خالد بطراوي يكتب لوطن: والله وجبتها ... يا معمر يا عرابي

08.07.2019 09:45 AM

 " إن أكبر معركة يخوضها المثقف هي معركة ضد تفكير القطيع" هي عبارة كتبها الرفيق معمر عرابي على صفحته الفيس بوكية.

إستوقفتني العبارة كثيرا وعادت بي سنوات وسنوات الى الوراء، الى ستالينية ستالين والى الانضباط الحزبي والى تعليق كافة بنود النظام الداخلي للحزب أو الفصيل السياسي تحت بند " يحق للمكتب السياسي واللجنة المركزية تعليق بنود النظام الداخلي في ظروف العمل السري".

فمن ناحية، كان همك أيها المناضل الثوري في عالمنا العربي أن تناضل وتناضل ضد الرجعية العربية والامبريالية والصهيونية، وكنت أنت أيها المناضل الفلسطيني تناضل أيضا ضد الصهيونية والاحتلال، وكنا نرى جميعا البعد الوطني والطبقي ... والوطني والقومي .. والبعد الأممي أيضا متضامنون مع حركة التحرر العالمية ...  فغنينا لكوبا الأبية وترحمنا على رئيس التشيلي سلفادور أللندي، وتغنينا بتضحيات الرفيق فهد من العراق والرفيق فرج الله الحلو من لبنان والمناضل ناصر السعيد من السعودية والشهيد شهدي عطية من مصر والرفيق عبد الخالق محجوب من السودان وكان تشي جيفارا رمزا وأيقونة ليس كأيقونات اليوم.

كان جلّ إهتمام الكوادر هو العمل والنضال والايديولوجيا والفكر .. وكان كل ذلك يتم بنكران منقطع النظير للذات .. وكان الموقع القيادي الحزبي مصدرا للنضال وعرضة للتعذيب والقتل والمطاردة والسجون لفترت طويلة ولم يكن يقف أي مناضل ليجاهر بالقول .. هذا أنا ... شوفوني يا ناس.

كان العمل التنظيمي متسلسلا ... كان الفكر جزء من هذا العمل التنظيمي ... جلسات التثقيف الحزبي .. مدرسة الكوادر ... الفكر القومي ... الفكر الوطني .. الفكر الأممي، ورددنا أيضا " للمرأة غنواتنا وإلها محباتنا .. كلنا نغني .. نغني وناضل إيد بأيد "  وجاهرنا بالصوت ونحن نغني للشيخ إمام " عمال وفلاحين وطلبة .. دقت ساعتنا وإبتدينا .. نسلك طريق ما لهوش راجع .. والنصر أقرب من إيدينا".

وكما يقولون .. كل شىء يحمل في داخله ضده .... مع تطور المجتمعات ومع تحول العالم الى قرية صغيرة بفعل تكنولوجيا المعلومات ووسائل الاعلام الحديث المرئي والمسموع والمقروء ... تفتحت هذه الكوادر أو أغلبها ... خرجت من شرنقة التنظيم وبدأت تفكر ... تغيرت الأجيال .. تغيرت دوافع الانتماء للحزب أو الفصيل، من إنتمى آنذاك لهذا الفصيل أو ذاك في عالمنا العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص إنتمى لفكر وممارسة ... تحول الانتماء هذه الايام ... الى أولا الهادف الى الموقع وثانيا الهادف الى المصلحة وثالثا الساعي للتحشيد لضمان الهدفين الأول والثاني المتمثلين في الموقع والمصلحة.

كيف يكون التحشيد يا رفيق معمر ..... بضم كل أفراد العائلة وربما العشيرة والى حد ما ربما من يرتبط بهم " المناضل" بعلاقة نسب وربما بعض أبناء القرية أو المخيم بضمهم الى هذا الحزب أو الفصيل... ليشكلوا جميعا "عزوة".

ثم تبدأ - يا معمر يا عرابي-  عملية إستعراض القدرة والوزن داخل الحزب أو الفصيل، وعلى إثرها تبدأ عملية التوازنات، وزير هنا، ومدير عام هناك، ولجنة تنفيذية ومجلس مركزي وناطق إعلامي وقائد الفصيل ونائبه والناطق الاعلامي وممثل الفصيل في القوى الوطنية والاسلامية وعضو المكتب السياسي وعضو اللجنة المركزية وعضو لجنة الرقابة.

ومع إستفحال أستراتيجية التوازنات يظهر القائد المحنك الذي يطّوع كافة التناقضات الشخصية ... وهو الذي يتقن بامتياز السير حافيا على الجمر ... أو ذلك الذي يداعب أوتار الجيتار أو "يدوزن" أوتار القانون أو البيانو ... فينتهج كل ما في وسعة كي يبقى متربعا على قمة الهرم، يقدم الوعود لهذا أو ذاك أو تلك، "ينكش" هذا ضد ذاك، يرسل فلانا الى سفرة هامشية الى الخارج ويظهر بوصفه "السوبر" الذي تجمع عليه كل التجاذبات.

تختفي الاجندات الوطنية والقومية والأممية رغم التشدق بها، تزداد الذاتية والمصالح، فتختفي هوية الحزب أو الفصيل الوطنية والطبقية وألاممية، ويصبح تابعا " لحنفية التمويل" وترتهن مواقف الفصيل أو الحزب وقيادته بالإغداق المالي تحت بند " ذلك هو إستحقاق".

وهنا نأتي الى مقولة الرفيق معمر عرابي " إن أكبر معركة يخوضها المثقف هي معركة ضد تفكير القطيع".
هل يرضى المناضلون الحقيقيون بذلك كله، هل يقبلوا أن يتحولوا الى قطيع؟ هل يسمحوا لأي كان أن يصادر عقولهم؟

لذلك سيجدوا أنفسهم أمام معركة كما ذكر الرفيق معمر ... فعلا معركة كبرى .. إما أن يغيبوا تماما تفكيرهم وعقولهم ... أو أن ينتصروا لها ضد تفكير القطيع " معاهم معاهم ... عليهم عليهم".

ويبدأون أول ما يبدأوا بمناهضة ثقافة التحشيد وتفكير القطيع داخل الاطار ، لكن حنكة قيادة الاطار وزبانيتهم ستجعلهم بحكم الواقع خارج الاطار عملا بمقولة " كلب يعوي معنا ولا كلب يعوي علينا"، ويتشدق المسحجون بمقولة لينين المشهورة " العمل من داخل الاطار وحتى في البرلمانات الأشد رجعية" ليبرروا دخول الفصيل أو الحزب ضمن أطر الدولة أو الكيان الرسمية القيادية.

إن أكبر معركة يخوضها المثقف هي معركة ضد تفكير القطيع .... مقولة معمر عرابي .. صحيحة وأقترح تعميمها ... والله وجبتها يا معمر يا عرابي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير