نابلس... المدينة القوية برجالها ونسائها

31.07.2019 09:26 AM

كتب: طارق طوقان

الكتابة عن نابلس فيها سحر وشغف كما للمدينة نفسها من سحر وشغف، فهي مدينة تجمع العديد من التناقضات وتصهرها وتذيبها في بوتقة واحدة يخرج من بعدها قصيدة جميلة الابيات او لوحة رائعة القسمات.

نابلس المدينة التي اعرفها هي المدينة التي تفتخر بانها تحوي معتنقي الأديان السماوية الثلاثة والمعتنقين لحبهم لمدينتهم بلسان عربي قح.

نابلس التي أعرفها هي المدينة التي تصحو كل يوم على أصوات زوارها من خارج المدينة ينادون على بضاعتهم في سوقها يتسامرون في مقاهيها ويمضون فيها يومهم ثم يودعونها بنية اللقاء غدا.

نابلس التي اعرفها هي المدينة التي تبتسم وتضحك على نكات وقفشات تسخر من تناقضاتها بقصص شرق وغرب وقصص ريف ومدينة وتداعب بها اهلها وزوارها دون انتقاص من كرامة احد او عبث بالأعراض، ولربما يقع البعض في فخ التناقضات احيانا فينجرف وينحرف عن طبيعة المدينة وكنهها ويظن ان المدينة قائمة على تلك التناقضات او تعتاش عليها، وهذا الظن من بعض الاثم الذي نهت عنه الأديان والاخلاق السليمة.

فهذه المدينة تسكن وجود ووجدان اهلها حتى وان لم يسكنوها، فيحملونها معهم ذكريات جميلة تستعيدها الافئدة في مواسم معينة، فنجد اهلها وان حملتهم الاقدار الى اخر اصقاع الدنيا يذكرون بعضهم في الرببع ها قد حل موسم العكوب، ويفاخرون اهل البلاد التي يحلون بها بأنهم هم من اضفى صفة النابلسية على الكنافة والصابون والأرجيلة بالتمباك العجمي. مدينة تصبغ الاعياد الدينية لشتى الطوائف والاديان التي تسكنها بصبغة نابلسية ونكهة محلية لا تراها في اي مكان آخر.

هي نفس المدينة التي يخاطب اهلها بعضهم البعض بنداء يا خالي، فالانساب في هذه المدينة صهرت المدينة وريفها صهرا بحيث قربت من كان يسكن القرى الى المدينة قربا من انسباء لهم وحملت سكان المدينة في امتدادها الى ريفها اطمئنانا ومجاورة لأصهار لهم، وهم نفسهم جميعا مدينة وريفا من يضحكون حين تقديم الكنافة ويتسائلون ان كانت كنافة الصبح او كنافة بعد الظهر غمزا منهم لمن يغش في الكنافة.

قوة شكيمة نساء المدينة تنبع من قوة شكيمة وشدة بأس رجالها، فلا اعرف كتابا في علم الاجتماع الا ويربط المجتمع السليم بمشاركة اناثه وذكوره! واذا ارادت العرب مدح القبائل ذكروهم بنسائهم ولا زال العرب الأقحاح ينادون ابناء القبائل بنخوتهم فيقولون اخوان فلانة وابناء فلانة، وهذا دليل على عزة نفس رجال القبيلة ونسائها. هذا كله من طيب الخلق وحسن الدين وكرم الأصل.

فاخرتْ المدينة أخواتها من مدن فلسطين بأنها عش العلماء ودمشق الصغرى وعروس الشمال، ولا تتكبر على باقي مدن فلسطين بانها احتضنت الأدباء والشعراء والعلماء والمناضلين، لان اهلها يحملون شعارا باللهجة العامية المحلية بأن فلسطين ولادة وترجمة هذه المقولة ان فلسطين انجبت وستنجب ابناء وبنات بررة يحملون إسمها نقشا من علم او موقفا ابيا صلبا اينما وجدوا واينما استقروا. فنابلس شقيقة القدس ويافا والخليل وبيت لحم وجنين ورام الله والناصرة وغزة تمدهم بخيرة ابنائها وتحتضن خيرة ابناء شقيقاتها من المدن والمناطق الاخرى. هي المدينة التي تفزع لريفها ان اشتكى من الم ويطبب ريفها الامها ان مسها النصب.

نابلس حملت لقبا اخر من ابيات شعرية في نهاية القرن الثامن عشر وهو نابلس الهرمة .. مهلكة الظلمة، ولعل هذا الوصف على بساطته يستدعي منا الوقوف على تداعيات ما نشر الاسبوع الماضي من مقال صرح كاتبه بانه يكتب عن نفسه حين ربط بين نابلس ونسائها القويات، إذ ضجت صفحات التواصل الاجتماعي قدحا وذما بالرجل من جهة وأستغل البعض الآخر المقال للهمز واللمز بالمدينة واهلها من جهة أخرى، وهذا كله سواء بالاساءات الى الكاتب او الى المدينة من ظلم النفس وظلم الغير ولا يبقى في ذاكرة نابلس واهلها الطيبين، اما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

وأخيرا نابلس التي اتذكرها هي مشهد حزين وفخور في نفس الوقت ترى فيه جثمان لينا النابلسي طائفا فوق اعناق رجالها مهرولا نحو ثراها، وحناجر اهل البلد من نساء ورجال تصدح بالتكبير والتهليل وقبضاتهم تسمو نحو الثريا وعدا بالصمود والتحدي وعزة النفس.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير