الرأي العام يتساءل: هل فعلاً تم الاتفاق مع "إسرائيل" حول تحصيل السلطة ضريبة المحروقات مباشرة؟ وهل أعاد البنك العربي حوالة المقاصة أم حوّلت لحساب السلطة؟

29.08.2019 02:20 PM

وطن: أثار ما نشره الخبير الاقتصادي الصحفي جعفر صدقة، بأن حوالات أموال المقاصة بقيت موجودة في البنك العربي ولم تتم إعادتها إلى دولة الاحتلال، بالإضافة إلى عدم وجود اتفاق بين السلطة ودولة الاحتلال بتحصيل السلطة أموال ضريبة المحروقات مباشرة، العديد من التساؤلات التي تتطلب من الحكومة والجهات الرسمية والبنك العربي توضيحها للرأي العام الفلسطيني.

وكتب صدقة في صفحته على "فيسبوك"، "ما تأكد لدي من معلومات يقول: إن ما حدث هو عبارة عن سحب ملياري شيكل من قيمة المقاصة المحتجزة، وهي عبارة عن حوالي 1.4 مليار شيكل قيمة الضريبة على المحروقات عن الاشهر السبعة الماضية، وهي اصلا موجودة في البنك العربي ضمن المقاصة التي ترفض الحكومة الفلسطينية تسلمها منذ شباط الماضي، و600 مليون شيكل من قيمة هذه الضريبة، مقدما، عن الاشهر الثلاثة القادمة".

وأضاف صدقة: فيما يتعلق بإحالة جباية هذه الضريبة الى الحكومة الفلسطينية مباشرة، وهو ان تم اعتباره بحق انجازا مهما وله ابعاد مهمة حتى لو كان صغيرا، فانه ما زال مجرد اقتراح ولم يتم اي اتفاق بشأنه حتى الآن.

وتابع: نعم هناك اتفاق مبدئي على المستوى الفني بين وزارتي المالية: الفلسطينية والاسرائيلية، لكنه محبوس في مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لعرضه على المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) لنقاشه والبت فيه، وهو يرفض عرضه على (الكابينت) قبل خروج اسرائيل من مرحلة الانتخابات العامة، المقررة في 17 ايلول.

وتعليقاً على ذلك، قال الكاتب والخبير القانوني ماجد العاروري لـوطن، "اعتقد هذا يعكس حالة من التخبط فيما يتعلق بإجراءات السلطة بحل ازمة الرواتب لديها، فبعدما اعلنت على لسان مسؤولين رسميين التوصل لحل ضريبي وأُعلن في ذات اليوم عن صرف 110% من الراتب، واضح أن ذلك القى أثراً كبيراً على الحكومة الاسرائيلية، وعلى الانتخابات، وبالتالي نفت إسرائيل وجود الاتفاق، ويبدو أن السلطة باتجاه التراجع عن هذا الاتفاق وتبريره وفق ما نشر على صفحة الصحفي صدقة، أن السلطة غطت هذه الأمول من الحوالة التي وصلت وبقيت عالقة في البنك العربي".

وأضاف العاروري أنه في حال تم ذلك، فإن السلطة قد بدأت باستلام أموال المقاصة في النهاية، مع العلم انها كانت ترفض استلامها منقوصة.

وتابع: هناك ضرورة بأن تخرج السلطة وبلسان الناطق الرسمي باسم الحكومة لتوضيح كيف تمت الاجراءات التي تتبع لحل هذه الأزمة المالية والملابسات المتعلقة بالحوالة؟.

وأوضح العاروري: هذه الحوالة قد تم تحويلها منذ عدة شهور ، والمعروف أن الحوالات لا تبقى في البنوك طيلة هذه الفترة، حيث لها مدة محددة في البنك وفي حال رفضت السلطة استلامها تتم إعادتها للجانب الإسرائيلي، وفي حال لم يتم إرجاعها، لماذا بقيت في البنك العربي طيلة هذه الفترة ؟ وهل هي حوالة واحدة أم عدة حوالات؟

وقال: أعتقد أن هناك اشكاليات حقيقية وغموضا وتخبطا يتطلب من السلطة أن تصارح الجمهور بكل المعلومات الصحيحة وأن لا يكون الجمهور الفلسطيني والمعلومات المقدمة له ضحية للانتخابات الاسرائيلية.

من جانبه، قال استاذ الاقتصاد د.نصر عبد الكريم لـوطن، إن ما نشره الصحفي صدقة لا يوجد فيه كثير من المنطق، لأنه كيف تراكم مبلغ ضريبة البترول في الحسابات المصرفية للسلطة لدى المصارف المحلية على مدار 7 شهور، دون سواها من أموال المقاصة؟ إلا إذا كانت السلطة تعيد كل أموال المقاصة ما عدا الجزء المتعلق بالمحروقات على أمل منها بالوصول مع حكومة الاحتلال لاتفاق بهذا الشأن، بمعنى كانت بانتظار موافقة "اسرائيل" على هذه الخطوة، وإلا كيف تراكمت أموال ضريبة المحروقات دون سواها؟

وأضاف: لذلك اعتقد من الصعب تصديق ذلك، إلا اذا كان هناك نية لدى السلطة بإبقاء هذا البند من المقاصة، لأنها كانت تعتقد أن "اسرائيل" ستوافق عليه، وكان لدى "اسرائيل" ربما قبول مبدأي .. هذا التحليل المنطقي الذي أراه.

وفيما يتعلق بما نشر سابقاً بأن ما أعلن عنه من اتفاق بتحصيل السلطة ضريبة المحروقات مباشرة، بأنه تعديل جوهري في اتفاق باريس الاقتصادي، قال عبد الكريم: كنت أرى من الأساس أن ما جرى ليس تمهيداً باتجاه تعديل اتفاق باريس، بل هو اتفاق متبوع بحاجة الطرفين للخروج من الأزمة ولو جزئيا لإيجاد حل، فالسلطة كانت تحت ضغط مالي و"اسرائيل" كان لديها هواجس امنية وكانت تحت تحذيرات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وبالتالي موافقتها على تحويل اموال ضريبة المحروقات لا يخل بالقانون الذي اقرته في الكنيست والقاضي بخصم قيمة رواتب الأسرى وأسرى الشهداء والجرحى من ضريبة المقاصة، وهذا رأيي كان قبل 3 شهور، وهو حل يستطيع كل طرف فيه أن يدعي انه ثبت على موقفه ولذلك كان هذا الحل الأنسب.

وأضاف: كنت وما زلت لا أظن أن الاتفاق تنازل اسرائيلي عن بعض بنود اتفاق باريس، لأن ضريبة المحروقات ليست كل أموال المقاصة بل ثلثها، وثانيا هو اتفاق مرتبط بإجراء مؤقت لحين تسوية أزمة المقاصة بالكامل، وثالثا لا يمكن ان نتحدث تعديل اتفاق باريس او قبول "اسرائيل" بقواعد جديدة مع السلطة دون مقابل او مقايضة سياسية.

واتصلت وطن، بالناطق باسم الحكومة ابراهيم ملحم، للحصول على تصريح منه حول القضية، حيث أكد أنه سيقوم باستيضاح الأمر من رئيس الحكومة.

كما اتصلت وطن بالمدير الإقليمي للبنك العربي جمال حوراني، للحصول على تصريح منه بشأن ذلك، لكنه من يجب على الهاتف.

وكان حسين الشيخ عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وزير الشؤون المدنية، أعلن الخميس، انتهاء أزمة ضرائب البترول بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال بعد مفاوضات مضنية. وقال الشيخ في تغريده له عبر تويتر :" بدأت السلطة الفلسطينية في استيراد البترول من اسرائيل بدون ضريبة (البلو) بأثر رجعي عن السبعة شهور الماضية ، ولكن هذا لا يعني ان الأزمة المالية قد انتهت وإنما بقيت المليارات لنا محجوزة لدى إسرائيل".

فيما يلي النص الكامل لما نشره الصحفي صدقة على صفحته في "فيسبوك":

فيما يلي مقال صدقة السابق حول تعديل اتفاق باريس:

تحرير الضرائب على المحروقات من المقاصة تغيير جوهري في بروتوكول باريس

كتب جعفر صدقة: على مدى ساعات، حظي الإعلان عن اتفاق بشأن إحالة جباية الضرائب على المحروقات المستوردة إلى الأراضي الفلسطينية إلى الحكومة الفلسطينية مباشرة، بدلا من جبايتها من قبل إسرائيل نيابة عن السلطة ضمن ما يعرف بالمقاصة، والتي تشكل بمجملها ثلثي الإيرادات العامة للخزينة الفلسطينية، باهتمام واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك من وسائل الإعلام المحلية والعالمية.

لكن اللافت أيضا، أن نقاش الموضوع على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا، ينم عن جهل عميق بهيكلية الإيرادات العامة للخزينة الفلسطينية، وطبيعة العلاقة الاقتصادية مع الجانب الإسرائيلي، المحكومة لـ"بروتوكول باريس"، وفي جوهره وضع الأراضي الفلسطينية بغلاف جمركي واحد مع إسرائيل، ومكنها من التحكم بثلثي الإيرادات العامة للسلطة الوطنية الفلسطينية، واستخدامها لابتزاز القيادة الفلسطينية.

تتكون المقاصة من الضرائب والجمارك على الواردات الفلسطينية من الخارج ومن إسرائيل، تجبيها وزارة المالية الإسرائيلية مباشرة على الحدود والمعابر بمجرد دخول البضاعة، مقابل عمولة 3%، على أن توردها للخزينة الفلسطينية في نهاية كل شهر، ووصل مجموعها في السنوات الأخيرة إلى حوالي 700 مليون شيقل شهريا، ثلثها او أكثر قليلا (حوالي 220 مليون شيقل شهريا)، يتأتى من الضرائب على المحروقات، وهي نوعان: ضريبة القيمة المضافة، وما يعرف بضريبة "بلو"، وهما تشكلان مجتمعتين أكثر من نصف أسعار المحروقات للمستهلك.

لقد أفضى تمادي إسرائيل بالتلاعب بهذه العائدات، وآخرها اقتطاع 42 مليون شيقل شهريا توازي ما تدفعه الحكومة الفلسطينية لعوائل الشهداء والجرحى والأسرى، ليصل بذلك مجموع الاقتطاعات الإسرائيلية من المقاصة إلى نحو 200 مليون شيقل شهريا، إلى ردة فعل حازمة من القيادة الفلسطينية برفض استلام كامل المقاصة إذا كانت ناقصة قرشا واحدا، مطالبة بتوقف إسرائيل عن أية اقتطاعات من طرف واحد، ودون تدقيق وموافقة من الحكومة الفلسطينية، فبقيت هذه العائدات محتجزة لدى إسرائيل، ما ادخل الحكومة الفلسطينية في أزمة سيولة هي الأخطر منذ قيام السلطة الوطنية في العام 1994.

منذ بدء الأزمة في شباط الماضي، طرحت عدة مقترحات من أطراف دولية، لتجاوزها، لكن القيادة الفلسطينية رفضتها جميعها لانطوائها على مضمون سياسي يمس بمكانة الشهداء والجرحى والأسرى، ويتساوق مع المساعي الإسرائيلية باعتبار هؤلاء "إرهابيين"، بينما هم مناضلون من اجل حرية شعبهم، أو ضحايا للإرهاب الإسرائيلي، خصوصا ان الحديث يدور عن أموال فلسطينية صرفة، يدفعها المواطن الفلسطيني من جيبه مسبقا، وليس منة او مساعدة من إسرائيل، وليس لها أي حق، لا بالقانون الدولي ولا في الاتفاقات الثنائية، باقتطاع قرش واحد منها.

في الفترة الأخيرة، طرح على الطاولة اقتراح بإخراج الجمارك والضرائب على المحروقات من المقاصة، وتحويلها إلى جباية محلية مباشرة من قبل وزارة المالية الفلسطينية، وبأثر رجعي منذ بداية العام 2019، ما يعني تحرير حوالي ملياري شيقل من المقاصة المحتجزة في إسرائيل، وهو مبلغ يأتي في وقت دخلت فيه الأزمة المالية منعطفا خطرا مع استنفاد الأدوات المالية الصرفة في التعامل مع الأزمة.

في الحقيقة إن المقترح هو مقترح فلسطيني، وهو في جوهره ليس جديدا، وماطلت إسرائيل في بحثه والتعامل معه لفترة ليست قصيرة، وبعد مفاوضات مضنية، وسلسلة اجتماعات ضمت وزير المالية شكري بشارة ورئيس هيئة الشؤون المدنية حسين الشيخ مع وزير المالية الإسرائيلي، وتحت ضغوط المخاوف الأمنية الإسرائيلية من تداعيات تلاعبها بعائدات المقاصة، أبلغت إسرائيل الجانب الفلسطيني موافقتها على المقترح، وبأثر رجعي منذ بداية العام.

ماليا، فان حل الأزمة المالية التي تعانيها السلطة الوطنية، يجب أن يكون باستعادة أموال المقاصة كاملة غير منقوصة، وهي حق فلسطيني خالص، لكن تحرير الضرائب على المحروقات، والبالغة حوالي 220 مليون شيقل شهريا، يرفع من قدرة القيادة الفلسطينية على إدارة الأزمة، وتخفيف الضغط الشديد الذي يتحمله المواطن، والاقتصاد عموما، دون ان تتراجع عن موقفها المبدئي برفض أية اقتطاعات من جانب واحد، والإصرار على مواصلة تحمل مسؤولياتها تجاه عوائل الشهداء والجرحى والأسرى، الى حين حل المشكلة سياسيا بإعادة كامل المقاصة.

لكن الأهم من كل ذلك، هو إخراج/ تحرير اكبر مورد من موارد الخزينة الفلسطينية، المتمثل بالضرائب على المحروقات، من تحكم إسرائيل، بسلخه عن المقاصة معها، وارتفاع حصة الجباية المحلية في إجمالي إيرادات الخزينة الفلسطينية، وإجراء في غاية الأهمية لجهة سيطرة الحكومة الفلسطينية على مواردها، وبالتالي قرارها المالي، وهو هدف سعت إليه الحكومات الفلسطينية المتعاقبة منذ قيام السلطة، وهنا تكمن الأهمية الكبرى في هذا التحول، مع عدم التقليل من الأثر المالي قصير الأمد، وبهذا فان ما جرى بشأن الضرائب على المحروقات سابقة في غاية الأهمية يمكن البناء عليها في التعامل مع باقي مكونات المقاصة، بما يضمن عدم تحكم إسرائيل بها واستخدامها لابتزاز القيادة الفلسطينية.

كذلك، فان سيطرة الحكومة الفلسطينية على ضرائب المحروقات، من شأنه تسهيل مساعيها لاستيراد مشتقات النفط من الخارج، بما ينطوي عليه ذلك من قدرة على التسعير وفقا لمصلحة الاقتصاد الفلسطيني حصرا، وليس كما هو الحال الآن تبعا لمصالح الاقتصاد الإسرائيلي دون أي اعتبار للمصلحة الفلسطينية، سواء على صعيد الاقتصاد ككل، او على صعيد المواطنين الأفراد.

باختصار، فان تحرير الضرائب على المحروقات من آلية المقاصة مع إسرائيل، يمكن أن يشكل بداية لتغيير جوهري في بروتوكول باريس، بما يحفف من وطأته وإجحافه بالاقتصاد الفلسطيني، والخزينة العامة الفلسطينية، وهو يقع في جوهر التوجهات نحو "فك التبعية" للاقتصاد الإسرائيلي.

 

تصميم وتطوير