أقسم بالله أنني على قيد الحياة

19.07.2019 10:43 AM

كتبت أسماء سلامة: تصريح مشفوع بالقسم ، متطلب إلزامي لإتمام بعض المعاملات  الرسمية ، وأقصد بالتحديد المعاملات الخاصة بتفقد حالة الورثة الخاصة بالتأمين والمعاشات ، القَسَم الذي يُطلب من السيدة ( الأرملة ) أن تقسمه في وجود قاضي الصلح  . حيث تقوم الأرملة بإعداد معاملة عند الكتبة خارج المحكمة وفيها النص المتعارف عليه بنموذج التصريح المشفوع بالقسم ، ورقة فيها الاسم الرباعي ورقم الهوية وعدد من البنود التي تقسم بالله العظيم أنها صحيحة.

أقسم بالله العظيم أنني ما زلت على قيد الحياة ولم يتوفاني الله ، إنسان ومواطن يقف بلحمه ودمه أمام قاضٍ في محكمة الصلح ليقول أنه ما زال على قيد الحياة . أمر لا يتقبله عقل ولا منطق ،  هل فعلاً بات المواطن وأخص ( الأرملة )  بحاجة لهذا القسم ، لتستمر الحكومة في صرف راتب زوجها المتوفى  للورثة؟  ألا يمكن إثبات ذلك دون الحاجة لذهاب أرامل على اختلاف فئاتهن العمرية للمحاكم ليثبتن أنهن ما زلن على قيد الحياة ؟ هل صدر من وزارة الصحة تبليغ وفاة مثلاً ، أو تصريح بالدفن ، أو شهادة وفاة من الأحوال المدنية ؟ كل هذه الأوراق هي التي يجب أن تثبت أنه قد مات ، وليس حضور الشخص إلى مبنى محكمة الصلح ليقسم على أنه حي يرزق.

أقسم بالله العظيم أنني لا أعمل في أية وظيفة حكومية ، هل تم إدراج اسم هذه الأرملة في ديوان الموظفين العام ؟ أو تم إدراج اسمها ضمن كشوف وزارة المالية لتحويل راتب حكومي لها ؟ هذه الأمور هي التي تثبت أنها تعمل في وظيفة حكومية من عدمه ، وليس حلف اليمين.

أقسم بالله العظيم أنني ما زلت أرملة ، هل تم توثيق عقد زواج لها في أي محكمة شرعية ؟ هذا العقد هو الذي يثبت زواجها من عدمه وليس حلف اليمين .
إن من أهم قواعد الحكم في الخلافات هي : " البينة على الداعي واليمين على من أنكر ." وإذا حاولت أن أطبق هذه القاعدة على حالة القسم بأنني على قيد الحياة ،، لأصل إلى نتيجة منطقية لأداء القسم من المواطن.

بناء على تلك القاعدة فإن الجهة الرسمية تقول أن المواطن هو ميت وقد توفاه الله ، ولكنها لا تستطيع أن تأتي بالبينة التي تثبت ذلك ، لذلك فإن المدعى عليه ( المواطن / المواطنة ، عليه أن يحلف يميناً أنه ما زال على قيد الحياة ولم يتوفاه الله . ولكن الأمر مغاير في معاملاتنا ، الأرملة تدّعي أن لها حقاً على الجهة الرسمية وهي راتب الورثة ، معها ما يثبت أنها على قيد الحياة وهو هويتها الشخصية ، وفيها مسجل الحالة الاجتماعية ( أرملة ) ، لأنه في حالة الوفاة يتم تسليم الهوية الشخصية واستصدار شهادة وفاة.

صادفت يوماً في المحكمة الشرعية سيدة طاعنة في السن ، تتكئ على شخصين لتقوى على السير ، فأول ما تبادر لذهني أنها قادمة للمحكمة  لموضوع يتعلق  بالميراث ، و لبطء حركتها كنت أسير بوتيرة تتناسب معها ، فوقفت خلفها عند إعداد معاملتها ، وهناك كانت الصدمة ، المعاملة كانت لمشروحات الترمّل ، هذه العجوز تحضر للمحكمة الشرعية لتثبت أنها مازالت أرملة . ألا طريقة أخرى يمكن أن تثبت ذلك سوى هذه البهدلة ؟؟؟ وعليها إذا لاحقاً أن تذهب إلى محكمة الصلح لحلف يمين أنها مازالت على قيد الحياة ولم يتوفاها الله.

أتخيل أنني أشاهد أحد الأفلام المصرية في فترة السبعينيات والثمانينيات ، شخص يحمل بيده رزمة من الأوراق وينتقل من مكتب لآخر ليكمل معاملته الحكومية ، مكتب للختم وآخر لطابع البريد ، وثالث لتوقيع ، ولفّ كان بتلفّ . إلى متى سنبقى في هذه الإجراءات التي لا تتناسب مع الواقع التكنولوجي الذي نعيشه ، وكأننا نعيش في انفصام ، ففي بعض النواحي حلّت التكنولوجيا مكان العديد من الخدمات التي كانت يدوية ( تسديد فواتير الكهرباء ، المعاملات البنكية ، التسوق بأنواعه ، حجوزات الطيران  وغيرها الكثير ) وكلها أمور لا تتبع للحكومة ، ومن ناحية الإجراءات الحكومية مازال الوضع على سابق حاله ، أوراق وأختام وتواقيع وحلف يمين.

كان من باب أولى أنك إذا أردت أي معلومة عن أي شخص أن تلجأ إلى الحكومة للحصول عليها ، سجلات الحكومة هي الأدق ، ولديها الخبر اليقين . وأن تكون كافة الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومة مرتبطة معاً ، وتكون هناك قاعدة بيانات مركزية لكافة الوزارات . لا يحتاج الأمر إلا لإدخال اسم المواطن ورقم هويته لتقرأ تفاصيل حالته الاجتماعية أمامك . وأي تعديل على أي من هذه البيانات في أي وزارة أو مؤسسة ، يتم تلقائياً على ملفه.

أقرت الحكومة السابقة مشروع الحكومة الالكترونية ، وكانت فترة تنفيذ المشروع 2014/2016 ، ونحن الآن في منتصف العام 2019 ، وقد تم استحداث إدارة " الإدارة العامة للحكومة الالكترونية " في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لتكون الجهة المسؤولة عن التنفيذ والإشراف والمتابعة للمشروع . فأين وصلنا في المشروع ومتى سيخرج لحيّز التنفيذ ، وسنجد خدمات تلبي فعلاً تطلعات وحاجات المواطنين؟

لربّما نجد بعض الدوائر الحكومية تخلو من المراجعين ويعمها الهدوء وتسير المعاملات فيها بسلاسة ، وتنتقل من دائرة لأخرى ومن وزارة لأخرى الكترونياً دون الحاجة لطوابير المواطنين التي لا تكون طوابير أحيانا ، بل تدافعاً.

وربّما ترد مكالمة هاتفية لأحدى الأرامل لتخبرها بأن تجديد المعاملة قد تم بالفعل ، وأنه سيتم اقتطاع مخصصات أحد البنات مثلاً من الراتب التقاعدي بسبب زواجها. أي أنه تم تحديث الملف تلقائياً.

دولة رئيس الوزراء الدكتور محمد شتيّه ، لمسنا في دولتكم روح التحدي والإصرار على التغيير للأفضل ، وقرأنا في خطتكم العزم على النهوض بهذا المجتمع وخدمة مواطنيه . فنأمل أن نرى التطور المنشود على صعيد الحكومة الالكترونية لأنها تمسّ كافة المواطنين دون استثناء . يكفي هذا الشعب ما تحمّله وسيتحمله . آن له أن يحس ببعض التغيير في الصورة النمطية للمعاملات الحكومية . فالمواطن يستعد قبل يوم أو يومين لأي معاملة ، ويضطر أحيانا لأخذ يوم إجازة والتفرغ التام للدوائر على أمل إنهاء معاملته في يوم واحد . ناهيك عن التكلفة المادية ( رسوم معاملات ، مواصلات والتعطل عن العمل ) ، ليست الفائدة المادية أن تعطي نقداً فقط بل أن توفر مصروفاً أيضاً.

نحن شعب يستحق الأفضل ، نستطيع التكيّف مع أقسى الظروف ، وتكيفنا لفترات طويلة ، ومازلنا صامدين وسنبقى ،  ولكننا نرغب في الراحة ولو نسبياً . نريد أن نحس بأننا فعلاً في مقدمة الأولويات .  لدينا من الكفاءات الكثير ونصدر للعالم عقولاً مبدعة ، ولسنا بحاجة لاستيرادها من الخارج ، فرأسمالنا في أدمغتنا ، لنستغلها في تطوير بنيتنا التحتية في كافة المجالات، وليكون المواطن هو الرابح الأكبر من هذا كله.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير