انعدام التواصل مع الطبيعة مُرتبط بالاضطرابات والاعتلالات الجسمية والنفسية

15.07.2019 11:25 PM

وطن- نورس كرزم

تُقدّر الإحصائيات بأنّ المجتمعات البشرية تتجه بشكل متزايد نحو التمركُز في المُدن، إذ تُشير الأبحاث إلى أن ما يُقارب نصف عدد سكان العالم يعيشون حالياً في المُدن أو جوارها (United Nations, 2014).  يتبع ذلك أن قسماً كبيراً من الناس لا يحظى بالفرص الكافية للتفاعل مع الطبيعة وتمظهراتها البيئية (التي تشمل المساحات البيئية الخضراء التي تعجّ بالنباتات، الأشجار والحيوانات).  ومن هنا، يذهب بعض الباحثين إلى اعتبار أن انعدام التواصل مع الطبيعة –كنتيجة لما ذكر آنفاً- يؤثّر سلباً على الصحة العامة للفرد ولا سيّما الصحة النفسية والعقلية (Bratman et al., 2012; Bell et al., 2014).  ولعل هذا الربط بين التواصل مع الطبيعة والاضطرابات الصحية العامة أضحى من اهتمامات عدد لا بأس به من الباحثين، كما سيبينُّ هذا المقال باقتضاب.

انعدام التواصل مع الطبيعة والصحة الجسمية للفرد
يُمكننا القول بأن هنالك عدداً من الأبحاث التي تجزمُ بوجود علاقة عكسية ما بين انعدام التواصل مع الطبيعة المُحيطة وبين الصحة العامة للفرد.  بدايةً، تُظهر بعض الدراسات أن الأفراد الذين لا يتواصلون بالشكل الكافي مع الطبيعة، ينخفض لديهم منسوب المناعة الجسمانية العام.  في دراسة من جامعة إلينويز الأميركية، أثبت الباحثون أن هنالك علاقة مباشرة ما بين الجهاز المناعي والتواصل مع الطبيعة (Lowry et al., 2007).  إذ ذهبت الدراسة إلى اعتبار أن التعرض المستمر للمساحات الخضراء يُساهم في الوقاية من جملة أمراض بدنية تشمل أمراض القلب، السُمنة، السكري وسواها.


لفهم هذه العلاقة بشكل أدق، يمكننا الرجوع إلى بعض العوامل التي ركزت عليها الدراسات في هذا المجال، ومن ضمنها: التعرض للهواء النظيف، النشاط البدني والحركي في المساحات الخضراء، إلى جانب التواصل الاجتماعي السليم مع الآخرين عند قضاء وقت في الطبيعة.  ولتدعيم هذا، تشير الدراسات إلى أن التواصل الإيجابي مع المساحات البيئية الخضراء يعني التعرض لمجموعة من العناصر والمكونات البيولوجية والكيميائية ذات التأثير الصحي الإيجابي.  فعلى سبيل المثال، تُطلق بعض النباتات والأشجار مجموعة من المركبات العضوية المتطايرة (Phytoncides)، والتي تؤثر مباشرة على صحة الفرد عبر تقليل منسوب ضغط الدم وتدعيم عمل جهاز المناعة إلى جانب تأثيرات فيسيولوجية أخرى ذات صلة (Dayawansa et al., 2003; Li et al., 2006).  إضافة إلى ذلك، أثبتت الدراسات أن الهواء المنتشر في المناطق الجبلية والغابات وقرب المناطق المائية، يحتوي على نسب مُركّزة من الأيونات السالبة (negative air ions)، وهي التي تؤثر بدورها على عدد من الاستجابات الفيسيولوجية (Yamada et al., 2006). 


من جانب آخر، تحوي ذات البيئات الطبيعية أنواعا خاصة من البكتيريا المعروفة بـِ (Mycobacterium)، حيث يؤدي تعرض الإنسان لها إلى تدعيم الجهاز المناعي بشكل ملحوظ (Lowry et al., 2007).  كما تشير دراسات أخرى إلى أن انعدام التواصل مع الطبيعة قد يجعل عملية التعافي من العمليات الجراحية أبطأ، لذا يُنصح من خضع لعمليات جراحية أن يخصص جزءاً من وقته للتواصل مع البيئات الطبيعية الخضراء (Ulrich, 1984).  إذن، يُمكننا الاستنتاج بأن انعدام التواصل مع الطبيعة مرتبطٌ بشكل واضح ومباشر بالاعتلالات الجسمانية وانخفاض الجهاز المناعي العام.

انعدام التواصل مع الطبيعة والصحة النفسية والعقلية للفرد
إلى جانب الآثار الفيسيولوجية السلبية المنوطة بانعدام التواصل مع الطبيعة، نُلاحظ أن هنالك مجموعة من الأبحاث التي صبّت جلّ اهتمامها على الآثار النفسية والعقلية السلبية التي ترتبط بعدم تواصل الفرد مع المساحات البيئية المفتوحة والخضراء.  لاحظ عددٌ من الباحثين أن الأفراد الذين لا يتواصلون مع الطبيعة بشكل كافٍ، تزداد لديهم احتمالية الإصابة باضطرابات التوتر، ويُلاحظ أن الولوج في الاسترخاء العميق أصعب لديهم مقارنةً بمن يقومون بأنشطة مستمرة في كنف الطبيعة (El Sheikh et al., 2013).  ومن ناحية أخرى، قد يُعاني الأفراد الذين لا يتواصلون مع الطبيعة من جُملة من الاضطرابات الذهنية الأخرى كما يلي:


1. انخفاض شدّة التركيز والانتباه المطلوب للمهام اليومية (Berto, 2005)
2. صعوبة في التفكير المُجرد وضُعف في القدرة على حل المشاكل (Mayer, 2009)
3. زيادة احتمالية السلوك الاجتماعي المُنسحِب (العُزلة الاجتماعية) بسبب تأثير انعدام التواصل مع المساحات الخضراء والمفتوحة على مناطق دماغية معينة
4. زيادة احتمالية الإصابة بالاضطرابات الوُجدانية من قبيل الاكتئاب على أنواعه (Bratman et al., 2015)
ولتوضيح ما أتينا على ذكره آنفاً، إليكم الشكل التوضيحي التالي المُعد استناداً إلى دراسة (Kuo, 2015)

شكل توضيحي يُلخص عدداً من الدراسات التي ربطت ما بين التواصل مع الطبيعة والآثار الجسمية والنفسية، بناءً على ما جاء في دراسة (Kuo, 2015)

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير