الشاب نور الدين اشتيه يدخل الفطر المحاري إلى السوق المحلي ويحصل على منحة لإنتاج المشروم

14.07.2019 06:03 PM

وطن- ربى عنبتاوي

غرفة صغيرة في منزله كانت كفيلة ببدء مغامرة زراعية مثيرة. خلفيته الأكاديمية والإرث الذي أكتسبه من عائلته الريفية، عدا عن معايشة تجربة ايطالية في الزراعات العضوية، كانت جميعها كفيلة بأن يبدأ الخطوة الأولى "الفطر المحاري".

من خلال الفيسبوك، بدأ الشاب ابن الـ28 عاماً "نور الدين اشتية" بتسويق منتجه "الفطر المحاري" أو كما يطلق عليه علمياً Oyster Mushroom  ، الغذاء الذي لفت الأنظار إليه لندرته في السوق الفلسطيني، فدعا محبي العضوي لطلبه وتذوقه. ورغم أن الإنتاج ما زال بسيطاً والتسويق يصنّف بالمتواضع؛ لكنه نفذ بسرعة في دورته الإنتاجية الأولى.
المتذوق لهذا الفطر يلحظ انه رخوي كفاكهة البحر، منخفض السعرات لكنه يشعر آكله بالشبع. لذيذ عند طهوه مع زيت الزيتون والملح والفلفل والسماق، والأهم أنه مزروع بصفر كيماويات. 
هناء البيدق مواطنة خضرية من سكان رام الله كانت من أوائل من جرب الفطر المحاري من إنتاج الشاب اشتية، حيث قطعته وتبّلته وطهته، وتناولته كالشاورما في خبز قمح. تقول لآفاق البيئة والتنمية: "طعمه لذيذ ويوحي لي بأني آكل دجاجاً بل أطيب، والأهم أتناوله وأنا مطمئنة فلا كيماويات تدخل في إنتاجه".


ما هو  الفطر المحاري؟
علمياً يعرفُ الفطر المحاري أو الصدفي بأنه  نوع من أنواع الفطريات البرية الصالحة للأكل، والذي يستخدم أيضاً في عمليات تقليل نسب التلوث في بيئات محددة. سمي بذلك نظراً لشكل رأسه الشبيه بالمحار، حيث أن سيقانه تنمو بشكل جانبي. ويعتقد آخرون بأن هذه التسمية جاءت من الطعم المحاري المميز لهذا الفطر.
يستخدم الفطر المحاري بكثرة في الأطباق الصينية واليابانية، وله طعم لطيف غير لاذع، ورائحة شبيهة بالينسون. يُمثّل إنتاجه حوالي 14% من الإنتاج العالمي للفطور. يتميز هذا النوع أنَّه يصلح للزراعة داخل البيوت، ويمكن لصغار المزارعين من ذوي الخبرات والإمكانيات القليلة من استخدامه في زراعتهم. للفطر المحاري رأس محاري أو مروحي الشكل، يتراوح قطره ما بين 5 إلى 25 سنتمتر تقريباً، ويتميز بلونه الأبيض، الرمادي، أو البني المتدرج بين الفاتح والغامق. ينتشر الفطر المحاري في المناطق شبه الاستوائية.


يمتاز هذا النوع من الفطر من حيث العناصر الغذائية بكونه منخفض الصوديوم والدهون والكولسترول، مصدر للبروتين والألياف الغذائية، وكذلك للعديد من الفيتامينات والمعادن مثل: B، B6، حمض الفوليك، الحديد، المغنيسيوم، الزنك، المنغنيز، الفسفور والبوتاسيوم. يحوي الفطر على نوع خاص من مضادات الأكسدة القوية (ارجوثيونئين) الهام لتقوية المناعة ومقاومة الجراثيم والبكتيريا.


الإرث الزراعي وتحديد المسار
عمل اشتية ابن قرية "تل" جنوب غرب نابلس منذ تخرجه عام 2013 من جامعة النجاح "تخصص إنتاج نباتي ووقاية نبات" في عدة مؤسسات وجمعيات زراعية، منها اتحاد الجمعيات التعاونية في فلسطين، حيث اكتسب مهارات زراعية وأخرى في التسويق، كما اكتسب معرفة علمية مميزة حين عمل في مركز بيرك للأبحاث في قريته تل، حيث تعرّف على كل خصائص نباتات فلسطين وفوائدها واستخداماتها، فاكتسب خبرة جيدة. كما عمل كمفتشٍ زراعي عضويٍ مع شركة للزراعات العضوية (COAP) تصدّر للخارج وتتعاون مع عدة مزارع عضوية. وتطوع اشتية في عدة مزارع عضوية كفرخة في سلفيت، واكتسب خبرات من المزارع البيئي ومناصر الزراعة العضوية "سعد داغر".


وتعلّق أكثر بتخصصه واجتهد فحصل على منحة ماجستير مشتركة بالتعاون مع جامعته النجاح، وذلك في جامعة نابولي الايطالية -تخصص "تكنولوجيا الغذاء- وكان عاماً لا ينسى من الإنخراط في عالم الزراعات العضوية.
"قبل الجامعة عملت في الزراعة البعلية مع عائلتي فكنا نأكل من إنتاجنا متنوع المحاصيل، كما تابعتُ أمور مزرعة عائلتي للدجاج اللاحم، وأخرى للبلدي، وما زلت أدير حتى اللحظة مزرعةً للدجاج اللاحم كدخل إضافي". يقول اشتية الذي ينتظر فرصته في سلك التعليم الحكومي كمعلم زراعي.


نقطة التحول الكبرى
في عام 2018 سافر اشتية إلى ايطاليا ليشرف كجزءٍ من دراسته العليا على آفات مزرعة عضوية في مدينة نابولي الايطالية، بهرته المزرعة القائمة على 150 دونماً والمزروعة بمختلف أنواع الخضار والحبوب والفاكهة، والتي تُعتبر مصدراً غذائياً موثوقاً لكل أهل القرية ومحيطها.
يقول اشتية الذي تشعرنا نبرات صوته بأهمية التجربة المميزة في ايطاليا: "لا يدخل الكيماوي نهائياً في زراعة أي صنف من أصناف هذه المزرعة، كما أن البذور أصلية ومن نفس المحاصيل". هناك، عمل اشتية في المزرعة يومياً من الثامنة صباحاً وحتى الرابعة عصراً، واكتسب معرفة وثقافة زراعية كانت حافزاً له لينطلق بمشروعه فور عودته للوطن.
في هذه المزرعة التي تديرها عائلة ايطالية منذ 25 عاماً، يقول اشتية، لا شيء فيها من المخلفات يلقى في القمامة، كل شيء يتم تدويره من بقايا المزروعات لصناعة الكومبوست، كما يتم تخليل الخضار الزائدة، وصنع مربى من الفاكهة التي اقتربت من التلف.
ما لاحظه في نابولي؛ يقول اشتية: "الايطالي يهتم بصحته بشكل كبير مقارنةً بالعربي، فهو يمارس الرياضة ويأكل غذاءً صحياً ضمن ما يُعرف بحمية البحر الأبيض المتوسط، وصدقاً لم أرَ أجساما بدينة كما لدى دول أخرى في العالم".


لماذا هذا الفطر؟
لاحظ اشتية أن أسعار المشروم في ايطاليا رخيصة جداً مقارنة بالإسرائيلي الذي يباع في السوق الفلسطيني، فقرر أن يبدأ بالتغيير من بيته وبنفسه، فأخذ "تقاوي" من مزارع فلسطيني من اللبن الشرقية للفطر المحاري الغير مزروع بشكل تجاري محلياً، فبدأ بزراعتها أواخر العام الماضي 2018 وفق أسس علمية دون استخدام أي مبيد كيميائي، ونجحت التجربة.
ينتج الشاب الطموح من 7-10 كغم في الأسبوع، ويسوقه للأصدقاء والمعارف والمهتمين عبر الفيسبوك، وما يزيد لديه يجففه قبل أن يتلف، ويطحنه ليستخدم كشوربة.
"أعلنت على صفحتي ووجدت تجاوباً واهتماماً من الناس، ولكن البعض تخوف ظناً منهم أن هذا الفطر سام". يلفت اشتية إلى أن التسويق لن يكون سهلاً؛ لأن المشروم لم يرتبط بشكل أساسي بالتراث الغذائي الفلسطيني كما المطبخ الغربي، لذلك ينوي أن يقدم وصفات غذائية شهية مستقبلاً مع المنتج، ليشجع المتسوقين للإقبال عليه.
يفكر اشتية في تخصيص خط من إنتاجه لصناعة شوربة الفطر بعد تجفيفه وإضافة نكهات له كاللفندر والروزماري، وذلك لأن الشوربة المستوردة المنتشرة بالأسواق مليئة بالمواد الحافظة.
في سؤاله عن فطر فلسطيني ظهر قبل سنوات وتعثر إنتاجه "امورو"، قال أن هذه نتيجة متوقعه لتكلفة الإنتاج العالية التي انتهجها المشروع، حيث أن التقاوي مستوردة والتراب كذلك، ما سبب خسائرَ أعاقت استمرار المشروع، مقارنة بمشروعه الذي تميّز بمواده الخام محلية.


كيف يزرع ؟
الفطر بالطبيعة، وفق اشتية، ينمو على بقايا القش والخشب والأشجار وتحديداً في المناطق الرطبة، أمّا في الزراعات التجارية فيزرع داخل مبانٍ أو غرفٍ رطبة.
وحول طريقة صنع الفطر كما يسرد لنا اشتية، فتوضع في البداية تقاوي الفطر (البذور) في كيس بلاستيكي شفاف مع ثقبين للتنفس، ارتفاعه (مترx 50 سم)، يتم توزيع ترابه (قش، خشب، سماد عضوي) على شكل طبقات كل طبقة من 10-20 سم، طبقة قش ثم تقاوي، ثم قش وهكذا...
يشدد الشاب اشتية على ضرورة غليّ القش لتعقيمه طبيعيا وليس باستخدام مواد كيماوية كما يفعل بعض المزارعين، لأنه يترك أثراً ينتقل للفطر، وذلك بغليه لساعة ونصف (80-90 درجة مئوية) للقضاء على البكتيريا والفطريات. بعد تجفيف القش، يوضع على شكل طبقات كما ذُكر سابقاً، ويترك الكيس في غرفة رطبة مظلمة لمدة 3 أسابيع لكي يكتمل نموه. عندما يكبر يتم عمل فتحات ليخرج منها الفطر.


الإنتاج
تستغرق دورة نمو لفطر المحاري 21 يوماً، كل أسبوع يقطف مرة أو مرتين، يستمر الفطر بالتكاثر لمدة شهرين، ليبقى بوضعية نمو جيدة يجب أن تبقى الرطوبة ما بين ( 60-90 %) وحرارة الغرفة 25 درجة مئوية.
"لكي نوفر الرطوبة اللازمة؛ تُستخدم رشاشات ماء مثبتة على خرطوم، تطلق رذاذاً كل خمس ساعات". يوضح اشتية الذي بدأ مشروعه بغرفة مساحتها 20 متراً، وبعد انتهاء الدورة يُلقي بالقش والأكياس والتراب، ويبدأ بمواد خام جديدة.
تنتج غرفة اشتية من مجموع 20 كيساً؛ ما يعادل 140 كغم (كل كيس= 7كغم) خلال دورة زراعية تصل إلى شهرين. كل كيلو يباع ب 40 شيقل، بربح إجمالي يعادل كل موسم 5600 شيقل. يقوم اشتية بتعبئته داخل عبوات من الفلين مغطاة بالنايلون وباسم من اختياره "الفطر المحاري المميز"، مع الإشارة إلى اسمه ورقم موبايله.
حاز اشتية  في عام 2019على جائزة أفضل مشروع ريادي في القطاعين الزراعي والتكنولوجي من ضمن مائة مشروع، في مسابقة نظمها ملتقى الأعمال في جامعة بيرزيت ) فلفل( E، وذلك عن مشروعه القادم لإنتاج "فطر عيش الغراب" أو ما يعرف بالمشروم الأبيض والبني المشهور فلسطينياً، وسينفذه في شقته الخاصة غير المسكونة بمساحة 250 متراً مربع، وهو متفائل بأن ينجح مشروعه الثاني بعد أصداء الأول، ولكن ينتظر التمويل من القائمين على المسابقة للبدء فيه.


الخطأ الشائع والصواب العائد بقوة
يعترف الشاب اشتية ومن خلال عمله بالزراعة، أن المدخلات الكيماوية من أسمدة ومبيدات تستخدم من دون ضوابط وبشكل مفرط في الضفة الغربية، لافتاً إلى أن غياب الوعي لدى المزارع هو السبب في اعتماد هذا النوع الخطر من المواد الدخيلة على تراثنا الزراعي التقليدي.
"كنا كعائلة نزرع المزروعات البعلية الشتوية مثل البازيلاء، الفول، القمح، الشعير، البصل، الثومة. والصيفية كالفقوس، الكوسا، البندورة، الباذنجان والفلفل" . يعترف اشتية أنه قبل دراسته الجامعية استخدم مع أسرته المبيدات والأسمدة الكيماوية، ولكن بعد قراءة الأبحاث والدراسات عن أضرارها على النبات والصحة، حرّمه بشكل كامل في أرضه وسعى لتوعية من حوله من الجيران والأقارب.


بعيداً عن الفطر
تميّز اشتية بأنه طالب متفوق سواء في المدرسة أو الجامعة، وقد حاز مؤخراً في امتحان التوظيف للتربية والتعليم على المركز الأول، ومن المتوقع أن يبدأ في تدريس الزراعة في إحدى المدارس القليلة التي تعلم "العلوم الزراعية".
من هوايات هذا الشاب؛ تعلم اللغات حيث يلتقطها بسرعة، فهو يتحدث الايطالية والإنجليزية وبعضا من الصينية.
بكلمة أخيرة يخاطب اشتية المزارعين الذين يغرقون مزروعاتهم بالكيماوي: "إياكم أن تصدقوا ما يقال عن العضوي بأنه ضعيف الإنتاج، كثير الآفات ومكلف، فالعضوي هو الأمان والصحة والمذاق والرائحة الطيبة، وسيعطيك إنتاجا غزيراً ولكن اصبر عليه قليلاً في البداية (المرحلة التحويلية)، فتراثناً الزراعي كان معطاءً وأطعمنا منذ مئات السنين دون الحاجة للكيماوي الدخيل علينا".

 

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير