جلوس رئيس المجلس القضائي الانتقالي على منصة الحُكم انتهاكٌ للقانون الأساسي

06.08.2019 09:56 AM

كتب د. عصام عابدين: أقدم رئيس مجلس القضاء الأعلى الانتقالي على ترؤس هيئة محكمة العدل العليا للنظر في طلب إداري مُستعجل، ما دفع وكيل الجهة المستدعية في تلك الدعوى المنظورة علناً أمام المحكمة إلى إثارة دفع مفاده أن " المحكمة التي باشرت النظر للتو في هذه الدعوى يعتريها عيب قانوني من النظام العام لا بد من التصدي له حيث أن مُترئس هذه الهيئة مع الاحترام والتقدير السيد عيسى أبو شرار لا يحمل صفة قاض ولا يجوز له أن يجلس على منصة الحكم وأن صفته كرئيس مجلس قضاء أعلى رئيس للمحكمة العليا هي صفة إدارية بحتة لا تمنحه صفة القاضي ...". وقد أصدرت هيئة محكمة العدل العليا قرارها في الدفع المُثار بتاريخ 5/8/2019 برفع الجلسة إلى يوم الأربعاء 18/9/2019 للتدقيق وإعطاء القرار.

لا شك أن جلوس رئيس مجلس القضاء الأعلى الانتقالي كقاضٍ على منصة الحُكم يُثير العديد من الأسئلة ذات الطابع الدستوري والقانوني، فهناك فرقٌ واسعٌ بين دوره الإداري (إدارة القضاء) والدور القضائي (الجلوس على منصة الحُكم) والفصل في المنازعات بين الناس، مع التسليم بأن هناك "إجماع" لدى المجتمع المدني يشمل مَن أيد ودعم القرارين بقانون اللذين صدرا مؤخراً بتعديل قانون السلطة القضائية وتشكيل مجلس قضاء أعلى انتقالي بأنهما غير دستوريين.

بالرجوع إلى أحكام المادة (99) فقرة (1) من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 وتعديلاته فقد أكدت بالنص الصريح على أن "تعيين القضاة ونقلهم وانتدابهم وترقيتهم ومساءلتهم يكون بالكيفية التي يقررها قانون السلطة القضائية". وبالرجوع إلى قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002 (قبل التعديل الأخير بقرار بقانون) وتحديداً المادة (34) فقرة (1) فقد أكدت بالنص الصريح على أنه "لا يجوز أن يبقى في وظيفة قاض أو يعين فيها من جاوز عمره سبعين سنة".

وبالرجوع إلى القرار بقانون رقم (17) لسنة 2019 بشأن تشكيل مجلس قضاء أعلى انتقالي (غير الدستوري) المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 16/7/2019 وتحديداً المادة (5) فقرة (1) فقد جاءت على النحو التالي "لا تسري أحكام المادتين (34)، (37/2) من قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002م وتعديلاته، على أعضاء مجلس القضاء الأعلى الانتقالي وتشكيلته". وبالتالي، فإن عدم سريان النص المعدل للمادة (34) من قانون السلطة القضائية؛ الخاص بتقاعد القضاة، الذي جعل سن التقاعد للقضاة (60) سنة في النص المعدل بدلاً من (70) سنة في النص الأصلي، يعني حتماً العودة في سن التقاعد في النص الأصلي، لأن عدم سريان النص المعدل يعني ببساطة العودة للنص الأصلي، وحيث أن سن رئيس مجلس القضاء الأعلى الانتقالي مع الاحترام قد تجاوز (80) سنة فالأمر يعني أنه متقاعدٌ بقوة القانون الأساسي المعدل وقانون السلطة القضائية؛ والقرار بقانون المذكور ولا يوجد نصٌ فيه يقولُ بخلاف ذلك، وبذلك قُضي الأمر.

يُشكّل جلوس رئيس مجلس القضاء الأعلى الانتقالي كقاض على منصة الحُكم في الدعوى المنظورة أمام المحكمة انتهاكاً مؤكداً للقانون الأساسي المعدل وقانون السلطة القضائية، كما أنه ينطوي على تمييز محظور على المستوى الدستوري؛ حيث تؤكد المادة التاسعة من القانون الأساسي المعدل على أن الفلسطينيين أمام القانون والقضاء سواء لا تمييز بينهم، وإذا كانت تلك إرادة المشرّع الدستوري فكيف يتم التمييز بين القضاة على هذا النحو؟ وكيف يكون المعيار الوحيد لإحالة ربع قضاة السلطة القضائية على التقاعد حُكماً بموجب قرار بقانون تعديل قانون السلطة القضائية هو بلوغهم سن (60) سنة ويجلسُ رئيس مجلس القضاء الأعلى الانتقالي كقاضٍ على منصة الحُكم يفصل في المنازعات بين الناس وقد تجاوز عمره سن التقاعد الوارد في القرار بقانون المذكور (60 سنة) وقانون السلطة القضائية الأصلي (70 سنة)؟

صحيحٌ أن السيد الرئيس قد انفرد بتعيين رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى الانتقالي لمدة سنة، والتمديد لاحقاً للمجلس الانتقالي لمدة ستة أشهر بتنسيب من المجلس الانتقالي ذاته وقرار رئاسي، وصرف مكافآت شهرية غير محددة للمتقاعدين في المجلس الانتقالي إلى جانب راتبهم التقاعدي بما يشمل رئيس مجلس القضاء الأعلى الانتقالي، وهذا بحد ذاته يمس بمبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء، ولكن، هذا لا يعني، بأيّ حال من الأحوال، أن ينفرد رئيس المجلس القضائي الانتقالي بالجلوس على منصة الحُكم خلافاً للقانون الأساسي وقانون السلطة القضائية وقرار بقانون تعديل قانون السلطة القضائية، وخلافاً للهدف المُعلن من التعديل المتمثل بضخ دماء جديدة في القضاء.

كما أن قرار بقانون رقم (17) لسنة 2019 بشأن تشكيل مجلس قضاء أعلى انتقالي يتناول تشكيل المجلس (إدارة القضاء) ومهامه وصلاحياته الواسعة في إعادة تشكيل هيئات المحاكم على كافة درجاتها وأنواعها وإعداد مشاريع معدلة لقانون السلطة القضائية ورزمة القوانين القضائية وإعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى (الدائم) والتنسيب للرئيس بعزل القضاة أو إحالتهم للتقاعد المبكر أو الندب لوظيفة أخرى كما ورد في القرار بقانون، وهي في مجملها مخالفة للقانون الأساسي المعدل والاتفاقيات والمعايير الدولية وقانون السلطة القضائية، وبالتالي، كيف يجمع رئيس مجلس القضاء الأعلى الانتقالي بين مهام إدارية يُفترض أنها إصلاحية وتطال السلطة القضائية بأكملها وبين الجلوس كقاض على منصة الحُكم للفصل في المنازعات في ذات الوقت لأن الجمع بينهما يعني حتماً ومن حيث المبدأ الدخول في تضارب المصالح؟

لم يلحَظ رئيس المجلس الانتقالي عندما اجتهد على نحو ارتجالي فيما يبدو بالجلوس كقاض على منصة الحُكم في الدعوى القضائية المذكورة أن قرار بقانون رقم (17) لسنة 2019 بشأن تشكيل مجلس قضاء أعلى انتقالي قد نص في المادة (5/1) على عدم سريان أحكام المادة (37/2) من قانون السلطة القضائية على أعضاء مجلس القضاء الأعلى الانتقالي وأن النص المذكور يتناول أساساً تشكيل مجلس القضاء الأعلى وقد نص على أن "يشكل مجلس القضاء الأعلى من: أ. رئيس المحكمة العليا رئيساً ب. أقدم نواب رئيس المحكمة العليا نائباً ج. اثنين من أقدم قضاة المحكمة العليا تختارهما هيئة المحكمة العليا د. رؤساء محاكم استئناف القدس وغزة ورام الله ه. النائب العام و. وكيل وزارة العدل". وبالتالي، فإن هذا النص، الوارد في قانون السلطة القضائية الأصيل الذي أقره المجلس التشريعي الفلسطيني، والذي يجعل رئيس المحكمة العليا رئيساً لمجلس القضاء الأعلى، لا يسري على مجلس القضاء الأعلى الانتقالي، بموجب القرار بقانون المذكور.

وبالنتيجة، فإن عبارة "رئيساً للمحكمة العليا رئيساً لمجلس القضاء الأعلى الانتقالي" التي وردت بجانب اسم رئيس المجلس في المادة (3) من قرار بقانون تشكيل مجلس قضاء أعلى انتقالي لا تعدو كونها فوضى تشريعية تُعاني منها التشريعات الاستثنائية (القرارات بقانون) نتيجة ضعف في أصول الصياغة والصناعة التشريعية بسبب غياب المشرّع الأصيل، وعدم الاكتراث بملاحظات المجتمع المدني في جوهر وتفاصيل القرارات بقانون التي تُقرها السلطة التنفيذية في دوائر مُغلقة. وذلك لأنه لا يُمكن لمن جاوز عمره (70) سنة أن يكون قاضياً بموجب القانون الأساسي المعدل وقانون السلطة القضائية وقرار بقانون تعديل قانون السلطة القضائية وقرار بقانون تشكيل مجلس قضاء أعلى انتقالي، ولا يوجد أيُّ نص في القرارين بقانون المذكورين اللذين صدرا مؤخراً في الشأن القضائي يقولُ بخلاف ذلك على الإطلاق وقولاً واحداً.

لا يجوز لرئيس مجلس القضاء الأعلى الانتقالي، دستورياً وقانونياً، أن يشغل وظيفة قاض تحت طائلة الانعدام الذي لا يتقيّد بموعد زمني في الطعن لأن الانتهاك والحالة تلك يطال القانون الأساسي المعدل (إرادة المشرّع الدستوري) وبذلك يحظر على رئيس مجلس القضاء الأعلى الانتقالي أن يُمارس أية صلاحية أناطها قانون السلطة القضائية وغيره برئيس المحكمة العليا لأن الأخير قاض ورئيس المجلس الانتقالي ليس قاضياً؛ وذلك من قبيل دور رئيس المحكمة العليا في الدعوى التأديبية التي تُقام على القضاة بموجب قانون السلطة القضائية مثلاً، ما يعني أنَّ أيَّ صلاحية يُمارسها رئيس مجلس القضاء الأعلى الانتقالي، كرئيس للمحكمة العليا، أو كقاض، تُرتب الانعدام لمخالفتها القانون الأساسي المعدل.

هذا مع الأخذ بعين الاعتبار، أن قرار بقانون تشكيل مجلس القضاء الأعلى الانتقالي وإنْ كان يُعاني من العديد من الإشكاليات الدستورية، علاوة على الإشكاليات التي تتعلق بضعف وركاكة الصياغة التشريعية، كما هو الحال في قرار بقانون تعديل قانون السلطة القضائية، إلاّ أن قرار بقانون تشكيل المجلس الانتقالي ينص صراحة في المادة (2) على أن تنسيب مجلس القضاء الأعلى الانتقالي للسيد الرئيس بعزل أيّ قاض يكون "وفقاً لأحكام قانون السلطة القضائية" كما وينص صراحة على أنَّ إحالة أيّ قاض للتقاعد المبكر أو ندبه لوظيفة أخرى يكون "وفقاً للقانون" وبذلك قُضي الأمر.

وختاماً، فإنَّ القرار الذي اتخذته المحكمة بتاريخ 5/8/2019 في الطلب المستعجل والدفع المُثار برفع الجلسة إلى يوم الأربعاء 18/9/2019 يقتضي من مُترئس الهيئة القضائية المذكورة أن يتنحى في مواجهة دفع جدّي، كما أنَّ التاريخ المحدد للجلسة القادمة كفيلٌ بحد ذاته بأن يُفقِد صفة الاستعجال مغزاها وقيمتها، لأنها تتعلق بمسائل يُخشى عليها من فوات الوقت، وتهدف لحماية الحقوق من الأخطار التي تتهددها، وتفترض وجود ضرر مُحدق لا يمكن تدارك آثاره حال وقوعه، ولا شك في أن أداء المحكمة إذا ما استمر على هذا النحو فإن من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من الاختناق القضائي.

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير