الاحتلال يغرق الخليل بنفاياته... وتل الرميدة القهر الأكبر

17.07.2019 10:53 PM

وطن- ساري جرادات: تتجمع أكوام النفايات على جانبي شارع الشهداء، ويعشعش العفن على حيطان البيوت في تل الرميدة، فيما تنتشر الروائح الكريهة في سوق الذهب، وتُدمّر الأشجار في واد الحصين، وتشوه معالم الحياة القديمة في حارة جابر، كذلك تظهر الحفر والاعتداءات على أقدم الأماكن المقدسة في العالم "الحرم الإبراهيمي"، هذا التلوث يجري في أحياء وحارات مدينة الخليل ببصمة احتلالية.

ولا تعتدي سلطات الاحتلال الإسرائيلي على المواطن الفلسطيني فحسب، بل تعمل على تدمير بيئته المحيطة بكل قوة، ضاربة بذلك كل الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق الدولية بعرض الحائط.


يبين المواطن سامر زاهدة (34 عاماً) لمجلة آفاق البيئة والتنمية، أن منزل جده في شارع الشهداء المغلق، يتعرض لهجمة إسرائيلية مسعورة، حيث تقوم قوات الاحتلال بإلقاء مئات القنابل الصوتية والغازية وسط بيوت الشارع، وما يزيد قلقه غياب المنظمات الدولية عن توثيق انتهاكات الاحتلال بحق الإنسان الفلسطيني وبيئته في مختلف مناطق البلدة القديمة.
يؤكد زاهدة أيضاً أن جنود الاحتلال يتبولون وسط الشارع، ويلقون مخلفاتهم في البيوت المهجورة، وتحول الحواجز وكاميرات المراقبة من فحص المخلفات التي يتم إلقاؤها، حيث يخشى المواطنون على حياتهم لأن كل من يقترب من المنطقة يتعرض لإطلاق النار، بحجة أنها مناطق عسكرية مغلقة.


ويشير زاهدة الذي يتحدث بلسان سكان المناطق المغلقة على ضرورة إخراج المستوطنين من قلب الخليل، وفضح ممارساتهم أمام المجتمع الدولي، خاصة بعد قيامهم بالعمل داخل الحرم الإبراهيمي ومحيطه، وحفر مغارة في الجدار الغربي منه، والسيطرة على عين ماء تل الرميدة ومنع المواطنين الفلسطينيين من الاقتراب منها.


أساليب للتهجير
تتوسع سلطات الاحتلال في استهدافها الممنهج لمدينة الخليل بصوة عامة، ولبلدتها القديمة على وجه التحديد، في محاولة منها لطرد السكان الأصلييّن وإحلال المستوطنين مكانهم، وهو ما يجعلها دائمة البحث عن أساليب جديدة لإحداث التغيير المتواصل لمعالمها الجغرافية.
وكنوع من تنغيص حياة المواطنين هناك، يعمد المستوطنون إلى إلقاء مخلفاتهم ونفاياتهم في البيوت القديمة والأماكن المغلقة بفعل القرارات العسكرية الصادرة عما يسمى الإدارة المدنية "الذراع العسكري للاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية".
ووفقا لما قاله منسق تجمع المدافعين عن حقوق الإنسان عماد أبو شمسية، فإن المستوطنين يعملون على رش أنواع خاصة من المبيدات، والتي أدت إلى هجرة أنواع عديدة من الطيور البرية في منطقة تل الرميدة قبل نحو عشر سنوات، كما ويلقي المستوطنون مخلفات سامة وسط أشجار الزيتون التي يمتد عمرها إلى 5 آلاف عام.


ويضيف أبو شمسية: "تعمل عصابات المستوطنين على تغيير معالم البيوت من خلال صبغها بألوان مختلفة لتقديمها للسياح على أنها بيوت يهودية، ليتمكنوا من جلب التبرعات لهم، وصناعة تاريخ مزيف في المكان الذي يشهد على براءته".
ويؤكد أن المستوطنين يقومون بفتح حفر الصرف الصحي، وتوجيه قاذوراتها نحو بيوت المواطنين الآمنين، بهدف إبعادهم وترحيلهم عن المنطقة، مشيراً إلى أنهم يغرقون الشوارع والطرقات الضيقة المؤدية لبيوت المواطنين بالنفايات، جراء تقييد جيش الاحتلال المواطنين لحركة المواطنين في المكان.


توجد صور ولكن!
وبحسب أرشيف تجمع المدافعين عن حقوق الانسان في مدينة الخليل، تظهر العديد من الصور ومقاطع الفيديو التي جرى التقاطها هناك اعتداءات المستوطنين بحماية جيش الاحتلال على البيئة الفلسطينية في البلدة القديمة في الخليل، وتكوم أطنان النفايات وسط سوق الذهب المغلق بقرار صادر عما يسمى الحاكم العسكري لمدينة الخليل في العام 1994.


وأدت أكوام النفايات إلى تلويث الهواء وانبعاث روائح كريهة في فصل الشتاء بفعل ازدياد سرعة الرياح، ولا يستطيع أي مواطن فلسطيني الوصول إلى السوق لمعاينة طبيعة تلك النفايات التي يتم إلقاؤها أمام المحال التجارية المغلقة.


وتغلق سلطات الاحتلال نحو 1820 محلا تجاريا منذ ما يزيد عن ٢٥ عاماً، وهو ما أدى إلى زيادة المخاطر الناتجة عن القاء الاحتلال مخلفاته وسط المناطق التي جرى تهجير سكانها، وهو ما يضاعف من الخطر والخوف لدى المواطنين.


ولتغذية الوجود الفلسطيني تعمل لجنة إعمار الخليل على ترميم البيوت القديمة والآيلة للسقوط، والمحافظة على تغذية الوجود الفلسطيني في البلدة القديمة في وجه سرطان الاستيطان، منذ تأسيسها في تسعينيات القرن الماضي.


مجزرة الحرم كانت البداية
فيما أشار خبير الخرائط والاستيطان عبد الهادي حنتش إلى أن المخططات الإسرائيلية في استهداف بيئة ومعالم البلدة القديمة في الخليل بدأت عام "١٩٩٤"، بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي التي وقعت في العام ذاته، بهدف إقامة مدينة استيطانية تربط مستوطنات جنوب الضفة الغربية بمستوطنة "كريات أربع"، الجاثمة على أراضي مدينة الخليل والتي يمتد جزء منها إلى البلدة القديمة في الخليل".


تنفيذاً لمخططها تعمل سلطات الاحتلال، وفق حنش، بكل الوسائل الممكنة على تغيير معالم الأبنية وإلقاء المخلفات في الأراضي والبيوت القديمة، والتضييق على المواطنين لإجبارهم على التخلي عن بيوتهم والرحيل عنها.
ويرى حنتش أن على مؤسسات المجتمع الدولي والمؤسسات البيئية العمل على فضح ممارسات الاحتلال بحق البيئة في البلدة القديمة في الخليل، وحمايتها من الانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة التي تمارس بحقها، خاصة بعد إدراج البلدة القديمة في مدينة الخليل على لائحة التراث العالمي واعتبارها مكاناً عربياً فلسطينياً خالصاً.


اعتداءات وحشية              
يتخوف سكان البلدة القديمة في الخليل من ارتفاع وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية الممنهجة على البيئة، خاصة بعد طرد بعثة التواجد الدولي المؤقت بداية العام الجاري، الأمر الذي سيُطلق العنان ليد الجنود والمستوطنين أكثر على البيئة سواء بالهدم أو الاستيلاء أو اقتلاع الأشجار وإلقاء النفايات، وسط المناطق المغلقة في بلدة الخليل القديمة، دون رادع لهم.


تُظهر وثائق لجنة إعمار الخليل مئات التعديات الإسرائيلية على البيئة الفلسطينية منذ بداية الاستيطان بعد احتلالها في العام 1967، حيث وثقت شهادات لعشرات المواطنين من كبار السن الذين كانوا يسكنون في أحياء مختلفة من البلدة القديمة.


وتتفاوت الاعتداءات الإسرائيلية على البيئة بين هدم البيوت وبنائها بطريقة حديثة للتدليل على وجود الاحتلال فيها، وتقطيع مئات أشجار العنب التي تميز المدينة، فيما تم اقتلاع آلاف أشجار الزيتون وسرقة أشجار ونقلها لتجمعات استيطانية خارج المدينة.


كما حولت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بركة السلطان إلى مستنقع للنفايات والحشرات والأفاعي، بفعل سيطرتها على المنطقة المحيطة فيها، ودمرت معالمها التاريخية، وفقد مئات المواطنين فرصة قضاء أوقات فراغهم في السباحة في البركة، بفعل إحاطتها بالحواجز والمكعبات الإسمنتية وكاميرات المراقبة.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير