خسائر ثقيلة وإهمال واضح...حرائق الأعشاب: 125 حادثًا يوميًا ونداء استغاثة كل 4 دقائق

13.07.2019 08:57 AM

وطن- عبد الباسط خلف

تطوع الأربعيني سالم الشيخ إبراهيم في تنظيف شارع جنوب جنين، وراح يزيل الأعشاب الجافة من حقل لجيرانه، بعد متابعته في وسائل التواصل الاجتماعي لعشرات الحرائق، التي أكلت الأخضر واليابس في عدة مناطق.

وقال، وهو يرتدي قفازات ويمسك بمنجل، إن الأعشاب هذه "مجنونة"، فبعضها تجاوزت الأشجار في طولها، وصارت تشكل مناطق تهديد للبيوت وللحقول، وهي باختصار "بيت آمن" للأفاعي.
ورأى الشيخ إبراهيم، أن مكافحة الأعشاب هذا العام لم تتم كما يجب، ومعظم الناس تراخوا عن تنفيذ واجبهم، واتخذوا من الأمطار الغزيرة "ذريعة، وأكتفوا بمشاهدة الأعشاب"، وكأن الأمر لا يعنيهم.


موسم ثقيل
وأفاد مدير إطفائية بلدية نابلس، رامز الدلع، بأن هذا الموسم "ثقيل" على نابلس والمحافظات الأخرى، وبالكاد يمر يوم إلا واشتعلت فيه الحرائق، وتسبب الأمر بـ"الإرباك" لطواقم الإطفاء، بسبب ارتفاع درجات الحرارة فوق معدلها، وهطول كميات كبيرة من الأمطار.
وأحصى الدلع الحرائق التي نشبت في نابلس خلال ثلاثة أسابيع، وتجاوزت الـ500 حريق، فيما شهدت بعض الأيام شبوب النيران في نحو 120 نقطة في اليوم ذاته، وانتقلت الحرائق في بعض الحالات إلى مركبات وحافلة كبيرة.


وأوضح أن الإطفائية نشرت عبر الإذاعات المحلية تحذيرات متكررة، وطلبت من المواطنين عدم إشعال النيران، وتنظيف الأعشاب قبل حلول الصيف، وتفادي إلقاء أعقاب السجائر، إلا أن الاستجابة كانت ضعيفة، واعتقد المواطنون أن التخلص من القوارض والأفاعي يكون بإشعال الأعشاب.


ووفق الدلع، فإن حريقًا واحدًا في مشطب للمركبات استهلك 120 مترًا مكعبًا من الماء، عدا عن الجهود البشرية والمحروقات.
وبلغة الأرقام، تمتلك بلدية نابلس 16 سيارة إطفاء تتخصص داخل حدود البلدية، وتستقبل هواتفها 6 مكالمات في اللحظة نفسها، ويعمل فيها 79 موظفًا، يغطون مدينة فيها قرابة 256 ألف نسمة، وهو أقل بكثير من المعدل العالمي، إذ يحتاج كل ألف مواطن رجل إطفاء واحد، وفي حالة نابلس الطبيعية، تحتاج إلى 180 رجل إطفاء لسد العجز.


وأشار الدلع أن البلدية لا تعمل في إطفاء الحرائق فقط، بل تلقي القبض على الأفاعي، وتوفر المصاعد للعالقين في عماراتهم، وتعمل في حوادث الشتاء، والحوادث البيتية، وحسب القانون الأردني السابق كانت تجبي 5 دنانير عن كل حريق، لكنها الآن لا تجبي رسوم من يحترق منزله، فيما تدفع المصانع والمنشآت التجارية، والحقول المزروعة التي لم ينظفها أصحابها رسومًا؛ لسد العجز في الاستهلاك الكبير للمياه، والتي تحتسب بحجم استهلاك المياه والوقود وعدد المشاركين في الإطفاء، وتبلغ 30 شيقلًا بدل كل متر مكعب من المياه.


وقال: تستنفذ حرائق الأعشاب جهود الإطفائية، وتشكل عائقًا أمامنا عن تأدية مهام ضرورية أخرى، تتعلق بانقاذ أرواح، أو إخماد نيران في منازل ومنشآت.


صيف استثنائي
ووصف مدير الإعلام والعلاقات العامة في الدفاع المدني، الرائد نائل العزة هذا الصيف بـ"المختلف والاستثنائي"، إذا لم تشهد السنوات السابقة عددًا مشابهًا من الحرائق في الحقول والمساحات المفتوحة.


وانعكس ارتفاع الحرائق على هواتف الدفاع المدني، التي صار يصلها، خلال أيار الماضي، نداء استغاثة واحد كل 4 دقائق، وجرت الاستجابة من 7-10 دقائق لكل حادث، فيما يصل معدل الاستجابة طوال العام إلى 12 دقيقة، بفعل الظروف الجوية.


وبحسب الإحصاءات الرسمية، التي يوثقها العزة، شهد شهر أيار 3384 حادثًا، 85% منها حرائق أشجار وأعشاب، فيما وصل معدل الحرائق اليومي إلى 125، أعلاها محافظة الخليل ذات المساحة الأكبر، والأشجار والحقول الأكثف، تليها رام الله والبيرة، ثم جنين، فيما تتشابه المحافظات الأخرى.
وذكر العزة أن كادر الدفاع المدني البالغ 1200 يعمل 450 منه في الإطفاء، بـ 120 مركبة، فيما تتواجد في الخليل 8 مراكز، وواحد في طوباس والأغوار الشمالية، ويستقبل خط الجهاز الهاتفي 3 بلاغات في اللحظة، وتصل نسبة البلاغات الكاذبة إلى قرابة 2% من الاتصالات المُستقبلة، التي إذا ما تكررت فإنها تقود صاحبها إلى المحكمة، ولكن إذا كانت الأولى فتُحل بتعهد عدم تكرارها.


وأكد أن المعيار الدولي للإطفاء وجود مركز لكل 30 كيلو متر مربع، أو لكل 30 ألف مواطن، وتحتاج المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 إلى 25 مركزًا للوصول إلى الرقم الدولي، إذ تمتلك اليوم 49 مركزًا، وهو ما أخذ في خطة السنوات الخمس.


تكاليف وقانون
وتبعًا لأرقام الدفاع المدني خلال أيار 2019، لحقت الخسائر المادية بنحو 10 آلاف دونم، تتنوع بين محاصيل زراعية، وأشجار مثمرة وحرجية، و3 آلاف شجرة زيتون، وارتفعت تكلفة صيانة المركبات بنسبة 200% (ثمن المركبة الواحدة ربع مليون دولار بالمعدل)، وجرى استهلاك عشرات آلاف الأمتار المكعبة من المياه.


وأوضح العزة أن مركبة الإطفاء الكبيرة تتسع لثلاثة أمتار مكعبة من الماء، وهناك مركبات صغيرة تستوعب متر مكعب واحد، وتتسع صهاريج التزويد 10 أمتار مكعبة.


واستنادًا إلى العزة، فإن كل حريق أعشاب يحتاج إلى 4 رجال إطفاء، بمتوسط عمل يومي 8 ساعات متواصلة، تتبعها 7 ساعات أخرى في صيانة المعدات وتفقدها، ما يرفع العدد إلى 15 ساعة، كما قفز استهلاك وقود المركبات إلى 200%، وتتطلب بعض الحرائق 30 مترًا، وفي حوادث أخرى يجري استخدام مضخات صغيرة.


وأضاف أن الجهاز لم يترك وسيلة إعلامية إلا ووظفها، فلديه تطبيق للهواتف الذكية، وموقع إلكتروني، وصفحات عبر "فيس بوك"، و"توتير" و"إنستجرام"، ومجموعات "واتس أب"، وبرنامج إذاعي، وتلفزيوني، ووظف هذه المواقع لتوجيه الإرشادات الخاصة بالأعشاب، لكن دون استجابة كبيرة.


وتبعًا للأرقام الرسمية، عقد الدفاع المدني 86 ورشة مع محافظين وهيئات محلية منذ شباط وحتى نيسان، تخصصت كلها في التحذير من الربيع والصيف القادمين، بعد موسم مطري مميز.


وبيّن العزة أن المشكلة في غياب الالتزام بإجراءات السلامة، التي تكمن في العقوبات، فهي قاسية جدًا في القانون، مع جهل وثقافة غائبة، ولا يعقل مثلًا سجن أطفال أو كبار في السن يشعلون النار، خلال تنظيف محيط منازلهم وحقولهم.
وينص قانون الدفاع المدني، على أن أية مخالفة تعني دفع 500 دينار غرامة، أو السجن ستة أشهر، أو كلتا العقوبتين، لكن نقل المخالفات إلى قانون العقوبات يعني تحويلها إلى جناية، وتكون بأحكام عالية.


ويقدم الجهاز خدمة الإطفاء مجانًا للأفراد، ويحصل على رسوم من المصانع والشركات، تتحدد وفق عدد المشاركين في الإطفاء، والمركبات المستعملة فيه.
وأفاد العزة أن الإجراء القانوني الذي تعامل معه "الدفاع المدني" تمثل في إغلاق كلي أو جزئي لـ"مشاطب السيارات"، وتوجيههم إلى المحاكم.


جهود وتقصير
من جهته، لخص رئيس قسم الإطفاء في مديرية الدفاع المدني بطوباس والأغوار الشمالية، عبد الكريم دراغمة، عدد الحرائق التي شهدتها المحافظة بـ 162 حريقًا خلال رمضان الماضي، عمل 20 رجلَ إطفاء فيها بمركبتين، هي كل ما تمتلكه طوباس، الممتدة على نحو 400 كيلو متر مربع، وتمتلك نقطتين مركزيتين للتزود بالمياه، إضافة إلى صهريج تزويد من بلدة جبع.


ويبدأ دراغمة عمله في التاسعة صباحًا بتفقد المعدات، والطواقم، فيما يمنع على رجال الإطفاء خلع زيهم وأحذيتهم حتى الثالثة بعد الظهر، إذا سارت الأمور على ما يرام، ولم تشتعل الحرائق.
واستذكر الحريق الأطول، الذي شب في الباذان وامتد إلى النصارية والعقربانية، واحتاج إخماده حتى الحادية عشرة ليلاً، وتزامنت 4 حرائق معًا، ما أضطره لاستدعاء طواقم من مركزي جبع وسيريس.


وضاعفت الحرائق عمل طواقم محافظة طوباس، فطوال شهر أيار، لم تتوقف حركة المركبتين على مدار 24 ساعة، واحتاج بعضها 10 ساعات عمل متواصلة، واستهلكت كميات كبيرة من المياه، وتطلبت التزود بالماء 3 مرات، وعملت 3 مركبات لمحاصرة النيران في مشطب للسيارات، ووقعت 5 إصابات عمل في صفوف رجال الإطفاء، واحترقت 484 شجرة.


وقال دراغمة إن غالبية الحرائق تقع بسبب الإهمال، أو تدريبات الاحتلال كما في البقيعة والمالح والحمة وعين الحلوة، وتشتعل نسبة بسيطة منها بسبب وجود قطع زجاجية، وسط أجزاء شديدة الحرارة.
الحرائق التي تدخل فيها المواد النفطية والزيتية تستخدم فيها مادة (البوم) المصنوعة من عظام الحيوانات، والتي تشكل رغوة تخنق ألسنة النار.


واللافت، وفق دراغمة، أن المواطنين وأصحاب الجرارات والصهاريج يهبون لمساعدة رجال الإطفاء في السيطرة على الحرائق، فيما وزع الجهاز إرشادات خلال العام لتجنب حرق الأعشاب، لكن دون استجابة.


ودعا إلى تجنب رمي أعقاب السجائر، وإزالة الأعشاب الجافة بعيدًا عن الحرق، وعدم إضرام النيران بالنفايات.


رقابة ولكن
فيما أكد مدير الموازنات في وزارة الحكم المحلي بمحافظة طوباس والأغوار الشمالية، جمال مطاحن إن الوزارة توافق على بنود الصرف للهيئات المحلية التي تتضمن التعامل مع قضايا البيئة، كتنظيف المقابر، وإزالة الأعشاب، لكنها لم تصدر تعليمات خاصة للتعامل مع الأعشاب.


ورأى أن المواطن هو من يراقب الهيئة المحلية في كل القضايا، ومنها الإهمال في إزالة الأعشاب، التي تتسبب بحرائق بعد جفافها.
ووفق مطاحن، فإن "الحكم المحلي" لم تتلق هذا العام شكاوى على هيئات محلية على خلفية "التقصير في إزالة الأعشاب".
وأضاف إنه في حال ورود شكاوٍ من هذا النوع، فإن الوزارة تتعامل معها، وتلزم الهيئات بتصويب أوضاعها، وفي قضايا أخرى قد يصل الأمر إلى حد حل الهيئة، وتعيين لجنة بديلة.


وأشار رئيس مجلس قروي تياسير، شرق طوباس، وجيه الدبك إلى أن هيئته المحلية تتابع الأعشاب منذ بداية الموسم الذي شهد أمطاراً غزيرة، ولم يعط فرصة للحراثة، كما تحث المواطنين على تنظيف حقولهم، وتقوم بما تستطيع لتفادي الحرائق.
وذكر أن البلدة، الواقعة شرق طوباس، لم تشهد حرائقَ داخلها، لكن النيران اشتعلت في الجبال القريبة بسبب التدريبات العسكرية للاحتلال.


وقال الدبك إن مزارعي القرية عملوا على إزالة الأعشاب بعد جفافها؛ لأن شبوب النيران يعني "القضاء على أشجار الزيتون".
ورصدت "آفاق" استخدام إحدى الهيئات المحلية الجرافات لإزالة الأعشاب الجافة، لكن ذلك تم بطريقة غير مجدية، وبقيت معظم الأعشاب مكانها، واكتفت الهيئة بتنفيذ نشاط تطوعي لتنظيف الشوارع من الأتربة والنفايات، دون معالجة الأعشاب!

كلمات مفتاحية: حرائق الأعشاب، الدفاع المدني، رجال الإطفاء، خسائر فادحة، تكاليف باهظة، حرائق متعمدة، إهمال وتقصير، نائل العزة، إطفائية بلدية نابلس، وزارة الحكم المحلي.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير