اتحادات الملاك بين القانون والواقع
كتب: طارق طوقان
شهدت بلادنا في السنوات الاربعين الاخيرة نموا كبيرا في بناء العمارات السكنية والاسكانات القائمة على تملك شقق سكنية في عمارة قد تتكون اصغرها من ثلاثة طوابق واكثر يشغلها سكان لا يرتبطون برابط قربى، او حتى في بعض الاحيان قد يأتون من مناطق مختلفة او خلفيات اجتماعية متباينة كما في المدن الكبيرة. مما يشكل تغييرا عن انماط السكن التقليدي والتي كانت تقوم على سكنى ذوي القربى بالقرب من بعضهم البعض او حتى تشاركهم لنفس المسكن وكان التعاون هو السمة الغالبة على مثل هذا النوع التقليدي في التجاور والتشارك في السكن.
ومع حصول هذه النقلة الاجتماعية والتغيير في نمط السكن حصل التغيير الأسوء من ناحية تعاون الجيران في ادارة شؤون العمارات والاسكانات وصيانتها والمحافظة على نظافتها، فغاب مفهوم التعاون ومفهوم التشارك رغم ان القانون (قانون الطوابق والشقق مثالا) ينص على انشاء "اتحاد الملاك" لسكان العمارات المشتركة ويدعو الى ادارة مشتركة لشؤون هذه الابنية من خلال لجان سكان. ويكون من مسؤولية هذه اللجان بشكل اساسي ادارة الملكية المشتركة مثل المصاعد والدرج وغيرها، فضلا عن قيامها بعقد اجتماعات دورية للسكان لبحث شؤونهم.
وكما في باقي شؤون حياتنا فان القانون في هذه الحالة للاسف ايضا هو غير الواقع، ففي الممارسة الواقعية لما تشهده العمارات والاسكانات في بلادنا نجد ان عدد كبير من العمارات لا يوجد بها لجان ادارة للعمارات! وان وجدت فان قصص عدم تعاون الجيران مع اللجان او رفضهم المساهمة في نفقات العمارة ورسوم الخدمات المشتركة تشكل هما كبيرا وتنغيصا لسكان العمارات واعضاء اللجان المشرفين عليها. ولا يتوقف عدم التعاون على عدم المشاركة في اجتماعات السكان بل يتعداه في العديد من الاحيان الى عدم دفع ما يترتب عليهم من رسوم خدمات بحجج واهية منها عدم الحاجة الى استعمال المصعد او المدخل المستقل وبالتالي عدم المساهمة في رسوم خدمات النظافة وتصل حتى في بعض الاحيان الى التحجج بعدم الحاجة الى استعمال كهرباء الدرج!!
من ناحية اجتماعية فان هذا الوضع يمثل مؤشرا على طبيعة المجتمع الذي اصبحنا نعيش به، من غياب للتعاون والتشارك واحترام الاخر، ومن ناحية اخلاقية فهذا الوضع فهو يمثل اختلالا من ناحية استفادة البعض من غيره بدون حق، فضلا عن كونه دليلا على أنانية من يقومون به. ومن كل النواحي يمثل وضعاً غير سليما وغير صحي لمفهوم الجيرة ومفهوم التعاون والمشاركة من ناحية تعدي بعض الأفرادعلى حقوق غيرهم وعدم احترام مبدأ "تنتهي حريتك حيث تبدأ حرية غيرك".
قد يقول البعض بان الحل بسيط ومن خلال اللجوء الى المحاكم ومطالبة المقصرين بمساهماتهم المطلوبة منهم قانونا، وقد يلجأ البعض الى أساليب اكثر تطرفا من خلال قطع الكهرباء عن الطابق الذي يسكن به هؤلاء المستنكفون او من خلال برمجة المصعد ليعمل من خلال مفتاح خاص او من خلال الهاتف المحمول! الا ان جميع هذه الحلول تبقى حلول مؤقتة وليست حلولاً لمعالجة اصل الظاهرة وسبب المشكلة.
فالاصل في مثل هذه الاسكانات المشتركة هو التعاون والتكافل، والاعراف والعادات الإيجابية في حياتنا ومجتمعنا تدعو الى حسن الجوار والى التعاون بين اهالي البلد الواحد والحي الواحد والعمارة الواحدة، ومسائل من مثال النظافة العامة هي مسائل اساسية في تربيتنا وتنشئتنا، وما نص عليه القانون اعلاه بخصوص تشكيل اتحاد الملاك يهدف الى تعزيز هذه الروح والانطلاق منها الى التفاعل الايجابي بين الجيران وتعاونهم معا لتحقيق المصالح المشتركة وادارة الملكيات المشتركة وأن يعرف كل شخص ما له من حقوق وما عليه من التزامات. وحيث اننا نرى عدم الالتزام بنص القانون من قبل المواطنين، اما لعدم معرفتهم بوجود مثل هذا القانون او لعدم الثقة بآليات تنفيذه، فعليه ينبغي عدم الاكتفاء بالنص الوارد، بل لا بد من متابعة تنفيذ هذا النص من خلال الجهات الرسمية والأهلية، وقد يكون ذلك من خلال:
1- قيام سلطة الأراضي والبلديات بحملات توعية بحقوق المواطن كمالك لملكية مشتركة، وتوضيح اهمية اتحادات الملاك ولجان العمارات باعتبارها جزء من فكرة لجان الأحياء.
2- ضرورة قيام سلطة الأراضي بتزويد أطراف أي صفقة عقارية لشراء شقة سكنية بنسخة من نظام اتحد الملاك عند فتح الصفقة وافهام المشتري بحقوقه في الملكية المشتركة بناء على هذا النظام.
3- منح دور للبلديات في متابعة اتحادات الملاك ولجان العمارات من خلال اصدار التشريعات اللازمة.
4- تفعيل دور محاكم البلديات ومنحها الصلاحية للنظر في الخلافات المتعلقة بادارة الملكيات المشتركة واتحادات العمارات برسوم بسيطة وبدون حاجة لتمثيل من قبل محامي، مما يوفر الوقت ويسهل الاجراءات للتقاضي امام هذه المحاكم ويخلق ثقة المواطنين في النظام.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء