بسام الشكعة .. الشهيد الحي

22.07.2019 11:18 PM

وطن

كتب: عبدالسلام الريماوي

كم كنا صغارا حينئذ وكم كانوا كبارا.. كانت جراحهم اكبر من ان يتسع لها ادراك طفل يسمع نشرة الاخبار مجبرا من اذاعة مونت كارلو في معية أبيه ويستشعر شيئا من الامهم من الجو المشدود في البيت ومن التعليقات والنقاشات التي تدور حوله.

بسام الشكعة رئيس بلدية نابلس وكريم خلف رئيس بلدية رام الله وابراهيم الطويل رئيس بلدية البيرة، كانوا هدفا لاعتداء اسرائيلي مدبر من قادة المشروع الاستيطاني في حزيران 1980، استهدفهم كل على حدة واسفر عن بتر ساقي الشكعة وساق خلف، لدورهم في مقاومة المشروع الاستيطاني التوسعي على الارض الفلسطينية.

كنت في العاشرة من عمري، ولم اكن اعي بما يكفي حقيقة ما جرى، لكني اذكر كيف هب ابناء الارض المحتلة في تظاهرات ومواجهات مع جيش الاحتلال في كافة ارجاء فلسطين، احتجاجا على هذه الجريمة.

وانقل ما رواه الزميل الصحافي المرحوم عاطف سعد الذي كان في حينه طالبا في جامعة النجاح الوطنية عن حادثة تفجير سيارة المناضل بسام الشكعة قبل اربعة عقود:

في صباح يوم الثاني من حزيران 1980، دوى صوت إنفجار سمعه عديد من طلبة جامعة النجاح ممن تواجدوا في الحرم الجامعي! هرع الطلاب من صفوفهم. تنادى النشطاء وأعضاء اللجان الطلابية لمعرفة طبيعة الإنفجار؟ أين وقع؟ ومن يستهدف؟

إرتفع صوت مرتعش تبعه أصوات هَدَرَت، " الشكعة هو المستهدف! إستشهد قرب منزله! إنفجرت قنبلة في سيارته!"

إنتشر بين الجموع نبأ صادم أفاد بأن رئيسي بلديتي رام الله (كريم خلف) والبيرة (إبراهيم الطويل) تعرضا لإعتداء إرهابي مماثل. ثم وصل نبأ خفف من وقع الصدمة الثانية، "الشكعة لم يمت! إنه مصاب بجروح خطيرة ويعالج في مشفى رفيديا! يا شباب يالله ع المشفى لنتبرع بالدم..!" توجه شباب وصبايا الجامعة للمشفى. تحول المشهد بصورة دراماتيكية ليصبح على شكل صفوف إصطف بها أُناس غاضبون أطلقوا من حناجرهم هتافات شقت عنان السماء،.." بالروح.. بالدم .. نفديك يا بسام." و" بالروح .. بالدم نفديك يا فلسطين.!"

منطقة المشفى كانت مكتظة بالناس الغاضبين! وفي أروقتها الداخلية إنتشرت معلومة لم تتأكد لاحقا، أفادت بأن حاكم عسكري المدينة يريد دخول المشفى لللإطمئنان على حياة الشكعة؟" أي وقاحة؟ لا فرق بين عصابات التنظيم الإرهابي اليهودي والإحتلال العسكري. لا .. لا لن يدخل، " هتفت أصوات كثيرة.

إرتص درج المشفى بأجسام الغاضبين. إصطفوا ليشكلوا حاجزا بشريا يحول دون دخول الحاكم العسكري. وإنطلق صوت هادر يصرخ ،"الفاشية لن تمر .. لن تمر..!" تلاه صوت آخر "بره بره ... المحتل يطلع بره!"

إنتظرت الجموع ساعات وساعات نتيجة إجراء العملية الجراحية. وبرغم الألم الذي نجم عن نبأ بتر الساقين للمناضل الشكعة فإن ما كان الناس يأملون به أنه حي وسيواصل العيش. وهذا ما تحقق وهذا ما أسعدهم. والأهم أن أولى الكلمات التي نطق بها الشكعة ، بعد أن علم ببتر ساقيه، " لقد زرعوني بالأرض التي أُحبها"! وكانت هذه الكلمات المفعمة بالتحدي والإستعداد اللامتناهي للعطاء، هي التي إنتشرت أكثر من غيرها على ألسنة الناس وفي وسائل الإعلام. ولاحقا إقتبسنا تعبير "الشهيد الحي" عن المناضلة اليهودية التقدمية المحامية فيليتسيا لانجر الذي أطلقته على بسام الشكعة.

عندما دعته الحكومة البريطانية لاستكمال علاجه في لندن، في مطلع الثمانينيات وكانت زوجته أم نضال ترافقه. كان موقف الحكومة البريطانية كمعظم الدول الغربية آنذاك في عدم الاتصال الرسمي المباشر مع منظمة التحرير الفلسطينية، بحجة أنها "منظمة ارهابية"، لكن موقف بسام وفي حديثة مع وزير الخارجية البريطانية للشؤون الأروبية آنذاك، دوغلاس هيرد الذي زاره في المستشفى كان جليا وواضحا بأن منظمة التحرير هي المُمَثّل والعنوان للشعب الفلسطيني، رغم ما لديه من انتقادات وملاحظات كان لا يتردد في الافصاح عنها

تسعة وثلاثون عاما مرت على محاولة اغتيال بسام الشكعة ورفاقه رؤساء البلديات، اتخذ خلالها منحى سياسيا معارضا لاية مشاريع تسوية مع اسرائيل، وقد تجلى ذلك باعلان معارضته الشديدة لاتفاق اوسلو الذي وقعته منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1993، وكان جزءا اصيلا من حالة الاختلاف في الساحة الفلسطينية التي تختلف في النهج لكنها لا تختلف على فلسطين، وظل حتى النفس الاخير مؤمنا بعدالة قضية شعبه، وشرعية مقاومته حتى انتزاع حقوقه الوطنية. ظل مؤمنا ان جوهر الصراع هي الارض التي اودعها ساقيه مناضلا وقائدا، لتحتضن جسده بعد اربعة عقود. رحمك الله يا ابا نضال

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير