ثقافتان متناقضتان...بقلم: خيري منصور

26.08.2011 11:13 AM

بقدر ما ينتفع زعيم أو قائد من شخصنة نظامه في لحظات الانتصار، حيث يتم تجيير هذا الانتصار لمصلحته، رغم أن معظم من أنجزوه هم جنود مجهولون، يتضرر وربما بنسبة مضاعفة من الهزائم لأنها تناط به وحده، لأن الشخصنة قدر تعلقها بالسياسة ونظم الحكم، لها وجهان، فهي سرّاء وضرّاء إلا في حالات يصل فيها الطغيان ذروته بحيث يكون النصر ابناً للزعيم، أما الهزيمة فهي من نصيب الناس الذين لم يفهموه ولم ينفذوا أوامره وخططه بدقة .

وما كتب عن أضرار الشخصنة في كل مجالات الحياة، قد لا يضاف إليه إلا القليل، وهذا القليل تفرضه مناطق من العالم أوغلت في الشخصنة بحيث انتهى الأمر إلى عبادة الفرد وهذا مصطلح شاع في روسيا في الحقبة الستالينية لكنه لم يتوقف عند حدودها، فبعد ستالين ظهر في العالم ستالينات عديدون منهم من حاول التماهي مع الديكتاتور فأخذ عنه سيئاته فقط، وألحق الهزائم المتعاقبة بشعبه، لكنه طالب هذا الشعب بالتسبيح بحمده .

وكلاهما . . الشخصنة والمأسسة، نمطان متناقضان من الثقافة، فالشخصنة تزدهر في مجتمعات لم تشب عن الطوق الأسطوري لمفهوم البطل أو السلفادور بلغة أمريكا اللاتينية، وهو تبعاً لهذه الثقافة العوراء معصوم، ولا يخضع للشرط البشري، لهذا غالباً ما تضاف حكايات غير واقعية وغير قابلة للتصديق إلى هذا النمط من الأفراد الذين يختزلون أمة بلسان واحد وعقل واحد .

وبالمقابل فإن ثقافة المأسسة تعترف بدءاً بحق المشاركة، وبحق الاختلاف أيضاً وقد حذفت الإقصاء والنّبذ والإعدام المعنوي من قاموسها، لهذا فهي محررة من الخوف، كما أن الهزائم والانتصارات السياسية فيها ليست أبدية، فمن يفوز اليوم عبر صناديق الاقتراع قد يتقاعد عن السياسة غداً أو ينوب عنه خصومه، والمأسسة على نحو ما، هي إفراز ديمقراطي بامتياز، لأن من يخسر في اللعبة السياسية لا يمتطي دبابة في اليوم التالي ليسطو على المنصب الذي خسره وظفر به سواه .

وهما أيضاً نمطان من الثقافة لأن تحقيقهما ميدانياً، يتطلب درجة عالية من المران والتأهيل، إذ لا يمكن لمن تعلّم السباحة على السرير أو في حوض ماء، أن يجازف بالقفز إلى البحر، ومن كانت صلتهم الوحيدة بثقافة المأسسة والتحرر من عبادة الفرد أو أيقونة السلفادور، هي الكتب والمنشورات وثرثرات المقاهي، سرعان ما غرقوا في أول بحيرة، لأن من اعتاد أن يتدفّأ على النار عن بعد ليس كمن غرز أصابعه في جمرها .

وهناك مثل عربي يقول “لا يتعلم المرء إلا من كيسه”، أي هو وحده من يدفع ثمن تجاربه، ولا تقدم له الحكمة أو الحقائق على أطباق من ذهب أو حتى من نحاس .

ولو وجد في العالم حاسوب سياسي وعسكري ذكي لإحصاء ضحايا الشخصنة في عصرنا منذ بدايات القرن العشرين على الأقل، لكان الرقم مفزعاً وشبه فلكيّ، فالحروب التي خِيضت بقرارات فردية أو انتقامية أو إشباعاً لشهوة النفوذ والسيطرة، أكثر من الحروب التي خِيضت للدفاع عن الأوطان أو لأية أسباب تاريخية .

أما المسافة بين الشخصنة والمأسسة، فهي ليست مجرد قفزة رشيقة، إنها أحياناً قرون من المكابدة والشقاء والتأهيل

 

 

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير