صفقة القرن تاريخيا .. الحلقة الأولى

29.06.2019 10:14 AM

كتب : نبيل المصري

يذكرني وعد بلفور وصفقة القرن بالقول المأثور ( التاريخ يعيد نفسه.. مرتين ... المرة الأولى كمأساة والثانية كمهزلة). إذا أنه وبعد ما يربو على ثلاثة عقود يطل على الواقع الفلسطيني بشكل خاص وعلى العالم العربي بشكل عام مصطلح ومسمى سياسي جديد ألا وهو (صفقة القرن) المتعلق بالعملية السياسية في تاريخ الصراع الفلسطيني العربي الصهيوني.

حقيقة الأمر إن وعد بلفور تاريخيا لم يكن إلا سيناريو وضعت فصوله بريطانيا العظمى كدولة منتصرة تقف على رأس الهرم الدولي أنذاك. وفي عصؤنا الراهن فإن صفقة القرن تضع فصولها الولايات المتحدة الأمريكية التي تتزعم محور الشر الرأسمالي الاستعماري. كلا الدولتان تحرص كل منهما كامل الحرص على تنفيذ أهداف وقرارات مؤتمر بازل الصهيوني ( عام 1897)  الذي انعقد في سويسرا وتلك الأهداف للمؤتمر الإستراتيجية كما وردت:-

1- إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين مع الحصول على ضمانات دولية
2- تنظيم اليهود في العالم وربطهم بالحركة الصهيونية العالمية من خلال مؤسسات الاتحاد الصهيوني العالمي.
3- تأسيس صندوق قومي لجمع المال
4-  تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين بكافة الوسائل

تجدر الاشارة الى أن (موسى منتفيوري) وهو بريطاني المولد، أمريكي الجنسية، يهودي الديانة، وصهر عائلة روتشيلد كان قد زار فلسطين أكثر من سبع مرات قام خلالها بإقناع الدولية العثمانية بحق اليهود بالتملك كباقي الطوائف الأخرى وأقام أول بؤرة استعمارية استيطانية في القدس وفي الجليل وحيفا عندما كان عمدة مدينة لندن وسمية باسمه (المنتفيوري) في عام1860م.

وعلى ضوء الحرب العالمية حيث تم تقسيم الوطن العربي بالحدود السياسية بين الحلفاء كما ورد في معاهدة سايس بيكو حيث وزع الحلفاء الوطن العربي فيما بينهم كمستعمرات كذلك جرى حل عصبة الامم المتحدة وجاء على انقاذها هيئة الأمم المتحدة للحفاظ على السلم والأمن الدوليين فاحتلت بريطانيا فلسطين عام 1917 ووضعت تحت الوصايا البريطانية من خلال الحكم العسكري وقانون الطوارئ وخلال تلك المرحلة كان التأمر والتوطئة لضمان إقامة دولة عنصرية من خلال أبشع وسائل القمع والاضطهاد وشهدت المنطقة سلسلة من الإحداث بين القتل والاعتقال والنفي.

إن المتتبع للوضع التاريخي، يرى كيف كانت دولة فلسطين التي تعيش فيها كافة الطوائف دون تميز لكافة الأقليات وعلى وجه الخصوص اليهود الذين لم يشكلوا (8%) من السكان حيث لا يزيد عددهم عن (55142 نسمة ) ويتمتعون بكافة الحقوق المدنية والمواطنة ويملكون اقل من 1.5 مليون دونم علما بان معظمها تم تسريبه بطرق ووسائل غير شرعية وبرعاية عثمانية وبريطانية مقابل 630 ألف نسمة ويملكون 26 مليون دونم  هم السكان الأصليون بالإضافة إلى المشاريع العامة والمرافق العامة من مطارات وموانئ وسكك حديدية ومؤسسات.

وعلى ضوء الوضع الدولي بشكل عام والوضع العربي بشكل خاص جاء .وعد بلفور باللغة الانجليزية في عدد من البنود أشدها عنصرية وزيف للتاريخ حيث اعتبر الأقلية اليهودية شعبا وله قومية ومن الضروري إن يكون له وطن ودولة في فلسطين كحق قومي. لقد جرّد وعد بلفور الفلسطينيين من حقهم  القومي بالأرض واعتبرهم أقليات وطوائف دينية (وان فلسطين بلد لا يسكنها شعب بل طوائف) ضاربا بعرض الحائط التعريف العلمي للقومية كما جاء على لسان الباحثين والعلماء والمفكرين حيث تم ضع عناصر وسمات القومية عبر التاريخ على أنها:-

• وحدة الأرض البقعة الجغرافية ذات الحدود الطبيعية ما قبل الجغرافيا والحدود السياسية
• وحدة العادات والتقاليد والثقافة والتراث
• وحدة اللغة المتداولة بين المواطنين
• وحدة التكوين النفسي الاجتماعي
• أما وحدة الدين فقد أختلف عليه المفكرون لان هذا العامل يتعارض ومبادئ حقوق الإنسان ويعتبر شكل من أشكال العنصرية. لأنها وضعت من قبل مجموعة عنصرية لخدمة للمشروع الصهيوني .

إن القرار البريطاني يقوم على العنصرية والاضطهاد والعدوان من أجل خدمة مصالح بريطانيا وأهدافها بالمنطقة.

لذلك جاء وعد بلفور في اخطر المراحل التي يمر بها العالمين العربي والإسلامي وكما يقول المثل العربي الشعبي ( جاءت الحزينة تفرح ما لقيت لها مطرح ). فمن مرحلة رجل أوروبا المريض خيث الاضطهاد وفقر والجوع والتخلف إلى الظلم والاحتلال واضطهاد للأرض والإنسان على حد سواء بالإضافة إلى التقسيم ضمن مخططات وحدود سياسية رسمت بأقلام الحلفاء على طاولة غنائم الحرب فكانت الاتفاقيات (سان ريمو  وسايسبيكو) وكانت الاطماع على ضوء الثورة العلمية ومتطلبات الطرق البحرية والمواد الخام والذهب الأسود.

وشهدت المنطقة العديد من الثورات على طريق التحرر والاستقلال وحال الشعب الفلسطيني من حال الأمة العربية مضاف إليه الاستعمار الكونيالي الاستيطاني والتطهير العرقي بشتى الأساليب القمعية والاضطهاد ضمن تشكيلة اجتماعية مميزة وتزاوج بين الإقطاع والبرجوازية على ضوء التطور الصناعي التجاري وشهدت فلسطين أبشع إشكال الاستعمار من خلال التأمر والتعاون بين المحتل البريطاني والعصابات الصهيونية في قمع الثورات والتحركات النضالية التي شاهدتها المنطقة .

عملت قيادة الحركة الصهيونية على بناء الفكر الصهيوني منذ تأسيسها  وذلك بعد دراسة كافة التجارب في العالم وطوروها بشكل يخدم مصالحهم.  فقد استفادوا من ألمانيا النازية ضمن البكاء على مذابح العرق والجنس والدين ومعاداة السامية ( المحرقة) علما بان الفكر النازي كان أهم المصادر التي اعتمدتها الحركة الصهيونية. ولعل مقارنة بسيطة توضح الفكرة فإن:-

1-  الايدولوجية العنصرية حسب الديانة اليهودية التي تقول بان الله خلق الناس لخدمة الشعب المختار وهو أيضا استعماري عدواني يعتمد على إلغاء الأخر.
2-  الإستراتيجية العسكرية حيث إعتمدت الحركة الصهوية في كافة حروبها على الإستراتيجية الهتلرية من حيث الضربة الاستباقية والتفوق في المجال الحيوي والآعتمدا على سلاح الجو  والقتال على ارض الخصم للحفاظ على تماسك الجبهة الداخليةوتوظيف الطابور الخامس وبث سياسة الرعب والتفوق  وإنتهاج سياسة فرق تسد.
3-  بلورة سياسة اقتصادية هدها السيطرة على المصارف والتنافس الصناعي والتجاري والهيمنة على السوق وانتشارها في العديد من الدول والسيطرة على الثروة الزراعية والحيوانية وبالضرورة السيطرة على المصادر المائية. فقد صرح بن غوريون في عام (1955)إن اليهود يخوضون حرب ومعارك مياه مع العرب وعلى ضوء نتائجها يتوقف مصير " إسرائيل" وكان من أهم أهداف حرب عام (1967) السيطرة عل مصادر المياه لنهر الأردن وبحيرة الحولة وجبل الشيخ والوصول إلى الليطاني والتوسع في احتلال ما تبقى من ارض فلسطين إلى نهر الأردن .

4- توطبد العقيدة والتكوين النفسي الاجتماعي والثقافي من خلال أنتهاج أسلوب "الخدعة"تماما كما في تعاطي الفكر الصهيوني مع موضوع مذابح النازية وخصوصا "المحرقة" ليظهر اليهود أمام العالم بوصفهم "الضحية" ويتباكون على "الظلم والاضطهاد" الذي وقع عليهم في أوروبا والعالم العربي (عقدة المظلوم) والتي نتج عنها مفهوم (معاداة السامية). ومن المعروف أنه بين الضحية والجلاد يولد ألاف الجلادين. إن  الشعور بالخوف هو من أهم العقد التي زرعها القادة بين اليهود حيث قال بن غوريون (أن اليهود مجرد نقطة تعيش في محيط من الكراهية "العرب" ). وربما من المفيد وبكل أسف التعريج  على بعض من القيم والمفاهيم التي يربون أجيالهم عليها ومن بينها بعض الأمثال الشعبية التي تقول " لا تؤمن لعربي حتى ولو كان مدفونا قبل أربعين عاما "  و " العربي الجيد .. هو العربي الميت" و " العربي له ذنب" وتجدر الاشارة الى أن الفكر الصهيوني يميز بين اليهود الشرقيين والغربيين، ناهيكم عن الشعارات التي تدعوا إلى قتل العرب وطردهم .

وللسرد التاريخي بقية تتبع.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير