تجاوز امكنتنا تجاوز لذواتنا

17.06.2019 10:44 AM

كتب: فادي البرغوثي- القيادي في المبادرة الوطنية الفلسطينية

أفكر احيانا بسحر الامكنة وتميزها عن الأمكنة الأخرى ... فالمكان الذي يجتاحك ويجعل كل حنينك وتاريخك وعشقك وفرحك مرتبطا ارتباطا عضويا فيه .... مثلا لا أحد يتصور ولن يستطيع أن يتصور ومن غير المنطقي أن يتصور شيئا دون مكانه ... وعكس العباره ليس صحيحا فتنتقل الطاولة والكرسي الموضوعة تحت شجرة في المكان إلى مكان آخر ولا ينتقل المكان نفسة ولا تاخذك الجلسة التي تحت الشجرة الا في المكان نفسة ...فالشكل النظر التي اكتسبته الشجرة لم تكتسبه ذاتيا الا من تدخل طبيعة المكان نفسة الذي يعد له الاولوية والاسبقية والافضلية في تشكيل ما هو موجود فية.

والمكان نفسة عصي على التغير انظر الى ماكنه العمل الصهيونية ومحاولتها في تغير الامكنة التي ذهبت مع ادراج الريح ... فهل تغير مكان حيفا ؟؟،!!! وهل لا يوجد على أطرافها شاطىء ؟؟؟!!! وهل تزحزح جبل الكرمل من مكانه ؟؟؟!!! في لقاء غرامي ما بين الجبل و الشاطىء؟!!! إذا كل مكان باقٍ في مكانه لا يتغير وجمال المكان هو جمال المكان وتنسحب العباره على جمال وسحر كل أمكنه الوطن السليب ... فالمكان لا يرحل وكل الاعمال التي تحاول العبث فيه عبثية.

والمكان لا ترحل عنه ... وان رحلت عنه ...او اجبرت على ذلك بهجره قصريا كما حدث لنا يكون الرحيل مؤقت وبالجسد دون الهوى والروح الم نقل ان الشجرة لم تكتسب نظارتها الا من نظارة المكان نفسه التي يمكن تطبيقها على الانسان ايضا فلا غرابه ان تشعر انك بعيد وغريب عن نفسك مسافة بعدك عن مكانك نفسه.

فالنفس لم تألف ولن تألف تغير مكانها هذا ما يجعل الشجرة ان قمت بقلعها وزرعتها في مكان اخر تعطيك شكلا اخر لا يشعر به الا الذي يتابعها يوميا، حاول خلع زيتونة من مكانها ان لم تشعر بذلك تلاحظ التغير على ثمر الزيتون نفسة ولونه احيانا هذا ان لم تثمر ونحن كذلك ايضا تغير شكل ثمرنا او لا نثمر الا في المكان الذي وجدنا وخلقنا فيه فالتطور والتنمية تصبح غير واقعية بانفصالنا عن امكنتنا في العلاقة العضوية التي اشرت اليها في البداية.

فالمنامة والحل الاقتصادي المطروح مستحيل غير قابل للتحقيق دون ان يكتمل مشروعنا السياسي والتي تجري محاولة القفز عنه متجاهلين علاقة التاريخ والجغرافيا بالانسان الفلسطيني الذي كان تكوينه وشكله وجماله وحياته لا تصلح ولا تجوز الا بذلك.


هنا يصبح البعد عن مكانك بمثابة انتحار وشعور بالموت فتتساوى الحياة مع الموت لمن فقدوا امكنتهم اي اوطانهم لذلك تبقى روح التمرد فيهم طالما لم يعودوا الى اوطانهم التي هجروا منها قسرا وهذا ما يفسر المقولة التي يستعملوها دائما اما النصر واما الشهادة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير