نضال ربيع: مُهندس الاكتفاء الذاتي

19.08.2019 05:33 PM

وطن- عبد الباسط خلف

آثر نضال ربيع الأرض على الغربة والتجارة، وترك قبل ثلاث سنوات بنما والولايات المتحدة وكوستاريكا، واستقر في بلده ترمسعيا، وبدأ بممارسة الزراعة العضوية على أصولها، وأعاد إلى الحياة أنماطًا مفقودة وراح يحقق الاكتفاء الذاتي، والتحق بحركة طريق الفلاحين العالمية (لا فياكمبسينا) التي تضم 200 مليون عضو، لمناصرة الفلاحين وتشجيع منتجاتهم، وتوزيعها بشكل جيد، وانتخب العام الماضي في لجنتها التنفيذية وممثلاً فلسطين في الحركة، ويتقلد أيضاً سكرتير اللجنة الزراعية في بلدته.

أبصر ربيع النور عام 1962، وطالت غربته 28 سنة، فيما حصل على شهادة الهندسة المدنية من جامعة البولتكينيك عام 1982، لكنه لم ينقطع عن ترمسعيا، وحرص على زيارات خاطفة للبلدة الواقعة شرق رام الله والبيرة، وقرر نهاية المطاف الاستقرار فيها، وتأسيس مزارع عضوية، وتقديم تجربة عملية في الاقتصاد المقاوم.


انحياز لـ"العضوي"
استذكر ربيع تفاصيل صغيرة غابت عن المشهد الزراعي في بلدته، وفي فلسطين كلها، فلم تعد الفلاحة العضوية منتشرة، واختفت العديد من البذور البلدية، ولم يعد للبيقية، والكرسنة، والذرة البيضاء، والسمسم حضور، وتراجع استعمال الأسمدة العضوية المستخلصة من روث الحيوانات، كالأبقار، والأغنام، وانتشرت الأسمدة والمبيدات الكيماوية على نطاق واسع.
يرى ربيع إن الرش الكيماوي خطير، فهو "يدخل في مكونات الثمار وينتقل إلى الإنسان"، أما المستحضرات والمواد العضوية فهي آمنة، ويكفي أنها من الطبيعة نفسها.


ويُعد مستحضراته بنفسه، كالثوم والصابون لمكافحة الحشرات والمن، كما يحرص على غرس الثوم والبصل بجوار الأشجار لطرد الحشرات، ويخطط لزراعة عشبة الطيّون الطاردة للحشرات.


سلة خضراء
تداخلت في سلة ربيع الزراعية للموسم الحالي أصناف عديدة، تمتد على قرابة 60 دونمًا، كالثوم، والبصل، والملفوف، والزهرة، والفول، والسمسم، والشعير، والقمح، والبندورة، والكوسا، والبامية، والبطيخ، عدا عن 35 دونمًا مغروسة بالتين، والمشمش، والعنب، والزيتون، واللوز، بالإضافة إلى عنايته بالزيتون الروماني القديم الذي ورثه عن والده، والممتد على نحو 20 دونمًا. ولمساعدته في الأرض؛ يوظف منذ 3 سنوات عائلتين تعملان بالأرض طوال العام.


يستعين ربيع بمثل عربي " الأرض شو بتعطيها بتعطيك" في رده على أن الزراعة لم تعد مهنة مجدية، فهي بالعكس تحقق عوائد كثيرة لصاحبها، إذا ما أحسن إدارتها، وفي تجربته تساهم في دخل يومي محترم.
ورغم تجارته في كوستاريكا، إلا أن أنه يستكفي معيشته من الأرض، وقبل سنتين أحضر بذور فقوس وكوسا وبندورة من بنك البذور التابع لاتحاد لجان العمل الزراعي، استفادت من زراعتها 100 عائلة، لم تتعدَ في السابق غير عائلة أو اثنتين، وهذا العام وزع البذور على 70 عائلة، إضافة إلى 4 آلاف شجرة، و7 آلاف السنة الماضية.


رسالة وطنية
يفتخر ربيع بجهود اللجنة الزراعية في ترمسعيا، التي نجحت في إعادة الأهالي إلى الأرض وفلاحتها، وشجعتهم على الأنماط العضوية، وساعدتهم بحراثة أرضهم المهددة بالمصادرة قرب مستعمرة "عادي عاد"، بجرار زراعي.
وقال إن اللجنة زرعت قبل عامين 20 دونما بالكوسا والفقوس في الأراضي المهددة والمشتركة مع قرية المغير، ودعت الأهالي لقطف ثمارها مجانًا؛ لتشجيع المواطنين على العودة إلى الأرض، وعدم تركها لمستوطني "عادي عاد".
ووفق ربيع، فإن تبني الزراعة العضوية على نطاق واسع، والاستفادة من الحدائق المنزلية "سيحقق منافع بيئية كبيرة"، كما يمكن بهذه الخطوة تخفيض أسعار المنتجات العضوية لقرابة النصف.


واللافت في تجربة ربيع أن ترمسعيا تحقق اكتفاءً شبه ذاتي في محاصيلها الزراعية، وتطلق رسالة وطنية تدعو لعدم إفراغ الأرض من الزراعة؛ لأن إهمالها يعني تحويلها إلى مستعمرات جديدة.
وأضاف: "شجعتُ ابني وابنتي على العودة من الغربة، والاستقرار في بلدنا، وفي العام القادم آمل أن ترجع ابنتي المقيمة في كاليفورنيا".


سوق "نظيف"
واقترح إطلاق سوق شعبي للمنتجات العضوية، لكسر احتكار التجار الوسطاء بين المزارع والمستهلك، ولزيادة دعم الفلاحين.
واستذكر مشاهداته في الغربة، حين شاهد أسواق المنتجات العضوية التي كانت تنظمها البلدية أسبوعيًا، وفيها يجري يوم الجمعة إغلاق منطقة من المدينة، وتحويلها إلى مركز عرض وبيع عضوية، وهو ما يتمنى أن يراه وينفذه في مدننا.
وربيع عضو هيئة إدارية في مجموعة "حكي القرايا"، المهتمة بالتراث، التي نفذت مهرجانين في ترمسعيا وبرقين بمحافظة جنين لتشجيع بيع المنتجات العضوية.


ويحقق، المغترب العائد، اكتفاءّ ذاتيًا في بيته، ولا يشتري من السوق غير الملح والسكر، ويقتني الأغنام، والدواجن، والأرانب، والبط، والحمام، والحبش، ويوفر مونته من القمح، والفريكة، والزيت، والسمسم، والبصل، والسمسم، والبندورة، والخضار، والفاكهة كلها من الأرض، ويصنع الخبز على فرن حطب، ويحضر اللبنة والجبنة واللبن، ولا يذهب إلى السوق.
وأنهى: "خلال زيارة أختي لترمسعيا، لم تصدق أن كل طعامنا من أرضنا، وراحت توثق المائدة بالصور، وترسلها لأولادها، وتخبرهم بأن كل هذا من خير الأرض".
 

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير