الوحش...بشاعات أميركية مسكوت عنها

19.05.2019 10:57 PM

وطن- جورج كرزم

أثبتنا سابقا في هذا الموقع، بأن النظام السياسي الأميركي الذي يتفنن في إصدار الأحكام المتغطرسة ضد الحكومات والدول والمنظمات باقترافها "جرائم حرب"، هو ذاته صاحب السجل الفاضح في اقتراف جرائم حرب كيميائية وجرثومية ونووية موثقة ومثبتة ضد العديد من شعوب العالم في شرق أسيا واليابان وفيتنام والعراق وأفغانستان وأميركا اللاتينية وغيرها؛ بل وضد شعبه الأميركي نفسه.  التقرير المثير التالي يكشف معطيات بشعة جديدة حصلت عليها مجلة آفاق البيئة والتنمية، تبين الوجه الوحشي والإجرامي المثير للاشمئزاز للنظام السياسي الأميركي الذي لم يتورع عن اقتراف بشاعات مرعبة مسكوت عنها في مختلف أنحاء العالم، بل وضد المواطنين الأميركيين أنفسهم. 

البشاعات التي نتحدث عنها تسوق تحت غلاف التجارب العلمية والتقدم التكنولوجي وخير الإنسانية ("الديمقراطية" و"حقوق الإنسان") ومحاربة ما يسمى "الإرهاب"، لكن الهدف الحقيقي المختبئ داخل هذا الغلاف يتمثل في الجشع الإمبريالي الأميركي اللا محدود للمال والثروة والسلطة والتوسع الاستعماري، ونهب أضخم كمية ممكنة من ثروات الشعوب ومواردها، وبالتالي تحول النظام الأميركي ذاته إلى وحش إرهابي يجول في مساحات واسعة من الكرة الأرضية.

المأساة أن الجمهور الأميركي، إجمالا، أصبح يصرف الانتباه بسهولة عن المشهد السياسي الخارج من واشنطن، لدرجة أنه يغفل تماما التجارب المروعة والسلوك الهمجي الذي أصبح مرادفًا للحكومات الأميركية المتعاقبة.  الأعمال الأميركية المرعبة تمارس ضد البشر والحيوانات على حد سواء.  فعلى سبيل المثال، تشتري الحكومة الأميركية مئات الكلاب والقطط من "أسواق اللحوم الآسيوية" كجزء من تجارب مروعة على الأمراض المنقولة عبر الأغذية.  وتتضمن تجارب "آكلة لحوم البشر" قتل القطط والكلاب المشتراة من كولومبيا والبرازيل وفيتنام والصين وإثيوبيا، ومن ثم إطعام رفات تلك الحيوانات إلى القطط المخبرية التي تربى في المعامل الحكومية لغرض صريح هو تجريعها المرض، ثم قتلها.

إدارة شؤون المحاربين القدامى الأميركية، تعمل على إزالة أجزاء من أدمغة الكلاب لمعرفة كيف يؤثر ذلك على تنفسهم (USA Today, 2018)؛ وذلك بوضع أقطاب كهربائية على النخاع الشوكي للكلاب، لمعرفة كيف تؤثر على ردود فعل السعال لدى الكلاب (قبل فصل الأقطاب وبعدها)؛ كما تتم زراعة أجهزة ضبط نبضات القلب في قلوب الكلاب، ومن ثم تحفيز النوبات القلبية لديها (قبل استنزاف دمائها)، علما أن جميع الكلاب المخبرية هذه يتم قتلها خلال التجارب(Karin Brulliard, 2018) .
الحيوانات ليست هي الوحيدة التي تعاملها الوكالات الحكومية الأميركية كالفئران المخبرية، بل العديد من المواطنين الأميركيين الذين يتم حصرهم ودمغهم بعلامات تجارية وإجراء تجارب مختلفة عليهم دون معرفتهم أو موافقتهم (Cheryl Welsh, 2009)، ومن ثم يتم التخلص منهم بسهولة، ليعانوا من مرحلة ما بعد آثار التجارب.  ففي عام 2017، عَرَّضَت الوكالة الفدرالية الأميركية لإدارة الطوارئ (FEMA) "بشكل غير مقصود" (كما تزعم) ما يقرب من عشرة آلاف من رجال الإطفاء والمسعفين وغيرهم من المستجيبين،  إلى نوع قاتل من مادة "ريسين"
(USA Today, 2017) خلال جلسات الاستجابة لمحاكاة الإرهاب البيولوجي.  وفي عام 2015، تم اكتشاف أن أحد مختبرات الجيش الأميركي كان، طيلة عشر سنوات، يشحن "خطأ" مادة الجمرة الخبيثة (أنثراكس) الفتاكة إلى المختبرات ومقاولي الدفاع.
ورغم أن هذه الحوادث الخاصة قد تم تسويقها باعتبارها "غير مقصودة"، إلا أننا لسنا مضطرين للحفر عميقا أو العودة كثيرا إلى الوراء في التاريخ الأميركي، كي نكتشف حالات كثيرة نفذت فيها الحكومات الأميركية، عن سبق عمد وإصرار، تجارب سرية على شرائح اجتماعية غير متوقّعة (NBC News, 2011) -مواطنين وغير مواطنين على حد سواء– وبالتالي جعل الأشخاص الأصحاء مرضى من خلال رشهم بالمواد الكيميائية وحقنهم بالأمراض المعدية وتعريضهم للسموم المحمولة بالهواء.


في فترات زمنية سابقة، وبخاصة في الخمسينيات والستينيات، عللت الحكومات الأميركية بأنه من المشروع إجراء تجارب على الناس الذين لا يتمتعون بالحقوق الكاملة في المجتمع، مثل السجناء والمرضى العقليين والسود الفقراء.  في ولاية ألاباما ، على سبيل المثال ، تُرِكَ 600 رجل أسود مصابون بمرض الزهري دون علاج طبي مناسب، وذلك لدراسة التطور الطبيعي لهذا المرض دون علاج. وفي كاليفورنيا، زرعت لدى السجناء كبار السن خصية من الماشية ومن المعتقلين المحكوم عليهم بالإعدام، لاختبار مدى قدرتهم على التحمل؛ كما تم حقن مرضى عقليين في ولاية كونيكتيكت بفيروس التهاب الكبد الوبائي.


في ولاية ماريلاند، أصيب السجناء النائمون بفيروس الأنفلونزا الوبائي الذي تم رشه في أنوفهم.  وفي جورجيا، عمد 24 سجينًا من "المتطوعين" في السجن إلى ضخ بكتيريا السيلان مباشرة في مسالكهم البولية عبر القضيب.  وفي ملجأ للأمراض العقلية في ميشيغان، تم تعريض المرضى الذكور للإنفلونزا (PBS News Hour, 2011)، بعد حقنهم أولاً بلقاح تجريبي.  أما في مينيسوتا فتم حقن 11 "متطوعا" من موظفي الخدمة العامة بالملاريا، ثم تم تجويعهم لمدة خمسة أيام. وفي نيويورك تم إدخال خلايا سرطانية على مرضى يصارعون الموت. كما تم حقن أكثر من 100 سجين في أوهايو بخلايا سرطانية حية (2000  .(Allen M. Hornblum, وفي سجن إصلاحي  بنيويورك أيضًا، تم تقسيم السجناء إلى مجموعتين لتحديد كيفية انتشار فيروس المعدة القاتل: تم تكوين المجموعة الأولى بحيث تبتلع مستعلق البراز غير المفلتر، في حين أن المجموعة الثانية كانت تتنفس فقط في جراثيم تم رشها في الهواء.  وفي جزيرة ستاتن، تم إعطاء الأطفال المتخلفين عقليا فيروس التهاب الكبد، عن طريق الفم والحقن، لمعرفة ما إذا كان يمكن علاجهم بعد ذلك (المصدر السابق).


تاريخ حافل بالجرائم
تاريخ الولايات المتحدة حافل بالجرائم الحكومية ضد السجناء، تحت غطاء "التجارب العلمية".  وبهذا الخصوص، ذكرت وكالة أسوشيتيد برس بأن أواخر الأربعينيات والخمسينيات "شهدت نمواً هائلاً في الصناعات الدوائية والرعاية الصحية بالولايات المتحدة، مصحوبة بطفرة في التجارب على السجناء، الممولة من كل من الحكومة والشركات. وبحلول ستينيات القرن العشرين، سمحت نصف الولايات الأميركية على الأقل استخدام السجناء كفئران تجارب طبية ... لأنهم كانوا أرخص من الشمبانزي Mike Stobbe, 2011)).


معظم هذه الأبحاث التي جرت بين الأربعينيات والستينيات، لم تتم تغطيتها مطلقًا في وسائل الإعلام، بل تم حجبها ودفنها.  بعض الأميركيين الذين تجرؤوا على التفوه ضد هذه الجرائم، تم اتهامهم بالهوس أو الجنون أو التآمر.  هذه الحوادث مجرد غيض من فيض عندما يتعلق الأمر بالفظائع التي اقترفها النظام الأميركي ضد شرائح اجتماعية أميركية غير متوقعة، باسم "الأبحاث السرية".  على سبيل المثال، أجرى الجيش الأمريكي على غاز الخردل اختبارا سريا قائما على أساس عرقي، شمل أكثر من 60 ألف مجند؛ علما أن جميع تجارب الحرب العالمية الثانية على غاز الخردل جرت سراً ولم تسجل في السجلات العسكرية الرسمية للمواطنين.


معظم "المبحوثين" لم يكن لديهم دليلٌ على ما مروا به، ولم يتلقوا أية رعاية صحية أو متابعة أو مراقبة من أي نوع؛ بل أقسموا مرغمين على الحفاظ على سرية الفحوصات التي تعرضوا لها، تحت تهديد السجن العسكري أو الطرد من الجندية لاقترافهم أعمالا مشينة؛ فترك العديد منهم دون علاج طبي كاف لإصاباتهم، لأنهم لم يتمكنوا من إخبار الأطباء بما حدث لهم (NPR, 2015). 
ثم جاء برنامج MKULTRA التابع لوكالة المخابرات المركزية الأميركية والذي تم فيه تجريع مئات المدنيين والعسكريين الأميركيين بمادة LSD المخدرة، حيث تناول بعضهم المخدرات المهلوسة التي أضيفت خلسة إلى مشروباتهم على الشاطئ أو في حانات المدينة ومطاعمها؛ بل وقبل نشر الوثائق والحقائق الخاصة بهذا المشروع "البحثي" الجهنمي، تم اتهام كل من تجرأ على الحديث حول الأمر بالاختلال العقلي (2012(Maia Szalavitz,
يمكن أن يجادل المرء بأن هذا كله عبارة عن تاريخ قديم، وبأن الحكومات الأميركية الحديثة مختلفة عن حكومات الأمس، لكن هل تغيرت الحكومات الأميركية فعلا؟  هل أصبحت الحكومات الأميركية خلال العقدين الأخيرين، على سبيل المثال، أكثر إنسانية وأكثر احتراما لحقوق المواطن؟  هل أصبحت أكثر شفافية أو راغبة في الالتزام بسيادة القانون؟ هل أصبحت أكثر صدقا بشأن أنشطتها؟ هل أصبحت أكثر إدراكا لدورها المعين كحارس لحقوق الأميركيين؟  أم أن الحكومات الأميركية أصبحت ببساطة أكثر ذكاءً وحرفية في تشتيت وإخفاء وطمس أعمالها الشنيعة وتجاربها الشريرة تحت طبقات من السرية والقانونية والتعتيم؟
بعد الكشف عن تجارب الحكومات الأميركية المرعبة التي امتدت على مدار القرن العشرين، وما أثارته من غضب واشمئزاز، بدأت الحكومات الأميركية خلال القرن الحالي تبحث عن فئران تجارب بشرية في بلدان أخرى، حيث يمكن إجراء تجارب إكلينيكية بتكلفة أقل وفي ظل أنظمة قانونية أقل صرامة، أو حتى في غياب أي ضوابط قانونية أصلا (Mike Stobbe, 2011).
في غواتيمالا، حقن السجناء والمرضى في مشفى للأمراض العقلية بمرض الزهري، لاختبار ما إذا كان البنسلين يمكن أن يمنع بعض الأمراض المنقولة جنسياً.  وفي بحث أجراه الأطباء الممولون من الولايات المتحدة في أوغندا، امتنع الأخيرون عن إعطاء عقار الإيدز AZT لجميع النساء الحوامل اللواتي تم حقنهن بفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، رغم أن هذا العقار كان سيحمي الأطفال حديثي الولادة (Mike Stobbe, 2011).
وفي نيجيريا تم استخدام الأطفال المصابين بالتهاب السحايا لاختبار المضاد الحيوي  Trovan، وكانت النتيجة وفاة أحد عشر طفلاً، وترك كثيرون آخرون معاقون (Mike Stobbe, 2011). 
لكن، وبالتوازي، لم تتوقف الحكومات الأميركية عن إجراء التجارب الهمجية على المواطنين الأميركيين العاديين.  ففي عام 2016، على سبيل المثال، أُعْلِن أن علماء وزارة الأمن الداخلي سيبدأون في إطلاق غازات وجزيئات مختلفة على منصات مترو الأنفاق المزدحمة، كجزء من تجربة تهدف إلى اختبار تدفق هواء الإرهاب البيولوجي في مترو نيويورك James D. Walsh, 2016))
الحكومة الأميركية أصرت على أن الغازات التي رشتها وزارة الأمن الوطني في المترو غير سامة ولم تشكل خطراً على الصحة، وقالت إن المصلحة العامة تقتضي أن نفهم مدى سرعة انتشار الهجوم الإرهابي الكيميائي أو البيولوجي.  المصفقون للحكومة حاولوا تسويق "روعة" هذه التكنولوجيا، بقولهم إن العلماء يستخدمون مادة تسمى DNATrax لتتبع حركة المواد المجهرية في الهواء والغذاء (James D. Walsh, 2016) . فلنتخيل أنواع المراقبة التي تنفذها الحكومة الأميركية باستخدام المواد المجهرية التي يمكن تتبعها بالهواء الذي يتنفسه المواطنون الأميركيون.
وللتذكير، إنه ذات النظام السياسي الوحشي الذي رشت قواته للعمليات الخاصة، عام 1950، البكتيريا من سفن البحرية قبالة سواحل نورفولك وسان فرانسيسكو، حيث تعرض جميع سكان المدينة الأخيرة البالغ عددهم 800 ألف نسمة لمخاطر الإصابة بأمراض خطيرة ومميتة (كرزم، جورج، 2018).
في عام 1953، شنت عناصر الحكومة الأميركية هجمات "وهمية" ضد الجمرة الخبيثة (أنثراكس) على مولدات سانت لويس ومينيابوليس ووينيبيجوس الموضوعة على رأس السيارات. وبحسب ما ورد، قيل للحكومات المحلية إن "الدخان غير المرئي يتم نشره لإخفاء المدينة عن رادار العدو". التجارب اللاحقة غطت أراضي واسعة مثل أوهايو وتكساس وميشيغان وصولا إلى كانساس (كرزم، جورج، 2018).
وفي عام 1965، استهدفت تجارب الحكومة الأميركية حول الإرهاب البيولوجي مطار واشنطن الوطني، ثم أعقبتها عام 1966 تجربة أخرى عرَّض فيها علماء الجيش مليون راكب في مترو الأنفاق بمدينة نيويورك، للبكتيريا المحمولة جواً والتي تسبب التسمم الغذائي (James D. Walsh, 2016)
إنه أيضا النظام السياسي ذاته الذي يتخذ من التكنولوجيا المسوقة لنا باعتبارها في مصلحتنا وللتسهيل على حياتنا- مثل أجهزة GPS والمراقبة والأسلحة غير المميتة  وما إلى ذلك - فيستخدمها ضدنا لتتبعنا ومراقبتنا واصطيادنا.
لماذا الجرائم "العلمية"؟
يبقى السؤال: لماذا تقترف الحكومات الأميركية هذه الجرائم "العلمية" البشعة؟ الجواب الثابت دائمًا هو: المال والقوة وشبق السيطرة والهيمنة المطلقة.  إنها الإجابة ذاتها، بصرف النظر عن النظام الشمولي القابض على السلطة.
أليست العقلية التي تقود هذه البرامج الهمجية شبيهة بعقلية الأطباء النازيين الذين نفذوا تجارب مرعبة وغالباً مميتة على آلاف السجناء في معسكرات الاعتقال دون موافقتهم؟ التجارب النازية غير الأخلاقية والإجرامية استخدمت السجناء لإيجاد علاج فعال لخفض حرارة الجسم، وأجرت اختبارات أخرى لتحديد أقصى ارتفاع للمظلات خارج الطائرة، وحقنت السجناء بالملاريا والتيفوس وحمى التيفوئيد والحمى الصفراء والتهاب الكبد الوبائي، وعرضت السجناء للفوسجين وغاز الخردل وتجارب التعقيم الشامل(Holocaust Encyclopedia: https://cutt.ly/0tyZCq)  
يمكننا مقارنة الآثار المرعبة التي تعرضت لها شرائح واسعة من الشعب الأميركي، بالأهوال التي حدثت في المختبرات النازية. وفي الواقع، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، جندت الحكومة الأميركية العديد من موظفي هتلر، واعتمدت بروتوكولات الأخير، واعتنقت عقليته في مجالات القانون والنظام و"التجارب العلمية"، ونفذت تكتيكاته في خطوات تدريجية.
وكما يروي المؤرخ "روبرت جلاتيلي"، فإن دولة الشرطة النازية حظيت في البداية بإعجاب كبير من القوى العالمية آنذاك، نظرا لفعاليتها ونظامها، لدرجة أرسل فيه "إدغار هوفر" رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي في ذلك الوقت، أحد رجاله، "إدموند باتريك كوفي"، إلى برلين في كانون ثاني عام 1938 بدعوة من الشرطة السرية الألمانية-"الجستابو" ((Gellately, Robert 2001.
مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) كان معجبًا جدًا بالنظام النازي؛ ففي العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، جند أل FBI، إلى جانب الوكالات الحكومية الأخرى، ما لا يقل عن ألف نازي، بمن فيهم بعض أتباع هتلر من المراتب القيادية العليا (Eric, Lichtblau, 2014)
أخيرًا ، تم منح آلاف المتعاونين النازيين - بمن فيهم رئيس أحد معسكرات الاعتقال النازي- تأشيرات سرية ونقلوا إلى أميركا https://cutt.ly/BtqJ1V) :(How Thousands Of Nazis Were 'Rewarded' With Life In TheUS..
بعدئذ، تم التعاقد مع النازيين (المستجلبين إلى الولايات المتحدة) كجواسيس ومخبرين ومستشارين علميين، ومن ثم تم تمويههم لضمان إخفاء هوياتهم الحقيقية وعلاقاتهم بآلة المحرقة الهتلرية. طوال الوقت، مُنع آلاف اللاجئين اليهود من الحصول على تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة، بذريعة أنها قد تهدد الأمن القومي(Daniel A Gross, 2015)
والمفارقة، أن دافعي الضرائب الأميركيين يدفعون ثمن إبقاء هؤلاء النازيين السابقين على جدول الرواتب للحكومة الأميركية منذ ذلك الحين؛ وعلى غرار أسلوب الجيستابو، فإن كل من يتجرأ على الهمس بالعلاقات النازية غير الشرعية لمكتب التحقيقات الفدرالي، يتم حشره في خانة التجسس ومضايقته وإخافته واعتباره مهددا للأمن القومي (Eric, Lichtblau, 2014).
كما أن الوكالات الحكومية الأميركية – FBI، CIA والجيش- تبنت بشكل كامل العديد من أساليب وتكتيكات الشرطة النازية المحسنة، واستخدمتها مرارا وتكرارا ضد المواطنين الأميركيين (Terrence Mc Coy, 2014).
من السهولة بمكان التنديد بالفظائع المروعة التي اقترفها المجتمع العلمي والطبي في ظل نظام مستبد مثل ألمانيا النازية؛ لكن ماذا يفعل الأميركيون عندما يكون نظامهم السياسي الذي طالما دأب على تسويق نفسه باعتباره بطل حقوق الإنسان، هو ذاته المتورط في أبشع أعمال الملاحقة والتعذيب وتنفيذ التجارب "العلمية" الأكثر حقارة؟ 
الحكومات الأميركية تتعامل ليس فقط مع سكان العالم باعتبارهم وحدات اقتصادية يتم شراؤها وبيعها وتداولها، بل تسحب هذا التعامل أيضا على المواطنين الأميركيين، حيث يتم إخضاع العديد من الشرائح الاجتماعية الأميركية للتجارب كالجرذان، ومن ثم يتم التخلص منها عندما لا يبقى منها أية فائدة.
النظام السياسي الذي يفشل في الاعتراف بقيمة وكرامة وحقوق الإنسان، ويجسدها واقعا فعلياً على الأرض، لا يعدو كونه سوى نظام شمولي واستبدادي.  والمسألة الأهم:  كيف يمكننا هزيمة الوحش؟ هزيمته تبدأ بأن نعترف بهذا الوحش كما هو على حقيقته، وأن نتعرف على مبناه وهيكليته وآليات عمله، وحركته لتخليد سيطرته وهيمنته وتوسعه الاستعماري.

 

خاص بافاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير