دور الاعلام في الصراع على المياه .. الحالة الفلسطينية نموذجاً

22.08.2019 09:22 AM

كتب اسماعيل الهودلي:   تعتبر قضية المياه من القضايا الاساسية التي تتصدر استراتيجيات الدول الفقيرة بالمياه بشكل خاص، وهي احدى قضايا اهداف التنمية المستدامة التي يسعى المجتمع الدولي إلى حلها والتخفيف من الاثار المترتبة عليها من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ولا شك أن الاعلام يلعب دوراً مزدوجاً  في تناول هذه القضية حيث انه قد يسيس الموضوع  لأهداف تسعى بعض الدول لذلك مثل قضية سد النهضة واثيوبيا حيث تسعى اثيوبيا الى تعزيز دورها السياسي في افريقيا وتساهم اسرائيل الى حد كبير في تشجيع اثيوبيا على ذلك ووضع مصر تحت رحمة اسرائيل واثيوبيا.

أي بمعنى اخر ان الاعلام  يستغل قضية المياه كأحد الركائز  لجغرافيا السياسية،  كما أن الاعلام من جهة ثانية يلعب دوراً ايجابياً في التوعية والتنبيه. لقضية المياه كأحد دعائم  التنمية في المجتمعات الاكثر فقراً والاقل حظاً في التنمية المستدامة.

السياق التاريخي لقطاع المياه

تعاقبت على إدارة قطاع المياه في فلسطين إدارات عدة منذ الحكم العثماني حيث وقع هذا القطاع تحت إدارة الانتداب البريطاني ثم الإدارة الأردنية (1948-1967) وصولاً إلى الاحتلال الإسرائيلي، والذي سيطر على جميع الأراضي الفلسطينية خلال حربين أولاهما عام 1948 حيث سيطرت إسرائيل على نهر الأردن العلوي  وثانيهما عام 1967 حيث سيطرت إسرائيل على جميع مصادر المياه  السطحية والجوفية وأصدرت جملة من الأوامر العسكرية تمثلت بوضع المياه كأملاك دولة ولا يحق استخدامها إلا بتصاريح تُمنح من الإدارة العسكرية.

تمثلت هيكلية إدارة قطاع المياه تحت الاحتلال بسيطرة الإدارة المدنية وضابط المياه على كافة القضايا المتعلقة بإدارة مصادر المياه، إضافةً إلى إخضاع دائرة مياه الضفة الغربية والتي تأسست في عهد الإدارة الأردنية قبل عام 1967، ضمن مسؤوليات سلطة المصادر الطبيعية وِفق القانون الأردني رقم 12/ لعام 1966، إلى صلاحيات الحاكم العسكري، ووُضعت تحت إشراف ومتابعة ضابط المياه في الإدارة المدنية وتم تحديد مسؤولياتها بمتابعة القضايا المتعلقة بتزويد المياه للبلديات ومصالح المياه في الضفة الغربية ومنح صلاحياتها في تشغيل الآبار إلى شركة ميكوروت، وقد بلغت كميات المياه التي تشرف على توزيعها كمياه شرب بالجملة نحو  27 مليون م3 سنويا .

أما على مستوى تزويد خدمات المياه للمواطنين الفلسطينيين فقد تم الإبقاء على الصلاحيات للبلديات والمجالس القروية، إضافة ً إلى مصلحة مياه محافظة القدس (تم إنشاؤها وِفق القانون الأردني رقم 9/1966) وسلطة مياه ومجاري بيت لحم (تم إنشاؤها وِفق أمر عسكري عام 1972) بالتالي فإن علاقة المواطن الفلسطيني كانت مع هذه المؤسسات بشكل مباشر.

بعد قيام السلطة  في الوطن استمرت السيطرة الإسرائيلية على مصادر  المياه الفلسطينية ولم تنته، وبتغير الوضع السياسي بعد التوقيع على اتفاقية إعلان المبادئ في سبتمبر 1993، والاتفاقية المرحلية حول الضفة وقطاع غزة عام 1995، حيث اعتبرت الاتفاقية المرحلية "أوسلو 2" في البند 40 من الملحق الثالث "بروتوكول التعاون الاقتصادي" أن قضية الحقوق المائية من المواضيع المؤجلة إلى مفاوضات الوضع النهائي.

وبموجب هذه الاتفاقية "بند 40" تم تأسيس لجنة المياه المشتركة، التي يتم من خلالها التعامل مع مشاريع المياه والصرف الصحي في الضفة الغربية سواء الفلسطينية أو المشاريع المرتبطة بالمستوطنات من خلال موافقة هذه اللجنة المشتركة على إصدار التصاريح لهذه المشاريع، حيث تم اتباع موافقة اللجنة المشتركة بموافقة الإدارة المدنية على تنفيذ مشاريع المياه، ما أوجد حالة أدت إلى عرقلة تنفيذ هذه المشاريع ، وجعلت سلطة المياه الفلسطينية في وصف هذه اللجنة بأنها لجنة عراقيل وتأخي.

كان من المفترض حسب الاتفاقية المرحلية وبموجب قرار نقل الصلاحيات من الجانب الإسرائيلي إلى الجانب الفلسطيني لكافة الشؤون المدنية بما في ذلك المياه وضع دائرة مياه الضفة الغربية تحت إشراف ومسؤوليات السلطة الفلسطينية، إلا أن ذلك لم يحدث، حيث بقيت هذه الدائرة تحت إشراف وصلاحيات ضابط المياه في الإدارة المدنية.

ومع إنشاء السلطة الفلسطينية تم إصدار قرار رئاسي رقم 90/لسنة 1995، يتعلق بإنشاء سلطة المياه وإصدار قانون المياه رقم 2/لسنة 1996، وتعديلاته بالقانون رقم 3/لسنة 2002، حيث هدف القانون إلى تطوير وإدارة مصادر المياه وزيادة طاقتها وتحسين نوعيتها وحفظها وحمايتها من التلوث، وأعطى سلطة المياه صلاحيات إدارة مصادر المياه
ومع بداية عمل سلطة المياه قامت بالدور المركزي في تجهيز مخططات البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، إضافة إلى مشاريع حفر آبار المياه الإنتاجية  وذلك بموازنات مالية ضخمة ممولة من الدول المانحة، منها ما يزيد عن حفر 12 بئرا" انتاجيا" قامت سلطة المياه بتسليم إدارتها لدائرة مياه الضفة الغربية بعد تدعيم كادرها الوظيفي المعين في عهد الإدارة المدنية ضمن خطة لبناء مصلحة المياه الوطنية كمؤسسة مسؤولة عن كل ما يتعلق بإنتاج ونقل وشراء المياه بالجملة. إلا أن إشراف الإدارة المدنية ورفضها للالتزام بنقل صلاحيات دائرة مياه الضفة الغربية للسلطة، دفع السلطة إلى استصدار قرار من مجلس الوزراء الفلسطيني عام 2010 بنقل الموظفين المعينين في عهد الإدارة المدنية بقرار أحادي الجانب إلى سلطة المياه واعتبار الموظفين الذين تم تعيينهم من قبل السلطة بعد عام 1996 جزءا" من هيكلية هذه الدائرة. إلا أن التزام الموظفين المسجلين في الإدارة المدنية كان ضعيفا" بتنفيذ القرار ما أوجد صيغة تتمثل بوجود دائرة مياه تتبع للإدارة المدنية ودائرة مياه تتبع للسلطة الفلسطينية.

وعلى مستوى تقديم خدمات المياه تبعت هذه الصلاحيات للبلديات والمجالس القروية ومصلحة مياه محافظة القدس وسلطة مياه ومجاري بيت لحم، حيث أنها تزود بالجملة من خلال دائرة مياه الضفة الغربية بكميات قدرت   2011 بـ 49 مليون م3 في الضفة الغربية ،منها كميات مخصصة للشرب بالإضافة إلى بعض الآبار التي تديرها البلديات كبلدية نابلس وطولكرم.

إن واقع تزويد الفلسطيني بالمياه بقي في مستوى متدن حيث بلغت حصة الفرد اليومية 75 لترا" في عام 2018 في الضفة الغربية على رغم الأموال التي تم الاستثمار بها من قبل الدول المانحة في البنية التحتية لقطاع المياه، وذلك يعود لسبب رئيس متعلق بعدم كفاية إمدادات المياه مقارنة بمعدل الطلب عليها وارتباط ذلك أساسا" بالقيود التي فرضتها الاتفاقية المرحلية في حين تبلغ  حصة المستوطن 300 لتر في اليوم لكافة الأغراض  ، في حين يستهلك الفلسطيني 140 مترا مكعبا سنويا  يستهلك المستوطن 500 مترا مكعبا  لكافة الأغراض والغريب ان المستهلك الفلسطيني  يدفع ثلاثة اضعاف المستوطن  كثمن للمياه :

أثر  السياسة المائية الإسرائيلي على الأمن المائي الفلسطيني

منذ مطلع القرن التاسع عشر سعت الحركة الصهيونية الى السيطرة على الارض والمياه وليس غريباً أن يسكن اوائل المجموعات الصهيونية في منطقة بيسان الاكثر خصوبة ووفرة في المياه.

اتسمت السياسة المائية الصهيونية منذ أواخر القرن الثامن عشر، عندما قامت الحركة الصهيونية بإرسال بعثة لاستكشاف مصادر المياه المتاحة في فلسطين بهدف معرفة إمكانية إقامة وطن قومي لليهود فيها  تجسدت ذلك في مشاريع عديدة قبل وبعد قيام دولة إسرائيل. وفعلا فقد تم  اعتماد نتائج هذه البعثة في الضغط على الدول الغربية ( بريطانيا وفرنسا) من أجل ضمان إدراج منابع نهر الأردن ضمن الحدود الشمالية لدولة الانتداب البريطاني وقد نجحت إلى حد ما في ذلك. ورغم تثبيت الحدود بموجب اتفاقيه سايكس-بيكو  عام 1916 إلا أنه وبعد قيام دولة إسرائيل عام 1948 قامت بالسيطرة على جزء من منابع النهر وجزء من بحيرة طبريا وشرعت بإقامة مشروع ناقل المياه القطري لجر مياه طبريا إلى النقب لتخضير الصحراء وتسكين اليهود فيها. وقد توالت السياسة التوسعية للكيان الصهيوني حيث استولت على كافة منابع نهر الأردن وبحيرة طبريا في الشمال وعلى الأحواض الجوفيه في الضفة الغربية وغزة بعد عام 67 وقامت بفرض حقائق جديدة على الأرض وقامت باستبدال القوانين المعمول بها بأوامر عسكريه حدت من قدرة الفلسطينيين على استخدام مياههم و تطويرها حسب حاجاتهم وإنما أبقت مستوى الاستخدام بنفس المستوى طوال فتره الاحتلال بل وأقل مما كان عليه قبل الاحتلال.

وبموجب الأوامر العسكرية منع الفلسطينيون من تطوير مصادر مياههم أو البنية التحتية التابعة لها ومنعوا من إقامة أي منشاة مائية أو مشروع مائي جديد دون الحصول على تصريح من ما سميَ بضابط المياه الإسرائيلي إضافة إلى ذلك منع الفلسطينيون من حفر آبار جديدة لسد حاجاتهم خاصة في الحوض الغربي حتى وإن كان لاستبدال الآبار التي تجف وقد يتقلص عدد الآبار الإجمالي من 720 بئرا" قبل الاحتلال إلى حوالي 340 بئرا" في الضفة الغربية بعيد الاحتلال، بالتالي فإن كميات المياه المستخرجة لاستخدام الفلسطينيين تقلصت.

    وفي نفس الوقت ومع استمرار سياسة الاستيطان والسيطرة على الأرض، قامت السلطات الإسرائيلية بحفر عشرات الآبار الجوفية داخل الضفة الغربية لخدمة هذه المستوطنات، حيث قامت بحفر ما يقارب 40 بئرا" تنتج حوالي 44 مليون م3 في الأغوار بالإضافية إلى عدد من الآبار في المناطق أخرى من الضفة ( البنك الدولي 2009).

   ومع توسع الإستيطان وزيادة عدد المستوطنين في الضفة ازدادت كميات المياه المستخدمة من قبلهم لدرجه أن متوسط استخدام المستوطن الإسرائيلي أصبح يفوق استخدام المواطن الفلسطيني بسته أضعاف وأصبحت هذه المستوطنات تشكل مصادر لتلويث الأرض والمياه الفلسطينية سواء عن طريق نضح المياه العادمه غير المعالجة أو استخدام الأرض الزراعيه كمكبات لنفاياتهم الصلبة (التميمي ،2005).

هذا ولم يكن الحال بأفضل من ذلك في قطاع غزة حيث تم استنزاف الحوض مند منتصف السبعينيات ، أثناء فترة الاحتلال بالإضافة إلى تلويثه ومنع كميات المياه المتسربة من الشرق للوصول إلى الحوض لتغذيته سواء كانت مياها" سطحية ( وادي غزة) أم جوفية وهذا أدى إلى تدني مستوى المياه الجوفية بشكل كبير وإلى دخول مياه البحر إلى الحوض واختلاطها بمياهه كما أدى إلى تردي نوعية مياهه لدرجة أن هناك بعض المناطق أصبحت الملوحة فيها تفوق 5000 ملمتر / اللتر بمعنى أنها مالحة جدا" ولا تصلح للاستخدام الآدمي. هذا بالإضافة إلى تسرب كافة أشكال الملوثات إلى الحوض وتحديدا المياه العادمة، لعدم إنشاء بنيه تحتية ملائمة لجمع ومعالجة هذه المياه.

   وقد أكمل مسلسل السيطرة الإسرائيلية بعد توقيع الاتفاقية المرحلية حيث عززت إسرائيل من سيطرتها وضمنت إبقاء الوضع  الراهن على ما هو وجودة آليات تعطيها الكلمة الفصل في أي نشاط مائي تطويري في الأراضي الفلسطينية وتحديدا مناطق (ب و ج) وبعد الانتفاضة الثانية قامت إسرائيل بتدمير جزء كبير من البنية التحتية المائية التي تم تطويرها بعد الاتفاقية المرحلية. وحتى في الهجوم الأخير على قطاع غزة فقد قامت بتدمير الآبار والخزانات وشبكات  التوزيع وغيره .

   ولم يبق الأمر عند هذا الحد حيث ازداد سوءا" بعد بناء جدار الفصل والضم وإذ يمتد هذا الجدار على طوال الضفة الغربية بطول 725 كيلو مترا" ويصادر ويعزل حوالي 1000 كم2 من أراضي الضفة الغربية وتحديدا في المنطقة الغربية – منطقة الحوض الجوفي الغربي_ بالإضافة إلى ذلك فهو يعزل حوالي 26 بئرا" جوفيا" خلفه كانت تخدم المواطن الفلسطيني وتم حفرها قبل الاحتلال حيث كانت تنتج هذه الآبار ما معدله 4مليون م3  في السنه أي حوالي 20% من مجمل ما يستخرجه الفلسطينيون من الحوض الغربي (شكل 4) بمعنى آخر فإن الجدار عزز السيطرة الإسرائيلية على أهم أماكن تواجد المياه للاستخراج في الحوض الغربي وقلص كميات المياه المستخرجة من قبل الفلسطينيين وفرض حقائق جديدة على الأرض  تضعف أي موقف تفاوضي فلسطيني مستقبلي إن كان هناك أي تفاوض في المستقبل.

من الواضح أن السياسة الإسرائيلية تسعى جاهده إلى تقليص كميات المياه المتاحة للفلسطينيين وتعمل بشكل دؤوب على عدم تمكينهم من السيطرة على مصادر المياه وعدم السماح لهم بتطوير أي قرارات قد تمكنهم من تغيير الوضع القائم. إضافة الى ذلك فهي تعمل على زيادة واعتماد الفلسطينيين على المياه المشتراه من الشركة الإسرائيلية من أجل إبقائهم تحت رحمة المحتل فتزودهم بالكمية التي تشاء وفي الوقت التي تشاء من أجل إشغالهم بضروريات الحياة وإشغالهم بالتفكير بكيفية تأمين شربة الماء وإبقاء معاناتهم كل صيف حيث تقوم بتقليص الكميات المزودة لهم بنسب تصل إلى 40% في بعض المناطق ( كعوش ،2012).

 

"المياه في مفاوضات الحل النهائي"

حددت اتفاقية أوسلو قضايا الحل النهائي بالقدس، المستوطنات، اللاجئين، والحدود والمياه وتكاد أن تكون مفاوضات المياه هي الوحيدة التي لم تتوقف كونها ترتبط بالعمل اليومي فقد اضطر الطرف الفلسطيني للتفاوض مع الجانب الإسرائيلي على كل صغيرة وكبيرة، واتسعت هذه المفاوضات لتشمل حتى نقل المعلومات عن الآبار من الجانب الفلسطيني إلى الإسرائيلي في إطار ما يعرف باللجنة المشتركة واللجان الفنية المنبثقة عنها.

بعد هذا العرض الاستهلالي فإننا نرى أن التفاوض على قضايا المياه يتم في الإطار الآتي:

• الارتباط الوثيق بين موضوع المياه والسيادة الوطنية وكينونة الدولة، وحقها في السيطرة على مصادرها المائية حيث أن التعاون يتم على المياه المشتركة وليس الوطنية.

• الارتباط الوثيق بين موضوع المياه وقضايا الحل النهائي الأخرى، فهناك ارتباط عضوي بين حل قضية اللاجئين والنازحين والمياه ، وكذلك الأمر بالنسبة للحدود حيث أن نهر الأردن هو سياسي ومصدر مياه، والقدس تشكل ثقلا" جغرافيا" ومائيا" وديمغرافيا" لا بد أن يؤخذ بالحسبان، ومياه المستوطنات ليست في الحسبان الفلسطيني حيث أن الفرضية الأساسية انه لا وجود لمثل هذه المستوطنات في الحل النهائي، والأمر أيضا ينطبق على الترتيبات الأمنية النهائية حيث لا يجوز بأي لحظة أن نقبل ارتباط أي ترتيبات أمنية بحرية وصولنا إلى مصادر المياه.

• حقوق في نهر الأردن تشمل حق الاستفادة والتخزين والمجاورة والإدارة وفقا للقانون الدولي واقتداء بالاتفاقيات الدولية المشابهة.

• أي ترتيبات انتقالية يجب أن ترتبط بجدول زمني يحدد فيه الإنجاز لكل مرحلة ولا بد من تقصير فترة هذه الترتيبات إلى أقصى حد ممكن.

• الاطلاع على تجارب الدول الأخرى والذهاب بملف يمكن التسلح به في الحالات المشابهة.

بعد ذكر هذه الملامح الأساسية للتفاوض حول قضية المياه لا بد من فتح نقاش وحوار جدي في الأوساط الفلسطينية حول المدخل السليم والآلية التي يجب اتباعها، حيث أن هناك جدلا حول هل المدخل القانوني أو السياسي أو مدخل الحق الإنساني هو الأفضل في مثل هذا الملف، أم الدمج بينها جميعها، وهنا أعتقد أن التركيز على مبدأ السيادة السياسية والولاية القانونية لدولة فلسطينية هو المدخل الأسلم، ولكن التفاسير والتغيرات الفنية لا
لجنة المياه في المفاوضات متعددة الأطراف

شكلت انطلاقة مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط في أكتوبر 1991 رؤية جديدة منطلقها أن السلام في الصراع العربي الإسرائيلي ممكن، ولهذا تبنى المؤتمر أسلوب ثنائية المسار: المسار الثنائي ( الأردن- لبنان- سوريا- فلسطين) كل على حدة مع إسرائيل والمسار متعدد الأطراف الذي يضم بالإضافة إلى الأطراف الرئيسية – أطراف دولية إقليمية وغير إقليمية، وهدف هذا المسار إلى تحسس الحلول لمشاكل المنطقة ( البيئة، المياه، اللاجئين، التعاون الاقتصادي، والتسلح ) والعمل على بناء خطوات تعزز الثقة بين الأطراف، وضع لهذا المسار إطار في يناير 1992 إثر اجتماع اللجنة التوجيهية للمفاوضات متعددة الأطراف في موسكو وقد حضر هذا الاجتماع ممثلو 47 طرفا دوليا، و كانت لجنة المياه إحدى اللجان الخمسة التي اتفق عليها رسميا بين جميع الأطراف.

و اعتبرت لجنة المياه إحدى اللجان التي يمكن من خلالها بناء نموذج للتعاون الإقليمي، من خلال التركيز على الاهتمامات المشتركة والحلول الممكنة تحت مظلة التعاون الإقليمي.

ولهذا اعتبرت هذه اللجنة أنها ومن خلال ديناميكيتها وضرورة التقدم في القضايا العملية ومشاركة الأطراف غير المتنازعة يمكن أن تساعد في تقدم المسار السياسي والعكس صحيح.

ومن خلال الاطلاع على وثائق الجولات المتعددة لهذا المسار يتبين أن الراعين الروسي والأمريكي ركزا على أن تكون القرارات بالتوافق من جهة، ومحاولة إدماج الدول المانحة في أن تكون طرفا أساسيا في كل الأفكار من جهة ثانية، ومحاولة عدم ربطها بالمسار السياسي .


الحلول لمشكلة المياه في فلسطين

كما اسلفنا أن الحلول الممكنة في ظل الظروف الحالية تعتمد بشكل كبير على طبيعة الاداء السياسي الفلسطيني فالمشكلة في الاساس هي سياسية وهي نتاج سياسات الاحتلال المتعاقبة منذ القرن الماضي.

الحلول السياسية: استمرار الفلسطينيين بوضع خطة اعلامية وسياسية وإثارة قضية المياه والصراع على مصادرها في المحافل الدولية والاعلامية واستخدام كافة وسائل القانون الدولي في الصراع مع الاسرائيليين.

الحلول الفنية: لتجنب الكارثة التي تحصل في قطاع غزة حيث أن 95% من المياه غير صالحة ولابد من الاسراع في الآتي:-
1. انشاء محطة تحلية من مياه البحر بطاقة كبيرة.
2. إعادة تنقية مياه المجاري واستغلالها في الزراعة.
3. العمل على وقف استنزاف الحوض الجوفي بتنظيم ومراقبة اعمال الضخ العشوائي.
أما في الضفة الغربية فيمكن عمل الآتي:-
1.  انشاء سدود على الاودية الرئيسية.
2. إعادة ترميم وتأهيل الينابيع.
3. الاستفادة من مياه الامطار بشكل اكثر كفاءة.
4. استخدام مياه محطات تنقية مياه المجاري في الزراعة.
5. تطوير انظمة المياه لوقف نزيف الفاقد من الشبكات.

دور الاعلام في الصراع على المياه:

مع تطور وسائل الاعلام في العقديين الاخيريين وخاصة الاعلام المجتمعي اصبحت هذه الوسائل تؤدي عرضاً سياسياً واجتماعياُ مهماً من حيث حجم التأثير، وعدد الجمهور المستهدف وبناءً على ذلك يمكن الاستفادة من وسائل الاعلام في المجالات التالية:-
 مجال التوعية: توعية المواطنين بأن المياه حق من حقوق الانسان الاساسية وهي حق من حقوق الاجيال القادمة وبالتالي فإن المحافظة عليها وعدم استنزافها هو مشاركة حقيقية في اهداف التنمية وبيان أن هذا الحق هو من واجبات الدولة أن توفر مياه نظيفة كامنة ويمكن دفع اثمانها ومن واجب المواطنين استخدامها واستهلاكها بطرق حكيمة ورشيدة وعدم اهدارها حفاظاً على هذه المصادر التي بدأت تتناقص بسبب التغيير المناخي وتنامي الطلب عليها لأغراض زراعية وكمية استهلاك منزلي وصناعي.

- المجال القانوني: هناك دور اساسي للاعلام في بيان أن اجراءات سلطات الاحتلال هي باطلة من الناحية القانونية (القانون الدولي ، والقانون الدولي الانساني) وهي مخالفة لكل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.

- المجال السياسي: تلعب وسائل الاعلام دوراً سياسياً من خلال توعية الجماهير بأهمية الحقوق المائية من الجانب السياسي فهي جزء من سيادة أي شعب على مصادر المياه وهي من الحقوق غير القابلة لتصرف وأن أي تلاعب في هذه الحقوق يضر بالسيادة الوطنية وبحقوق المواطنين الفردية والجماعية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير