع وزارتي الاقتصاد الوطني والصحة لعمل فحوصات لسلامة الأغذية الحيوانية والنباتية.

اختلاف الآراء لا يوصل لنتيجة ويبقى التحليل المخبري الفاصل
ومع تباين واختلاف آراء المختصين والمتحدثين، يبقى موضوع سبب نمو جذور الخيارة من العنق محض استفسار بلا جواب، والفاصل هو التحليل المخبري الذي من المفترض أن يخرج للمواطنين بجواب واضح وشاف، مع مراعاة ضرورة الرقابة على الأسمدة الزراعية والهرمونات التي تُعطى للمحاصيل، بحيث لا تكون على أهواء المزارعين.

في الوقت الذي يزداد فيه استخدام الهرمونات والأسمدة الكيميائية بشكل مفرط في كثير من الأوقات، وعدم وجود فحوصات مخبرية لمراقبة الاستخدام الآمن لها؛ تخرج طفرات زراعية غريبة أمام المواطنين، كان آخرها نمو جذور خيار من العنق وهي في منزل أحد المواطنين.  يعتقدُ بعض خبراء الزراعة البيئية أن سبب هذه الطفرات خلل يصيب النبات جراء الاستخدام المكثف للمواد الكيميائية، إضافة إلى أن البذور نفسها المستخدمة للزراعة تكون إما مهجنة أو معدلة وراثيا، وهي بلا شك تلعب دورا في هذه الظواهر الغريبة والجديدة.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تصميم وتطوير