خالد بطراوي يكتب لـوطن: نحن ويهود إثيوبيا
كتب: خالد بطراوي
هلوستي هذه تأتي هلى شاكلة " ما يطلبه المستمعون" فقد طلب بل وإستغرب المحامي الاستاذ طارق طوقان كيف لم أكتب حتى الان عن اليهود الاثيوبيين في الكيان الصهيوني والاحداث الأخيرة. كانت إجابتي للاستاذ طوقان أنه يلزمني أن أقرأ وأن أرصد أكثر تداعيات ما يجري.
لذلك عدا عن قراءة بعض الكتابات عبر شبكة المعلوماتية، كان يلزمني أن أستعين ببعض المراجع الموجودة في مكتبة الراحلين محمد وعايدة بطراوي المنزلية ووجدت كتابا غاية في الأهمية للكاتب عبد القادر ياسين بعنوان " فن إدارة الصراع الطبقي". ووجدت أيضا كتابا صدر بصورة مشتركة للاعلامي وليد العمري وتيسير بلاسي بعنوان " خلفيات هجرة اليهود السوفييت .. المهاجرون يرسمون حدود إسرائيل الكبرى"وقلت أن ذلك ربما يساعدني في الحصول على لمحة تاريخية لهجرة اليهود من الدول الشرقية تلك الهجرة التي إستبقت هجرة اليهود من الدول الافريقية كما ووجدت مداخلات للرفيق نايف حواتمه وآخرون صدرت بعنوان " حركة التحرر الوطني في مواجهة التحالف الامبريالي الصهيوني الرجعي" لم أستفد منها كثيرا ( الصراحة راحة) ووجدت أيضا دراسة صدرت في العام 2004 عن المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية لكل من شلومو وبربارة سفيرسكي بعنوان " يهود إثيوبيا في إسرائيل .. السكان العمل والتعليم". وكان لا بد لي من العودة الى كتاب " بعض قضايا الصراع الاجتماعي في الأردن" الذي أعده سبعينات القرن المنصرم الرفيق المرحوم بشير البرغوثي.
وبكل صراحة لم يعجبني على الاطلاق التحليل السطحي والانبهار بتسمية ما حدث مؤخرا بـ " إنتفاضة الفلاشا"، ولم أرتح مطلقا لهتافات الإثيوبيين المناصرة للقضية الفلسطينية، فلم تكن سوى " كلمة حق يراد بها باطل" وذلك لإغاظة قادة الكيان الصهيوني.
سلومون تيكا (18 عاما) شاب إسرائيلي من أصول إثيوبية قُتل على يد شرطي خارج الخدمة .... خرج إثرها متظاهرون في عدد من مدن الكيان الصهيوني الى الشوارع لتنظيم أحتجاجات رافقتها هتافات مؤيدة للشعب الفلسطيني.
وقبل ستة أشهر من مقتل تيكا قتل المريض النفسي الإثيوبي يهودا بيادغا (24 عاما) بعد أن إشهر سكينا بوجه ضابط للشرطة وقد أدى مقتله لاندلاع مظاهرات في تل أبيب وفي أيار عام 2015 قام إثنان من أفراد الشرطة الاسرائيلية بضرب جندي إسرائيلي من أصل إثيوبي وتم تصوير الحادثة فإندلعت مظاهرات إثرها.
تاريخيا ... بدأت عملية نقل اليهود الإثيوبيين "الفلاشا" الى الكيان الصهيوني عام 1977 حيث حضر المئات، ثم ما بين الأعوام 1977 و 1983 حضر قرابة 6000 إثيوبي الى أن جاءت عملية "موشيه" حيث تم إحضار 7000 يهودي إثيوبي وتبعتها عملية "سليمان" عام 1991 وجرى إحضار 15000 يهودي إثيوبي ليرتفع العدد عام 2008 الى 107000 "مهاجر" يهودي إثيوبي وحاليا فإن أكثر من 140 ألف إسرائيلي من أصل إثيوبي يعيشون في الكيان الصهيوني وبالكاد كانوا قد حضروا ومعهم ملابسهم.
ذلك كله كان بمثابة " تمارين إحماء" قبل الحديث عن واقع "الفلاشا" في الكيان الصهيوني الذي هو إفرازا لعملية تاريخية ممنهجة ضد "اللون الأسود" ولا تختلف كثيرا عن معاناة ذوي البشرة السوداء في أمريكا ولعلنا جميعا نتذكر الرواية الشهيرة " الجذور" (Roots) التي إستعرضت معاناة ذوي البشرة السوداء.
الكيان الصهيوني يعتبر مواطني الدرجة الأولى هم اليهود من أصول أوروبية، ومن الدرجة الثانية اليهود من أصول تنحدر من دول المعسكر الاشتراكي سابقا، ومن الدرجة الثالثة اليهود من أصل شرقي ومن الدرجة الرابعة كان فلسيطينيو الداخل ، إلا أنهم وبعد حضور اليهود من القارة الافريقية إعتبروهم هم المواطنين من الدرجة الرابعة وبعدهم جاء في الدرجة الخامسة أهلنا في الداخل.
اليهود من الأصول الأفريقية – وبضمنهم الفلاشا – يعيشون بشكل عام على أطراف المدن وفي "تنكيات" وبامكان المرء أن يلمس ذلك عند المرور على طرقات الخضيره والعفولة الخارجية وفي كثير من المستعمرات في الضفة الغربية.
ألأدهى مما يواجهه اليهود الآفارقة من ظروف معيشية صعبة على صعيد المسكن والمأكل والملبس والعمل ، أنهم حتى يعانون من إزدواجيه الهوية من ناحية بالاضافة الى التشكيك في إنتماءهم الديني من ناحية أخرى ، وبذك صعب إندماجهم في المجتمع ناهيكم عن أنه يتم إستيعابهم كمجموعات وليس كأفراد في مراكز الاستيعاب. وفي مجال التعليم جرى عزلهم عن باقي الطلاب اليهود بل ورفضت بعض المدارس إستقبالهم. وتم توجيه اليهود الافارقة عموما والفلاشا خصوصا نحو التعليم المهني المتدني ولكم أن تتصوروا كيف تتعامل بعض المراكز الصحية عندما تمتنع عن تلقي تبرعات بالدم من اليهود الافارقة بحجة الخوف من مرض " الإيدز"، حيث تعتبر هذه المراكز أن كل " يهودي إفريقي متهما صحيا بالإيدز الى أن تثبت براءته"... فهل هذا يختلف عما كان في سنوات سابقة في أمريكا وجنوب إفريقا عندما كانت تكتب لافتة عند مدخل المطاعم تقول " ممنوع دخول الكلاب والعبيد"؟
لا أريد أيها الأحبة الامعان في عرض مظاهر التعامل العنصري من قبل الكيان الصهيوني مع "الفلاشا"، لكن وعلى إمتداد سنوات وسنوات كان يلمس اليهود الآفارقة السياسة الممنهجة للكيان الصهيوني تجاههم، فجاء تحركهم نتيجة طبيعية لذلك كله وما كانت عملية قتل تيكا (براوية رسمية أكثر عنصرية) إلا " القشة التي قسمت ظهر البعير" ... فليست هذه أرض الميعاد ... صحيح أن ظروف العيش فيها أفضل مما كانت عليه في إثيوبيا .. لكنها ليست أمل الشباب وتطلعاتهم.
سياسة التمييز العنصري ليست إلا مقدمة للصراع الطبقي وتذكيرا به لأن ما يتمخض عنه صدام بين الطبقات الاجتماعية عبر إحد تجلياته وهو الصدام الاقتصادي. والصراع الطبقي هو الذي يحرك التاريخ، فلم تكن تحركات الشارع العربي فيما سمي جزافا " بالربيع العربي" إلا محصلة لاحتدام الصراع الطبقي وكان ابرز تجليات ذلك أن المطالبة بتغيير النظام لم تكن بسبب الرغبة مثلا في " التحولات الإشتراكية" أو عدم الرضا عن الآداء السياسي للأنظمة، وإنما بشكل أساسي للسعي لتحسين ظروف العيش.
ما الذي سيحصل لاحقا؟
ستعمل كافة الدوائر الصهيونية على دراسة تداعيات ما حصل. سيتم إستخلاص العبر والنتائج. ولا بد من إصدار تقرير يفصل نتائج التحقيق وربما يدين القاتل ... سيحاول الكيان إستيعاب الصدمة .. وإحداث خروقات بين يهود إثيوبيا .. سيقدّم بعض الخدمات كذر للرماد في العيون ... ربما يوعز للأحزاب بأن تدخل في قيادتها المزيد أفراد الفلاشا .. ليس حبا بهم وإنما ليتحولوا بدورهم الى مدافعين عن السياسات العنصرية " ديكورات". سيستخلص أباطرة عمليات الهجرة اليهودية الى " أرض الميعاد" العبر والنتائج المتعلقة بأي " اليهود" سيستقدمون مستقبلا " الى البلاد" .. فكل شىء يحمل في داخله ضده ... وهم لا يريدون أن يشكل " المهاجرون الجدد" عبئا عليهم كجماعات وأفراد يحدثون إرباكات إجتماعية.
تماما كما إستوعبت الدول الأوروبية أفرادا من تنظيمات ظلامية كداعش ... وتماما كما ستنقلب المعادلة في مجتماعاتهم بعد سنوات .. ستنقلب المعادلات في الكيان الصهيوني .. فمن ناحية يريد هذا الكيان أن يزيد من عدد أفراده في مواجهة " الديمغرافيا" مع العرب ومن ناحية أخرى يريد إنتقاء مهاجريه الأن بعدما صدمته الحقائق، بأن يهود دول المنظومة الإشتراكية الذي إستقدمهم في سنوات سابقة قبل اليهود الأفارقة ظلوا يشكلون تجمعا قائما بذاتها ولم ينخرطوا أو يذوبوا كليا في الكيان، بل ولهم محالهم التجارية وعاداتهم وتقاليدهم وها هو الكيان يلمس أن ذلك يتكرر مع اليهود من أصول أفريقية.
في المقابل سيسعي بعض أفراد يهود الفلاشا الى تنظيم أنفسهم أكثر فأكثر كأقلية داخل المجتمع ... لكنهم لن يحدثوا هم واليهود الشرقيين - وحتى السنوات العشر القادمة على الاقل - أي تغيير في توازن القوى داخل المجتمع الصهيوني .. وكيف يحدثون ... فاللوبي الصهيوني يسيطر على العالم برمته.
لذلك لا تعولوا كثيرا على ما يحدث ... ولا تفرحوا لتحركات يهود إثيوبيا في الكيان الصهيوني.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء