إسرائيل ماضية في ضم الضفة الغربية...سبل المواجهة متوفرة لكنها بحاجة للتحدي

21.05.2019 01:28 PM

وطن- فراس الطويل: لا جديد في الإعلان الإسرائيلي حول ضم الضفة الغربية سوى الإعلان نفسه، فكل ما يقوم به الاحتلال على الأرض يندرج في إطار الضم الفعلي. فماذا نسمي جدار الضم والتوسع العنصري الذي التهم آلاف الدونمات؟ وماذا يُسمى التوسع الاستيطاني بلا هوادة على الأرض الفلسطينية؟ صحيح أن الضم في حال إعلانه رسميا سيشكل تحولاً في مسار الصراع، بحكم ما سيندرج تحته من إحكام لسيطرة الاحتلال على الأرض ومقدراتها، وإعاقة لأي حلٍّ يتضمن إقامة دولة فلسطينية على حدود 67. لكنه في كل الإحوال ليس مفاجئا، وما يدعو للاستغراب هو دهشة وتفاجؤ المسؤولين الفلسطينيين من التصريحات الإسرائيلية حول هذا الموضوع.

عموما، يقود هذه الأمر إلى التساؤل عن طبيعة الأبعاد والتداعيات المُترتبة على تنفيذ سيناريو الضم الرسمي، كليًا أو جزئيًا؟
قبل الانتخابات الإسرائيلية التي جرت في التاسع من نيسان الماضي بيومين، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أنه سيتخذ إجراءات لضم بعض المستوطنات التي تمت إقامتها في الضفة الغربية إلى إسرائيل. وسبق أن أعلن نتنياهو أنه قال للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إنه لن يخلي " شخصا واحدا" من المستوطنات في الضفة. وشدد خلال مقابلة مع القناة الـ13، أنه أكد لترامب ضرورة سيطرة إسرائيل على كل الضفة، معتبرا أن كل المستوطنات في المنطقة "دون استثناء" يجب أن تكون تحت سيادة إسرائيل.

وأقام الاحتلال منذ عام 1967 مئات المستوطنات التي يقطنها حاليا نحو 700 ألف مستوطن، بما في ذلك مستوطني القدس الشرقية، وسط إدانة شديدة من قبل الأمم المتحدة، علما أن هذه الإجراءات تتناقض تماما مع كل القرارات الأممية ذات الصلة.
تقود الإجراءات والقوانين التي يفرضها الاحتلال تدريجيًا في الأرض المحتلة إلى الاستنتاج بأن هناك سيرًا نحو الضم الكامل للضفة الغربية أو أجزاء منها، تتضمن المستوطنات. ما يُعزِّزُ هذا الاستنتاج حول السعي نحو تسريع وقوننة الضم وفقا للمركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية، سياسة التحالف اليميني الحاكم في إسرائيل، خصوصا بعد فوز أحزاب اليمين في الانتخابات الأخيرة بزعامة نتنياهو. يصاحب ذلك حالة الانقسام الفلسطيني، وتأييد واشنطن المطلق لإسرائيل، وضعف الموقف العربي مع انشغال معظم الدول العربية بمشاكلها الداخلية، إضافة إلى التقارب الحاصل مؤخرًا، بين إسرائيل وبعض دول الخليج.

فلسطينيا، رفضت منظمة التحرير الفلسطينية كافة القرارات والإجراءات التي يقوم بها الاحتلال، ومن ضمنها الاستيطان والضم، وعبرت عن رفضها بالتوجه إلى مجلس الأمن الدولي ومطالبته بتحمل مسؤولياته في حماية قراراته ودفع إسرائيل إلى الامتثال لها. كما أدانت السلطة الوطنية الفلسطينية مصادقة الاحتلال على قانون المؤسسات الأكاديمية بالمستوطنات لما يشكله من انتهاك صارخ للقانون الدولي واتفاقيات جنيف والاتفاقيات الموقعة بين الجانبين. ويتعارض الاستيطان وأية إجراءات من شأنها تغيير الوقائع على الأرض مع القوانين والمعاهدات والقرارات الدولية، مثل البنود 49 و 53 و147 من اتفاقية جنيف الرابعة، وقرارات مجلس الأمن التي تدين الاستيطان وتؤكد على عدم شرعيته، مثل القرارات 446 و452 و465، وآخرها قرار 2334/2016.

عربيا، ترفض الدول العربية من حيث المبدأ، الاحتلال والاستيطان وأية إجراءات تترتب عليه، بما فيها من معارضة للقانون الدولي. في حين أن الموقف الأوروبي واضح بتمسكه بحل الدولتين ورفضه لأية أعمال استيطانية في الأراضي المحتلة العام 1967، بما فيها فرض حل الدولة الواحدة من خلال عمليات الضم والتوسع.

آثار سياسية واقتصادية
يعني الضم الرسمي عملياً، إلغاء إمكانية إقامة دولة فلسطينية تكون الضفة جزءًا منها، وتقليص طموحات الفلسطينيين السياسية، بسبب تقلّص الأرض المتاحة، وتقطيع التواصل الجغرافي، وتحوُّل الضفة إلى معازل عدّة، مع إجراءات فصل مشدّدة. وستزيد نتائج هذا الإجراء وفقا لمركز مسارات، من الضغوط الداخلية على السلطة الفلسطينية، وقد تحلُّ نفسها طوعا، أو تحت ضغط شعبي بسبب عدم قدرتها على المواجهة والتأثير. وسيدعم تطبيق السيادة على المستوطنات فقط، الادعاءات بشأن الأبارتهايد، في ظل وجود منظومتي قوانين منفصلة ظالمة للفلسطينيين أمام المستوطنين. وهذا سيؤدي إلى انفصال تام بالعلاقة مع السلطة الفلسطينية، إذ سيقوم جيش الاحتلال بتوسيع نشاطاته في عمق المناطق الفلسطينية لإحباط ما قد يعتبره تهديدات أمنية، وما سيتبع ذلك من مواجهات محتملة مع الفلسطينيين.

على الصعيد الدولي، تعتبر الخطوة إحباطًا للجهود الدولية لتطبيق حل الدولتين، الذي يحظى بشبه إجماع دولي، كما سيُحمّل إسرائيل مسؤولية إطالة أمد الصراع، مع كونها خرقًا صارخًا للقانون الدولي. أما على المستوى العربي من الممكن أن تؤثر على السلام مع مصر والأردن، وتعيق نظريًا التقارب مع دول عربية أخرى، أو على الأقل ستصعب تمرير الحكومات للأمر أمام شعوبها.
ويقول عبد الرحمن التميمي، مدير عام مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين، إن الاستيطان جزء أصيل من المشروع الصهيوني، مضيفا "علينا أن لا نتفاجأ من النوايا الإسرائيلية بضم المستوطنات، ومناطق الأغوار". واعتبر أن المفاجأة من قبل الطرف الفلسطيني هو الأمر الذي يدعو للدهشة، بحكم أن الاحتلال ماضٍ في مشاريع الضم منذ أعوام.

وعن الآثار المترتبة على الضم، يرى التميمي أن الضفة ستصبح جزرا متناثرة، وسيكون الاستيطان هو الحاكم الرئيسي للجغرافيا الفلسطينية، وسيصبح الفلسطينيون زبائن عند الشركات الإسرائيلية في مجالات المياه والطاقة، وليسوا مواطنين. وتابع: "أيضا الاقتصاد الفلسطيني الذي يعتمد جزء كبير منه على الزراعة سينتهي، لأن المناطق الزراعية والمياه ستكون تحت سيطرة الاحتلال خصوصا الأغوار. وهذا بالطبع، سيؤدي إلى زيادة المستوطنين بشكل ملحوظ في السنوات القادمة في الأغوار بحكم المساحة الكبيرة لهذه المنطقة، إضافة إلى عزل القدس كليا، وسيتم التعامل مع الفلسطينيين كمقيمين وليس كمواطنين".

وعلى صعيد المياه، يرى التميمي، أنها ستخصص للاستيطان الزراعي، وسيتم تزويد الفلسطينيين من خلال بيعهم إياها من محطات تحلية المياه الإسرائيلية. وعن الحل، يعتقد التميمي، أن المواجهة لا بد أن تكون من خلال العودة إلى أصل المشكلة، وهو الصراع على الأرض ومقدراتها وضرورة إيجاد حلّ لها.

ويتفق سهيل خليلية، مدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد الأبحاث التطبيقية "أريج" مع التميمي حول التداعيات المترتبة على الخطوات الإسرائيلية ضم الضفة بالقضاء نهائيا على أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية في المستقبل، وتحويل الضفة إلى معازل تفتقر إلى أي تواصل جغرافي. وما يعزز هذه التوجهات هو سلسلة القوانين التي تم طرحها وإقرارها في الكنيست الإسرائيلي وفق خليلية. حيث أُقِر قانون "التسوية" 2017، الذي يفتح المجال لإعطاء الاحتلال الحق بالسيطرة على أملاك الغائبين في منطقة (ج)، خاصة الأملاك التي يدعون أنها أملاك عامة، وحتى الأملاك الخاصة.

كما أُقِر قانون "القدس الكبرى" أو (الضم)، والذي من شأنه، وفق خليلية، ضم التكتلات الاستيطانية في "معاليه أدوميم" للقدس، لكنه سيكون مقدمة لضم ثلاثة تكتلات استيطانية أخرى.
ويشير مدير وحدة مراقبة الأراضي في معهد أريج، إلى أن مساحة تلك التجمعات تصل إلى حوالي 175 كم2، وهي مساحة أكبر بـ140% من مساحة القدس الحالية بشقيها الغربي والشرقي، والتي تصل لـ 125 كم مربعا، لتصبح مساحة القدس بعد الضم 300 كم مربع.

ويضيف خليلية:" من شأن قانون الضم، أن يغيّر الواقع الجغرافي والديمغرافي لمدينة القدس، ويأتي هذا كله ضمن مخطط إسرائيلي ضد المدينة".

وتابع خليلية: "إسرائيل تحاول تسهيل كل الطرق باتجاه الخطة التي ترسمها للسيطرة بشكل كامل على الأراضي الفلسطينية، لكن فعلياً يصعب تنفيذها، فهي تحاول التخلي عن مسئولياتها، والاحتفاظ بالأرض، وتطبيق سلام مع الفلسطينيين، في الوقت ذاته، وكل هذه الأمور صعب أن تطبق".

وبيّن خليلية أن إسرائيل تريد السيطرة على 41% من الضفة الغربية تحت أي اتفاق، بما فيها القدس الشرقية، وهذه معادلة من الصعب أن تسير، لأن الفلسطينيين سيفتقرون لأبسط مقومات الدولة.

وشرح تداعيات الضم على الموارد الطبيعية والبيئية: "ستفتقر الدولة الفلسطينية للموارد الطبيعية، أو مصادر المياه والغاز، وحتى على الحدود التي تعد أهم المقومات لأي دولة، بالتالي سيبقى الاقتصاد الفلسطيني تابعا، إضافة لعدم وجود شبكة طرق متواصلة أو اتصال بين المناطق، بفعل البناء الاستيطاني، لذلك فكل مقومات الدولة بالمفهوم الطبيعي ستتغير".

سبل المواجهة
سيطرة الاحتلال المطلقة على الأرض الفلسطينية وما نتج عن ذلك من جعل الاقتصاد تابعا له، يفتح الباب أمام الحلول المتوفرة في جعبة الفلسطينيين. وفي واقع الأمر، فإن الحلول تبدو متوفرة، لكنها تحتاج كثيرا من الإرادة والتحدي والنفس الطويل.
وفي هذا الصدد قدم رئيس تحرير "آفاق البيئة والتنمية" جورج كرزم ورقة بحثية في المؤتمر العلمي الدولي للتنمية المستدامة في ظل الصراعات والأزمات والذي عقد في جامعة بيرزيت في 23-24 نيسان الماضي. وحملت الورقة عنوان ازدهار الزراعة الكولونيالية وهزيمة الزراعة الفلسطينية...ما العمل؟

واشتملت الورقة عدة محاور ومنها سبل التحدي الفلسطينية في ظل الواقع الذي تفرضه قوة الاحتلال على الأرض. ويقول الباحث كرزم في هذا المحور:

"إزاء الواقع الإنتاجي-السياسي الوطني المأساوي، حيث يفرض الاحتلال قيودا صارمة على "التنمية" الزراعية والاقتصادية في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، فإن الحديث عن "تنمية مستدامة" يصبح ضربا من الثرثرة العبثية".
"لذا، فإن المنطق المقاوم السليم لشعب يرزح تحت بساطير الاحتلال يقول بضرورة تشجيع الإنتاج الزراعي المنزلي المتنوع والمكتفي ذاتيا والخالي من الأوساخ الكيميائية، فضلا عن إكثار وتعزيز الحيازات الزراعية التي تنتج لغرض تغطية استهلاكها العائلي، علما أن 71% من الحيازات الفلسطينية، على قلتها، استخدمت عام 2011 جل إنتاجها للاستخدام الأسري، مقابل 110 ألف أسرة ريفية اعتمدت على الزراعة مصدرا رئيسيا أو ثانويا للرزق. فإذا كانت الضفة والقطاع تتمتعان باكتفاء ذاتي نسبي في بعض أصناف الخضار، والتين والعنب ولحوم الدواجن والبيض والعسل، فلا بد أن يرتكز جوهر خططنا الإنتاجية المقاومة على تعزيز التوجه القائم على الاكتفاء الذاتي في جميع السلع الغذائية والزراعية الأساسية والإستراتيجية، من محاصيل حقلية وحبوب وأعلاف وخضار وفاكهة وإنتاج حيواني".

"وفي مقابل عجزنا الانتاجي المقاوم وتبعيتنا الغذائية للمحتل، فإن الدولة المحتلة (إسرائيل) تنتج معظم الأغذية التي تستهلكها. ناهيك عن المساحات المزروعة في المستعمرات بالضفة الغربية والتي تتجاوز مائة ألف دونم، معظمها زراعات مروية".   
"وهنا لا بد من تحدي الخنق المفروض احتلاليا على الأراضي والمياه والتسويق، من خلال تشجيع وتحفيز الإنتاج الزراعي البيئي المتنوع الذي يتميز بتدني مدخلات الإنتاج (بما في ذلك المياه) وانخفاض تكلفتها، والتكامل مع سائر القطاعات، ومستوى مرتفع من إعادة تدوير مخرجات الإنتاج ورأس المال المتراكم، وارتفاع متوسط الغلة (طن متري لكل دونم) الذي يقاس بمحصلة مجاميع المحاصيل المنوعة والمتداخلة في الدونم الواحد، (خلافا للزراعات الأحادية الكيميائية التي ترتكز عملية حساب الغلة فيها على صنف واحد أو صنفين مثلا). عندئذ سنجد أن متوسط الغلة في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 سيرتفع كثيرا، علما أن متوسط الغلة الفلسطينية حاليا نحو نصف الغلة في الأردن، و43% فقط من الغلة الإسرائيلية، رغم أن البيئات الطبيعية والمناخية متشابهة؛ بل واللافت أن الفجوة في الغلة أكثر اتساعا في الضفة منها في قطاع غزة ".


"وبالطبع ممارسات وسياسات الاحتلال من حيث نهب الموارد والمياه وتدمير البنية التحتية الزراعية ليست السبب الوحيد للتخلف الزراعي الفلسطيني القائم حاليا، بل توجد أيضا عوامل ذاتية هامة لهذا التخلف، تتمثل في افتقارنا إلى سياسة إنتاجية وطنية تعتمد على مدخلات إنتاج محلية، وتشجع الناس على العمل الزراعي وتنويع الإنتاج الذي يلبي الاحتياجات المحلية بالدرجة الأولى. علاوة على عوامل تنظيمية وإدارية وتقنية يتحكم فيها الفلسطينيون، بما في ذلك أنماط وتقنيات الزراعة والبذور وتدوير المياه ومخرجات الانتاج".   


"والملاحظ أن هناك انعدام للتوازن في توزيع المساحات حسب الأصناف المزروعة؛ فعلى سبيل المثال يستأثر الزيتون على 57% من الأراضي الفلسطينية المزروعة، مقابل 19% من الأراضي المزروعة بالخضروات والفاكهة. ورغم ذلك، فقد تدنى إنتاج زيت الزيتون، فانخفض من متوسط مقداره 23 ألف طن سنوياً خلال الفترة 2000-2004، إلى 14 ألف طن سنويا خلال الفترة 2007-2010؛ ما أدى إلى أن يلبي الإنتاج الفلسطيني لزيت الزيتون نحو 50% من الطلب المحلي".

في الخلاصة، يمكن للفلسطينيين كشعب يرزح تحت نير الاحتلال مجابهة كل ممارساته على الأرض، والنهوض من جديد من خلال بناء منظومة اقتصاد مقاوم تعيد الاعتبار للزراعة، وتسير قدر الإمكان في طريق التحرر من التبعية للمحتل في كل المجالات.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير