التصحر يتمدد في الضفة والقطاع... واستصلاح الأراضي هو الحلّ

10.07.2019 11:13 PM

وطن- فراس الطويل

لم يتخيل المواطن أيمن فوزي 52 عاما، أن أرضه الصخرية التي لا تصلح للزراعة ستتحول إلى بستان يسر النظر في بلدة عقربا جنوب شرق نابلس. 80 دونما كانت قبل ثلاثة أعوام عبارة عن أرضٍ قاحلة، تُزرع فيها بعض المحاصيل البعلية، لكنها اليوم تحولت لجنّة زُرعت فيها أكثر من ألفي شجرة غيرت مشهد الأرض، وبثّت الأمل في نفس فوزي وأشقائه التسعة بأن تتحول لمشروعٍ مربح يدر عليهم دخلا معقولا.

أرض المواطن فوزي وأشقائه كانت من بين آلاف الدونمات التي خضعت للاستصلاح، ضمن المشاريع التي ينفذها اتحاد لجان العمل الزراعي منذ بداية عمله في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1986، في محاولة لوقف المدّ الصحراوي الذي تظهر مؤشراته في 50% من الأراضي، وتشكل ما نسبته 15% حالة تدهور كلي، وتصنف على أنها متصحرة، وفق نتائج التقرير الوطني الأول المقدم لسكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر.
وتتم عملية الاستصلاح من خلال شق طرق زراعية لتمكين المزارعين من الوصول لأراضيهم، وحفر آبار جمع مياه الأمطار، وبناء السلاسل الحجرية لمنع انجراف التربة، وتشييد الأسوار الاستنادية في الأراضي شديدة الانحدار، إلى جانب تنفيذ بعض الآليات والتقنيات الحديثة في الزراعة لتحقيق عوائد أفضل للمزارعين، كما يوضح المهندس الزراعي في الاتحاد "صايل عطاونة".

تركّزت مشاريع اتحاد لجان العمل الزراعي في السنوات الأخيرة بشكل كبير في الضفة الغربية، وجزئيا في قطاع غزة. في السنوات العشر الماضية تجاوز مجموع الأراضي المستصلحة 5 آلاف دونم، وتم شق قرابة 100 كيلو متر من الطرق الزراعية في مناطق جنوب الخليل وبيت لحم وطولكرم وجنين ونابلس وقلقيلية والقدس ورام الله، وترافقت عمليات الاستصلاح مع حفر الآبار وتشجيع تقنيات الحصاد المائي لضمان استمرارية الأشجار المزروعة.

قصة نجاح في شفا الغور
في عام 2015، سمع المزارع أيمن فوزي عن مشاريع ينفذها اتحاد لجان العمل الزراعي، فقرر خوض التجربة لبث الحياة في أرضه القاحلة، التي لم تكن تنتج سوى بعض المحاصيل البعلية. الأرض كانت شبه معدومة ومرتعا للحيوانات كما يصفها صاحبها؛ صخور في كل مكان، وانحدارات شديدة أفقدتها نحو 80% من القدرة على الإنتاج. وما أن دخلت الجرافات والمعدات إليها، حتى بدأت معالمها بالتغير، خصوصا بعد شق طريق حولها، وتبع ذلك إقامة سلاسل حجرية وجدران داخلية وضخ قرابة 1400 شاحنة محملة بالتربة فيها، ناهيك عن حفر بئر لجمع مياه الأمطار.
أصبحت الثمانين دونما مهيأة الآن للزراعة، وبات 80% منها صالحا للإنتاج. وبالفعل، جرت عملية غرس 1000 شجرة عنب، ومثلها من أشجار الزيتون، و50 شجرة زيتون و50 من أشجار اللوزيات المختلفة. مثّلت هذه الأشجار ثروة حقيقية ستدر دخلا وفيرا على الأشقاء بعد 5 سنوات، حسب دراسات الجدوى التي أُعدت قبيل عملية الاستصلاح.


يروي فوزي كيف أصبحت أرضه القاحلة بستانا كبيرا يفيض بالحياة وسط مئات الدونمات غير الصالحة للزراعة، بعض الأشجار بدأت بالإنتاج المبكر هذا الموسم، فعلى سبيل المثال، بلغ محصول العنب لديه قرابة 4 أطنان، مع تقديرات بالوصول إلى 7 أطنان بعد عامين. وفي الوقت الذي ستصبح فيه بقية الأشجار منتجة، خصوصا الزيتون، سيسترد أيمن فوزي وأشقاؤه المبالغ التي دفعوها في سبيل استصلاح أرضهم، مع العلم أن مساهمة اتحاد لجان العمل الزراعي في هذا العملية تعدت النصف، وتركزت في شق الطرق وحفر البئر وإقامة السلاسل، أما بقية الأعمال فتكفل بها أصحاب الأرض، سيما تزويد الأرض بالتربة التي تحتاجها.
يدعو صالح كل ملاك الأراضي غير المستغلة إلى المسارعة في إستصلاحها، وطرق باب اتحاد لجان العمل الزراعي من أجل المساعدة في ذلك، فهي ستصبح مصدرا للرزق، وتشغل العاطلين عن العمل، وتساهم في دفع عجلة الاقتصاد المحلي، وتقلل حدة التبعية للاحتلال الإسرائيلي، والأهم الحماية من غول المصادرة.

في اليوم العالمي للتصحر..ناقوس الخطر يدق في فلسطين
يعرف التصحر، بأنه تدهور الأراضي في المناطق القاحلة، وشبه القاحلة، والجافة شبه الرطبة، والسبب الرئيس في ذلك هو الأنشطة البشرية والتغيرات المناخية، ويحدث ذلك لأن النظم الإيكولوجية للأراضي الجافة، التي تغطي أكثر من ثلث مساحة العالم، معرضة للاستغلال المفرط والاستخدام غير الملائم. ويمكن للفقر، ولعدم الاستقرار السياسي، وإزالة الأحراج، والرعي المفرط، وممارسات الري السيئة أن تتلف إنتاجية الأرض.


ويُحتفل باليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف سنويا في الـ17 من حزيران، لتعزيز الوعي العام بالجهود الدولية المبذولة لمكافحة التصحر. ويعد هذا اليوم لحظة فريدة لتذكير الجميع بأن هدف الحد من تدهور الأراضي ممكن التحقيق من خلال حل المشاكل، والمشاركة المجتمعية القوية والتعاون على جميع المستويات".


وفي فلسطين تظهر مؤشرات التصحر في أكثر من 50% من الأراضي التي تحتاج إلى جهد كبير لإعادة تأهيل هذه الموارد الطبيعية المتدهورة، علما أن ما يقارب 15% منها في تدهور شديد. وذكر تقرير صدر عن الإدارة العامة للغابات والمراعي والحياة البرية في وزارة الزراعة، أن أهم مسبب لحالة تدهور الأراضي في فلسطين هو الاحتلال الإسرائيلي الذي يقوم بتجريف الأراضي الزراعية، والقطع الممنهج للأشجار (أكثر من مليون شجرة مختلفة منذ عام 2000) من خلال المستوطنين، أو من خلال قوات الاحتلال، التي تجرف مساحات شاسعة من الأراضي، لإقامة المستوطنات والمعسكرات وما يتبع ذلك من شق الطرق الالتفافية وإقامة مشاريع البنية التحتية.


وحسب تقرير وزارة الزراعة، تعتبر الدول العربية من أكثر المناطق بالعالم المتأثرة بظاهرة التصحر، حيث أن قارتي إفريقيا وآسيا الأكثر تضررا بهذه الظاهرة من حيث كثافة المساحة المتأثرة، وتعتبر فلسطين كواحدة من الدول العربية المتأثرة بهذه الظاهرة التي نتجت عن عوامل بشرية وعوامل طبيعية، أدت إلى تدهور واضح في الغطاء النباتي والتربة وتراجع الإنتاجية، ونسبة الكربون المخزن بالتربة، علماً بأن أكثر من ربع الكرة الأرضية تعاني من خطر تدهور الأراضي، والذي يؤثر على ما يقارب الـ 110 دولة، وما يقارب مليار ونصف من سكان العالم.


وتعتبر السلطة الفلسطينية منذ عام 1994 حتى عام 2017 عضوا مراقبا في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، والتي انضمت إليها كعضو دائم منذ عام 2017، وتم إعداد الإستراتيجية الوطنية لمكافحة التصحر في عام 2012، وحددت جملة من الأهداف الإستراتيجية للحد من أثر التصحر، وتدهور الأراضي في فلسطين والحدّ من الفقر.


وأشارت الوزارة إلى أن العديد من مؤشرات التصحر وتدهور الأراضي تظهر في الأراضي الفلسطينية، والتي تم رصدها في مساحات كبيرة، حسب ما ظهر في التقرير الوطني الأول والذي تم إعداده في شهر 7/2018، أي بعد أشهر من انضمام السلطة الفلسطينية لهذه الاتفاقية بالاعتماد على المعلومات الافتراضية المتوفرة من وكالة الفضاء الأوروبية معتمدة على ثلاثة مؤشرات رئيسية موحدة كأساس للإبلاغ من خلال التقارير الوطنية لجميع دول العالم وهذه المؤشرات هي: الغطاء النباتي، والانتاجية، والكربون المخزن.

التغيرات المناخية والممارسات البشرية
مما لا شك فيه أن التغيرات المناخية )تذبذب كميات الأمطار والجفاف) على مدار السنوات الماضية لعبت دورا محوريا في تفاقم مشكلة التصحر، الأمر الذي أدى إلى تدهور التربة، سواء كان ذلك بفعل المياه أو الرياح عدا عن التكشفات الصخرية، بالإضافة إلى تملح التربة الذي يؤدي إلى إعاقة نمو النباتات نتيجة لصعوبة إمتصاص جذور النباتات الرطبة، وكذلك إتلاف أنسجة الأوراق وتدهور الغطاء النباتي. هذا ما خلصت إليه دراسة صدرت عن دائرة الجغرافيا في جامعة بيرزيت قبل عامين.
أما العوامل البشرية فتتمثل وفقا لذات الدراسة بنمط الحياة البدوية وانتشار بيوت الصفيح، بالإضافة إلى تناقص أعداد الحيوانات نتيجة الجفاف وإرتفاع أسعار الأعلاف وهجرة الأراضي الناتجة عن قلة الماء، والتحول لمهنٍ أخرى، ما جعل الأراضي عرضةً لخطر التصحر والممارسات الخاطئة. ترافق ذلك مع استنزاف غير رشيد للموارد الطبيعية والبيئية من خلال إقامة المناطق السكنية والتوسع الحضري على الأراضي الزراعية وتحويلها من أراضي خصبة منتجة، تمدّ السكان بمكونات الحياة إلى مناطق عمرانية.
المؤشرات والمعطيات السابقة، تؤكد ضرورة تغيير نمط تفكير الإنسان الفلسطيني تجاه الأرض حتى لا يتم فقدها، ليس بسبب الاحتلال الإسرائيلي فقط، وإنما بفعل الإهمال والممارسات الخاطئة. وأمام الواقع المتدهور في الأراضي الفلسطينية، لا بُد من إتباع  مبادئ التنمية المستدامة والتخطيط السليم لاستخدامات الأرض والمحافظة على الأراضي الزراعية، وعدم إهدار تربتها أو تلويثها أو تعرضها للتصحر، لأنها مصدر إنتاج الغذاء للسكان. 

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير