مستنقع تحت كل بيت...واقع الحفر الإمتصاصية في الخليل

18.05.2019 07:20 PM

وطن- ساري جرادات

لم يعد يقتصر تهديد مياه الصرف الصحي على البيئة فحسب، بل باتت كابوساً يؤرق حياة المواطنين ويؤثر على الاستقرار المجتمعي، وذلك بفعل الروائح والأمراض التي تنبعث منها، خاصة تلك الموجودة بين الأحياء السكنية ووسط المناطق المكتظة بالمواطنين، ما يعني زيادة أعداد المتضررين منها.

وفق تقارير وأرقام سلطة جودة البيئة في محافظة الخليل، توجد نحو 100 ألف حفرة لصرف المياه العادمة غير صماء (أي تسمح بتسريب المياه لجوف الأرض)، وتلاصق مباني المواطنين في أحياء مكتظة.
وتشترط سلطة جودة البيئة أن تكون حفر الامتصاص صماء، أي يتم سقفها من الجانبين بحيث لا تسمح لمياه الصرف الصحي بالتسرب لباطن الأرض، بما يكفل حماية المياه الجوفية ويمنع فقدان التربة للمعادن والمغذيات الأساسية للنباتات.
تشير الشابة العشرينية رفيدة أبو زنيد من دورا جنوب الخليل إلى بقائها حبيسة المنزل، جراء إلقاء أهالي المنطقة التي تعيش فيها لمياه صرفهم الصحي في الشارع الرئيسي، وخاصة في فصل الشتاء، ولم تنفع محاولات أهالي حيها من وقف هذا الانتهاك بحق البيئة.

تطالب أبو زنيد المجالس البلدية بإنشاء شبكات صرف صحي، والتوقف عن ممارسة دور الجابي، أو التركيز فقط على مهمة توزيع حصص المياه وتعبئة بطاقات ساعات الكهرباء، كونها مسؤولة أيضاً عن حماية البيئة وصحة المواطن، وعليها تطبيق برامجها الانتخابية التي تم انتخابها بناءً عليها.

تعاني قرى مثل سعير ونوبا وبيت أمر وإذنا وغيرها، من تسرب مياه الصرف الصحي وسط البيوت والأحياء السكنية، كان آخرها ما تعرضت له بلدة إذنا شمال الخليل لتلوث أكثر من 200 منزل و700 حالة مرضية تباعاً في مخيم الفوار، ما العلاقة بين الفوار واذنا؟؟ وذلك بسبب تلويث مياه الصرف الصحي للمياه الصالحة للشرب، والناجم عن إهتراء شبكات المياه العادمة.
لا يقتصر الأمر عند هذا الحد من انتهاك البيئة والاعتداء عليها من قبل الأهالي، بل أن بعض سائقي الشاحنات يقومون بتفريغ صهاريج مياه الصرف الصحي وسط الحقول المجاورة للقرى والبلدات، وهو ما يؤدي إلى قتل عناصر التربة ومنع إمكانية استغلال الأراضي في عملية الزراعة البعلية.

المواطن ناصر أبو عياش من بلدة أمر شمال الخليل طالب عبر "آفاق البيئة والتنمية" الحكومة الفلسطينية بالتدخل الفوري لوقف مسلسل انتهاك البيئة في بلدته، كونها بدأت تدمر عين ماء بيت أمر التي تعتبر معلماً تاريخياً، ومزاراً سياحياً ومهرباً للسكان من الكتل الإسمنتية التي يعيشون بداخلها.
أشار أبو عياش أيضاً إلى أن حفر الامتصاص المقامة وسط الأحياء السكنية تعتبر قنابل متفجرة، لما ينتج منها من روائح وتلحق بالبيئة التلوث وبالسكان الأمراض.

مستنقع مجاري
وتشير الدراسات العلمية الحديثة إلى أن مياه الصرف الصحي تسبب أكثر من 15 مرضاً خطيراً مميتاً نتيجة لاحتوائها على أنواع كثيرة من الكائنات الحية الدقيقة كالبكتيريا والطفيليات والفيروسات، بالإضافة للمعادن الثقيلة والمواد السامة المستخدمة في الغسيل والنظافة، وأيضاً بكتيريا السالمونيلا والشيجلا المسببة لمرض التيفود والباراتيفويد والنزلات الحصوية الحادة.
أغلقت سلطة جودة البيئة في محافظة الخليل مئات الحفر الامتصاصية غير الصماء خلال العامين المنصرمين، وتعمل على حل عشرات الشكاوي التي تصل لمكتبها بطريقة ودية للمحافظة على الإستقرار المجتمعي، فيما تواجه أيضاً معضلة حل مشاكل بعض مصانع الحجر والرخام الذين يلقون بمخلفات مصانعهم السائلة في السيول والأودية، نتيجة وجودها في مناطق تخضع للسيطرة الإسرائيلية.

وقال مدير سلطة جودة البيئة في محافظة الخليل بهجت جبارين لـ "آفاق البيئة والتنمية": "مشكلة مياه الصرف الصحي قديمة جديدة، وهي على سلم الأولويات الوطنية للحكومة الفلسطينية، وشبكات الصرف الصحي تغطي فقط 16% من مساحة المحافظة، علما أن عدد المناطق التي تخضع لمجلس بلدي أو قروي تصل إلى 54  مجلس وبلدية".

أشار أيضاً إلى وجود "380 عين ماء في محافظة الخليل كان يعتمد عليها المواطنون قبل نحو ثلاثة عقود، 90% منها ملوثة نتيجة تسرب مياه الصرف الصحي إليها، مؤكداً أن إنشاء محطات للصرف الصحي وتكرير مياهها، يحتاج إلى ميزانيات ضخمة، والتمويل الخارجي تشغيلي وليس تطويري، أي بما يخدم سياسة الجهة المانحة.
تعتبر سلطة جودة البيئة أن إلقاء المواطنين مخلفات صرفهم الصحي في الشوارع وبين الأحياء السكنية يزيد من تلوث البيئة على نطاق واسع، ويلوث الهواء ويساعد في تفشي أمراض بيئية وصحية على المواطنين، داعية المواطنين إلى الكف عن هذا التصرف الكارثي بحق البيئة والأرواح البشرية.


لا تخفي مديرية الحكم المحلي في محافظة الخليل، أن العراقيل التي تضعها سلطات الاحتلال الاسرائيلي وارتفاع مديونية المجالس البلدية على المواطنين وكذلك تكلفة إنشاء شبكات الصرف الصحي، يحول دون إنشاء شبكات صرف صحي قادرة على المحافظة على البيئة والحياة البشرية دون تعرضها للإصابة بالأمراض.


"تصريف المياه المستخرجة من المنازل والمصانع، يحتاج إلى شبكات صرف صحي بمواصفات عالية وبمستوى تعداد السكان، لكن الواقع في محافظة الخليل مخالف لكل المواصفات والشروط، والاحتلال الإسرائيلي يتحمل المسؤولية المباشرة عن تدمير البيئة الفلسطينية كونها لا تسمح بإنشاء شبكات صرف صحي" هذا ما أكّده مدير مديرية الحكم المحلي في محافظة الخليل رشيد عوض.
لفت عوض إلى أن شبكة الصرف الصحي الخاصة بمحافظة الخليل قديمة ولا تستطيع استيعاب الزيادة السكانية المرتفعة التي طرأت على أعداد السكان خلال العقدين الأخيرين، وهي شبكة مبنية في سنوات التسعينيات وبحاجة إلى إعادة ترميم وإصلاح، ويجب توسعتها بما يضمن ضم البنايات الحديثة التي لا تضخ مياهها العادمة في شبكة الصرف الصحي.


يشير رئيس بلدية سعير فهمي الشلالدة إلى أن حماية البيئة من مياه الصرف الصحي واجب وطني وأخلاقي، معللاً ارتفاع مديونية بلديته على المواطنين (34 مليون شيقل) بأنها تقف عائقاً امام إنشاء شبكة صرف صحي، مؤكداً أهميتها في بلدته سعير كونها غنية بالمياه الجوفية، وتعتبر ثالث أكبر مستودع من المياه في الضفة الغربية.
بين ارتفاع تكلفة إنشاء الحفر الصماء والأوضاع الاقتصادية المتردية في مدن الضفة الغربية، وعدم مقدرة مجالس الحكم المحلي على علاج مشاكل الصرف الصحي، يبقى المواطن وبيئته أكثر عرضة للمخاطر الناتجة عنها، في ظل غياب شبه تام للقوانين والأنظمة والمخططات القادرة على النهوض بالواقع البيئي في فلسطين.

 

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير