حمدي فراج يكتب لوطن: مفرقعات النكاية والسخرية الماكرة

19.07.2019 10:36 AM

استمر اطلاق المفرقعات النارية في مخيم الدهيشة حسب توقيت ساعتي صبيحة اعلان نتائج التوجيهي "الانجاز" الخميس 18 تموز الجاري لمدة ساعتين كامليتين، من الثامنة صباحا، ساعة إعلان النتائج، حتى العاشرة صباحا، كانت هذه الوجبة الأولى، أُطلقت فيها عشرات بل ربما المئات من هذه المفرقعات، واستؤنفت ساعات الليل، حيث الوقت الأكثر ملائمة لإطلاقها، إذ يستطيع الرائي مشاهدتها وهي تنفجر عن قرب وعن بعد في أجواء انفجارية انشطارية جميلة، ويبقى السؤال، لماذا إذن يقومون بإطلاقها نهارا، كمظهر إزعاجي فقط، هل لديهم أموال زائدة ينفقونها ببذخ في نجاحات متواضعة يخجلون حتى من الإفصاح عنها عبر صفحات تواصلهم الاجتماعي وصفحات آبائهم وأمهاتهم وبقية محبيهم.

في هذا المخيم المتعاضد، الذي فقد لتوه أحد أبنائه البررة "جهاد"، في موت داهم ومفاجيء، قبل أن يكمل عامه الخامس والثلاثين، أثناء حضور حفل السهرة لزفاف شقيقه الأصغر "عبد الله" الذي عادة ما كنت أطلق عليه "عبد الله الإرهابي" تيمناً بقصيدة مظفر النواب،  لم تمض أشهر قليلة على تحرره من القيد للمرة الثانية أو الثالثة، وأرادت العائلة أن تستبق المرة الرابعة، فتختطف فرحا سريعا، ليأتي الموت فيخطف جهاد إلى الأبد ويمنع زفاف عبد الله ويربّع الحزن في عتبة الباب و مسطبة الدار ردحا طويلا قادما من الزمن.

في هذا المخيم المشتبك، بل دائم الاشتباك، خلّف الاجتياح الأخير، قبل ساعتين فقط من إعلان النتائج، اصابة مقاوم برصاصة في فخذه واعتقال اثنين، ما خلّفه قبل أقل من أسبوع، في اشتباكات يشترك فيها العشرات بل المئات مع قوات الاحتلال المدججة. وليس بعيدا ببعيد، يفقد أسير من بيت فجار حياته جراء التعذيب ولما يمض على اعتقاله شهرا واحدا.

في هذا المخيم الذي يعلن ثلاثة من أسراه اضرابهم المفتوح عن الطعام  لليوم السادس عشر، وهم مصطفى الحسنات ومحمد أبو عكر وحسن الزغاري، احتجاجا على تمديد اعتقالهم الإداري للمرة الثالثة، وتضطر فعاليات المخيم الانضواء في خيمة اعتصامية تضامنا معهم ومع بقية الأسرى المضربين عن الطعام.


أظن أنها النكاية، هذا المخيم يطلق مفرقعاته، نكاية بصفقة القرن، التي تريد أن تطيح بتطلعاته وأحلامه بعد سبعين سنة من الانتظار، نكاية بالأخوّة العربية الكاذبة التي تكشر عن أنيابها في ورشة البحرين مرة وفي عمالة لبنان مرة أخرى، نكاية بالانقسام الفلسطيني الذي ترسّم ورسّم معه واقعا انفصاليا بين الضفة وغزة وطنان وشعبان، نكاية بالفساد الرسمي الذي وصل إلى القضاء وطال إيداعات الناس في محاكمهم، وكأن من مأمنهم يؤتى الحذر. إنها مفرقعات المخيم، كل مخيم، مفرقعات النكاية الساخرة بكل شيء والسخرية الماكرة من كل شيء.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير