ليلة إسقاط العلم الصهيوني..بقلم: محمد السعيد ادريس

27.08.2011 11:36 AM

لم تكن ليلة الأحد الماضي (21 أغسطس/ آب الجاري) ليلة مثل كل الليالي بالنسبة إلى آلاف الشباب المصريين المحتشدين أمام سفارة الكيان الصهيوني وعلى طول المسافة الممتدة من أطراف حي المنيل وطول كوبري الجامعة (جسر جامعة القاهرة)، امتداداً إلى ميدان نهضة مصر وتمثالها الشامخ على رأس الطريق الموصل إلى مدخل جامعة القاهرة . المنطقة ساحرة بكل المعاني، النيل في أحد مناطق اتساعه الرائعة وحديقة حيوانات الجيزة وأمامها حديقة الأورمان، لكن العواطف الجياشة تطغى على روعة المكان، عواطف الولاء للوطن من ناحية، وعواطف التعلق بأمل الوصال مع الله سبحانه وتعالى في تلك الليلة المباركة أول الليالي الوترية من العشر الأواخر .

اختلطت الهتافات المدوية المطالبة بالثأر والقصاص من الصهاينة الذين قتلوا الجنود المصريين على الحدود المصرية مع فلسطين المحتلة بالدعاء إلى الله أن يستجيب في هذه الليلة لدعوات وآمال الملايين، بأن ينصر الله العرب والمسلمين، وأن يحمي الأقصى والشعب الفلسطيني .

كان الجميع يريدون فعل أي شيء، وكل شيء، في تلك اللحظات من اقتحام لمبنى السفارة إلى توسيع التظاهر والدعوة لمليونية تطالب بإلغاء اتفاقية الذل مع الكيان الصهيوني، باعتبارها من مخلفات النظام المخلوع، وبينما كان العشرات من النشطاء يروحون ويجيئون بين المحتشدين استعداداً لوجبة السحور، إذا بالأنظار تتجه فجأة مأخوذة بما تراه ولا تكاد تصدقه .

شاب نحيل يتسلق المبنى المجاور لعمارة السفارة التي يقع فيها مقر البعثة الدبلوماسية الصهيونية بجوار كوبري الجامعة، وفيه ينتقل إلى المبنى نفسه الذي يضم تلك البعثة، وفي دقائق معدودة يقفز ويتسلق من طابق إلى طابق بسرعة مذهلة، ومع كل قفزة تحتبس الأنفاس: هل يقع؟ أم يستطيع أن يواصل؟ هل يمكن أن يغتالوه؟ ومن هو هذا الشاب؟

في أقل من 20 دقيقة استطاع الشاب أحمد الشحات، ابن المحافظة الشرقية الذي حضر خصوصاً للمشاركة في التظاهرة ضد الكيان الصهيوني وجرائمه، أن يتسلق 22 طابقاً في البناية التي تضم طوابقها الثلاثة الأخيرة مقر السفارة الصهيونية .

وحين وصل الشاب إلى صيده الثمين تعالت الهتافات والتكبير خصوصاً بعدما أسقط العلم الصهيوني وثبّت بدلاً منه العلم المصري .

عشرون دقيقة مرّت وكأنها دهر كامل، وها هو علم مصر يخفق في سماء القاهرة معلناً عهداً جديداً من حياة مصر وعلاقتها بأمتها العربية وفلسطين على وجه الخصوص .

لم تكن هذه هي النهاية، لكنها البداية، البداية نحو مشوار طويل من مشوار الثورة المصرية من أجل السيادة والكرامة الوطنية جنباً إلى جنب مع تحقيق العدالة والحرية، فلا حرية ولا عدالة يعيشها المصريون من دون أن يعيش وطنهم الكرامة والسيادة، ولا كرامة ولا سيادة مع استمرار معاهدة الذل والعار، ومن هنا يبدأ مشوار إكمال الثورة بمراجعة الموقف من “معاهدة السلام” مع الكيان الصهيوني، من أجل تحقيق السيادة الوطنية على كل سيناء وإلغاء غياب الجيش المصري عنها، وخاصة عن مناطق الحدود مع الكيان الصهيوني، والمطالبة بتسليم قتلة الجنود المصريين لمحاكمتهم في مصر، ورفض الاعتذار “الإسرائيلي” .

لم يعد ممكناً البقاء في الموقف نفسه الذي كان يقفه النظام السابق من الكيان الصهيوني، والذين تصوروا أن الثورة المصرية هي مجرد ثورة من أجل الديمقراطية والمشاركة السياسية والانتخابات كانوا خاطئين أو واهمين، فها هي الثورة تؤكد أنها ثورة للتغيير الجذري في الداخل نحو الحرية والعدالة والتقدم، وهي أيضاً ثورة في دور مصر وسياستها الخارجية، ثورة من أجل استرداد المكانة والاعتبار والتخلّص من كل اتفاقيات ومعاهدات وسياسات الانكسار، والبداية ستكون حتماً مع هذا الكيان الصهيوني الذي أراد بجريمته ضد الجنود الذين استشهدوا، أن “يختبر القيادة الجديدة”، وهو يصدم بالحقيقة التي تقول إن الشعب هو القائد والمعلم، وإن وطناً يقوده شعبه هو حتماً وطن للعزة والكرامة .

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير