وعد بلفور وصفقة القرن (الجزء 2)

07.09.2019 07:46 PM

كتب: نبيل المصري

هناك مقولة تقول ( التاريخ يعيد نفسه المرة الأولى كمأساة والثانية مهزلة) وبعد ما ينوف على ثلاثة عقود يطل على الواقع الفلسطيني بشكل خاص وعلى العالم العربي بشكل عام مصطلح ومسمى سياسي جديد هو (صفقة القرن) يقال أنه خاص بالعملية السياسية في تاريخ الصراع الفلسطيني العربي الصهيوني.
حقيقة الأمر إن وعد بلفور ما هو إلا سيناريو وضعت فصوله بريطانيا العظمى كدولة منتصرة تقف على رأس الهرم الدولي آنذاك . أما صفقة القرن فتضع فصولها الولايات المتحدة الأمريكية التي تتزعم محور الشر الرأسمالي الاستعماري. وبغض النظر عن تاريخ وعد بلفور زمنيا قياسا بصفقة القرن حاليا، فإن كلا الدولتين ( بريطانيا وأمريكا) تحرص كل الحرص على تنفيذ أهداف وقرارات مؤتمر بازل الصهيوني الذي انعقد في سويسرا ( عام 1897)  وتلك الأهداف للمؤتمر الإستراتيجية كما وردت:

1-  إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين مع الحصول على ضمانات دولية
2- تنظيم اليهود في العالم وربطهم بالحركة الصهيونية العالمية من خلال مؤسسات الاتحاد الصهيوني العالمي.
3- تأسيس صندوق قومي لجمع المال
4-  تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين بكافة الوسائل

تجدر الاشارة الى أن (موسى منتفيوري) وهو بريطاني المولد ،أمريكي الجنسية، يهودي الديانة وصهر عائلة روتشيلد وبعد زيارته فلسطين أكثر من سبع مرات قام خلالها بإقناع الدولية العثمانية بحق اليهود بالتملك كباقي الطوائف الأخرى وأقام أول بؤرة استعمارية استيطانية في القدس وعدد من البؤر  في الجليل وحيفا إبان تلك الفترة عندما كان "المنتفيوري" الذي يحمل إسم عائلته عمدة لمدينة لندن عام1860م.

على ضوء هزيمة ألمانيا  في الحرب العالمية تم تقسيم الوطن العربي بالحدود السياسية بين الحلفاء كما ورد في معاهدة سايس بيكو، حيث وزع الحلفاء الوطن العربي فيما بينهم كمستعمرات. كما وجرى حل عصبة الامم المتحدة وعلى انقاضها  تشكلت هيئة الأمم المتحدة  "للحفاظ على السلم والأمن الدوليين"،  فاحتلت بريطانيا فلسطين في عام 1917 ووضعت تحت الوصايا البريطانية من خلال الحكم العسكري وأنمظة الدفاع "الطواريء" . خلال تلك المرحلة تجسد التأمر والتواطيء  لضمان إقامة دولة عنصرية من خلال أبشع وسائل القمع والاضطهاد وشهدت المنطقة سلسلة من الإحداث بين القتل والاعتقال والنفي.

إن المتتبع للتاريخ فقد كانت دولة فلسطين التي تعيش فيها كافة الطوائف دون تميز لكافة الأقليات وعلى وجه الخصوص اليهود الذين لم يشكلوا (8%) من السكان حيث كان عددهم لا يزيد آنذاك عن (55142) ويتمتعون بكافة الحقوق المدنية والمواطنة ويملكون اقل من خمس مليون دونم علما بان معظمها تم تسريبه بطرق ووسائل غير شرعية وبرعاية عثمانية وبريطانية، في  مقابل630 ألف نسمة من السكان الأصليين الذين يملكون 26 مليون دونم  ناهيكم عن المشاريع والمرافق العامة من مطارات وموانئ وسكك حديدية ومؤسسات.

وعلى ضوء الوضع الدولي بشكل عام والوضع العربي بشكل خاص جاء ....وعد بلفور باللغة الانجليزية في عدد من البنود أشدها عنصرية وزيف للتاريخ حيث اعتبر الأقلية اليهودية شعبا ... له قومية ومن الضروري إن يكون له وطن ودولة في فلسطين كحق قومي وجرد الفلسطينيون من حقهم  القومي بالأرض واعتبرهم أقليات وطوائف دينية (وان فلسطين بلد لا يسكنها شعب بل طوائف) ضاربة بعرض الحائط التعريف العلمي للقومية كما جاء على لسان الباحثين والعلماء والمفكرين حيث تم ضع عناصر وسمات القومية عبر التاريخ على النحو التالي:

• وحدة الأرض أي البقعة الجغرافية ذات الحدود الطبيعية الحدود السياسية
• وحدة العادات والتقاليد والثقافة والتراث
• وحدة اللغة المتداولة بين المواطنين
• وحدة التكوين النفسي الاجتماعي
• أما وحدة الدين فقد شكلت عنصرا مختلف عليه بين المفكرين لان هذا العامل يتعارض ومبادئ حقوق الإنسان ويعتبر عنصريا وشكا من أشكالها، لأنها وضعت من قبل مجموعة عنصرية لخدمة للمشروع الصهيوني.

إن المتتبع لليهود وتواجدهم في العالم ليس بحاجة إلى برهان أو دليل، ويقوم القرار البريطاني على العنصرية والاضطهاد والعدوان من اجل خدمة مصالح بريطانيا وأهدافها  بالمنطقة. لذلك جاء وعد بلفور في اخطر المراحل التي يمر بها العالمين العربي والإسلامي وكما يقول المثل العربي الشعبي ( جاءت الحزينة تفرح ما لقيت لها مطرح )، فمن مرحلة رجل أوروبا المريض حيث الاضطهاد والفقر والجوع والتخلف إلى ظلم واحتلال واضطهاد  للأرض والإنسان على حد سواء بالإضافة إلى التقسيم ضمن مخططات وحدود سياسية رسمت بأقلام الحلفاء على طاولة غنائم الحرب فكانت الاتفاقيات (سان ريمو  وسايكس بيكو ) وكانت الإطماع على ضوء الثورة العلمية ومتطلبات الطرق البحرية والمواد الخام والذهب الأسود.

في أعقاب ذلك كله، شهدت المنطقة العديد من الثورات على طريق التحرر والاستقلال. وكان حال الشعب الفلسطيني من حال الأمة العربية مضافا إليه الاستعمار الكولنيالي الاستيطاني والتطهير العرقي بشتى الأساليب القمعية والاضطهاد ضمن تشكيلة اجتماعية مميزة وتزاوج بين الإقطاع والبرجوازية على ضوء التطور الصناعي التجاري. وشهدت فلسطين أبشع إشكال الاستعمار من خلال التأمر والتعاون بين المحتل البريطاني والعصابات الصهيونية في قمع الثورات والتحركات النضالية التي شاهدتها المنطقة.

لقد عملت قيادة الحركة الصهيونية على بناء الفكر الصهيوني منذ تأسيسها بعد دراسة كافة التجارب في العالم  حيث جرى تطويرها بشكل يخدم مصالحهم فقد استفادوا من ألمانيا النازية ضمن البكاء على مذابح العرق والجنس والدين ومعاداة السامية علما بان الفكر النازي كان أهم المصادر التي اعتمدوها. وللتذكير فإن مجرد مقارنة بسيطة:

1-  الايدولوجية العنصرية حسب الديانة اليهودية التي تقول بان الله خلق الناس لخدمة الشعب المختار وهو أيضا فكر استعماري عدواني يعتمد على إلغاء الأخر.

2- الإستراتيجية العسكرية ومدرسة العقيدة العسكرية اعتمدت في كافة حروب اليهود على الإستراتيجية الهتلرية من حيث الضربة الاستباقية، تفوق المجال الحيوي وخوض الحرب على ارض الخصم للحفاظ على تماسك الجبهة الداخليةوتوظيف الطابور الخامس ، وبث سياسة الرعب وسياسة فرق تسد.

3- السياسة الاقتصادية في السيطرة على المصارف والتنافس الصناعي والتجاري والهيمنة على السوق وانتشارها في العديد من الدول والسيطرة على الثروة الزراعية والحيوانية وبالضرورة السيطرة على المصادر المائية، فقد صرح بن غوريون في عام (1955) " إن اليهود يخوضون حرب ومعارك مياه مع العرب وعلى ضوء نتائجها يتوقف مصير إسرائيل" . وكان من أهم أهداف حرب (1967) السيطرة على مصادر المياه لنهر الأردن وبحيرة الحولة وجبال الشيخ والوصول إلى الليطاني والتوسع في احتلال ما تبقى من ارض فلسطين إلى نهر الأردن.

4- أعتماد "الخدعة" كجزء من العقيدة والتكوين النفسي الاجتماعي والثقافي وذلك في التعاطي مع موضوع  مذابح النازية والضحية التي تتباكى على الظلم والاضطهاد الذي وقع على اليهود بأوروبا والعالم العربي (عقدة المظلوم) والتي نتج عنها مفهوم (معاداة السامية) .. وكما هو معروف .. فبين الضحية والجلاد يولد آلاف الجلادين، ونشر ثقافة "الخوف" كعقدة " زرعها القادة بين اليهود حيث قال بن غوريون ( اليهود نقطة تعيش في محيط من الكراهية"العرب" ). ولا بد لي من التعريج عن بعض القيم والمفاهيم التي يدرسونها وألأمثال الشعبية ( لا تؤمن عربيا ولو كان مدفونا قبل أربعون عاما ) و (العربي الكويس العربي الميت)  و (العربي له ذنب)  حتى أنهم يمارسون التميز بين الشرقيين والغربيين ناهيكم عن الشعارات التي تدعوا إلى قتل العرب وطردهم.

أدخلت الحرب العالمية الثانية المجتمعات في حقبة جديدة  تتمثل بالانتقال من عهد الإقطاع إلى البرجوازية التي تطورت إلى الرأسمالية بسبب الانجازات العلمية والتكنولوجية. وقد انقسم العالم إلى معسكرين  معسكر الرأسمالية ضمن إيديولوجية غيبية واقتصاد حر ومنافسات ومضاربات والمعسكر الاشتراكي ضمن إقتصاد تعاوني علمي يرتكز على المفاهيم العلمية والعلاقات الدولية التي تقوم على الاحترام المتبادل. شهد العالم إثرها بزوغ قطبين رأسمالي وإشتراكي إحتدم الصراع بينهما بشتى الأشكال والوسائل وإستمر قليلا ما بعد وفاة الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين، حيث جرى الانتقال إلى سياسة التعايش السلمي ضمن منظومة دولية تكفل للشعوب حق تقرير المصير وحل الخلافات والنزاعات بالطرق السلمية (رغم وجود اختلاف في وجهتي النظر ) لان الامبريالية حالة عدوانية لا تتعايش والسلم والأمن الدوليين لعدة أسباب:

1- الفكر الامبريالي الذي يعتمد بالأساس على الاستعمار والهيمنة على السوق والمواد الخام والاحتكار
2- استغلال العلوم والانجاز العلمي في التصنيع الحربي للحفاظ على السلطة
3- الامبريالية فكر عنصري يعتمد على التمييز العرقي والديني
4- فكر يمتاز بالاستغلال من خلال نظرياته الميكيافلية ( الغاية تبرر الوسيلة) 

عاش المعسكريان ضمن سياسة الحرب الباردة والحرب الاقتصادية من خلال التفوق العلمي والتكنولوجي واستمر الصراع على مناطق النفوذ بالاستعمار الجديد عبر الاستعمار الاقتصادي لإبقاء حالة النهب والسلب للخيرات المادية والسيطرة على السوق ، وأضحى العالم العربي بين مطرقة القوى الامبريالية وسنديان التخلف والقبلية والعشائرية في تركيبة اجتماعية ، وحصل تزاوج بين البرجوازية والإقطاع.

شهدت مصر على وجه الخصوص ثورة الضباط الأحرار كمزيج من الفكر الديني والقومية والاشتراكية الأوروبية وكانت ضد الاستعمار والملكية في أن واحد . لم يعد خافيا على احد السياسة الانجليزية تحت (شعار فرق تسد) التي سعت الى تعزيز القبلية والطائفية والعشائرية والانقسامات وزرع الفتن والحقد في مجتمعات وتجمعات طائفية كما سمتها  تحت مسمى الحرص على الدين ومحاربة الشيوعية. فقد جرى إنشاء حلف بغداد في (24/2/1955) حيث جمع الحلف (المملكة المتحدة ,العراق, تركيا, إيران ,باكستان) علما بأنها فكرة الولايات المتحدة حيث أطلقت عليها(المعاهدة المركزية) . وللامانة التاريخية ينبغي هنا الاشادة بدور مصر الريادي في تلك المرحلة، حيث فشل الزعيم العراقي نوري السعيد في إقناع مصر للمشاركة بالحلف (لأنها تعتبر إسرائيل هي الخطر الحقيقي والرئيسي على المنطقة)، وكان العدوان الثلاثي على مصر بعد إعلانها تأميم قناة السويس واجتاحت ارتال الدبابات الاسرائيلة سيناء والإنزال الجوي البريطاني الفرنسي على بور سعيد وبناءا على موقف الاتحاد السوفيتي المميز والمقاومة الباسلة توقف العدوان (29/10/1956) وأعلنت الهدنة  بحيث:

- تنسحب القوات الغازية من كافة الأراضي التي احتلتها
-  تدخل قوات الطوارئ الدولية 
- تنسحب القوات الإسرائيلية من سيناء
- توفير ضمانات حرية الملاحة ودخول السفن الإسرائيلية خليج العقبة ومضيق نيران.

وبطبيعة الحال، لم يتوقف العدوان بل كل يؤجل ويتريث ويدرس الواقع ويبادر من جديد لتنفيذ المشروع بعد فشل العدوان الثلاثي، حيث شهدت المنطقة نهوضا وطنيا وقوميا ومد ثوري في محاربة المستعمر المطالبة بالاستقلال كسمة عالمية جسدتها الانتصارات والتجارب الثورية وشكلت الحالة المصرية بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر رافعة قومية لدعم القضايا العربية والفلسطينية واهم مظاهرها تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية واعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة مناطق تواجده بمباركة وتأييد بموجب قرارات الجامعة العربية وعقد المؤتمر الأول بالقدس بقيادة الزعيم الوطني احمد الشقيري سنة (1964 )واعتبر كمنظمة شبه عسكرية هدفها تحرير كامل التراب الفلسطيني.

 وفي صبيحة من عام (1966)اجتاح رتلين من الدبابات الصهاينة خطوط الهدنة بغطاء جوي وبالقصف والتدمير حيث توجه الرتل الأول إلى بلدة السموع والثاني إلى بلدة يطآ على ضوء عملية فدائية بهدف تدمير قواعد الفدائيين علما بان خطوط الهدنة والتماس تحت رقابة القوات الدولية وتجلت النزعة العدوانية والهيمنة كسمة من السمات المتأصلة لدى الطغمة العسكرية الحاكمة الساعية الى الحرب والاحتلال والاستيلاء على أراضي الغير.

في (5حزيران من عام 1967) شنت الاحتلال الاسرائيلي عدوانا جديد اشمل ثلاثة دول عربية مصر سوريا الأردن تمخض عنه احتلال غزة وسيناء إلى الضفة الغربية من قناة السويس كما احتلت هضبة الجولان والاستيلاء على جبل الشيخ وبحيرة طبريا واحتل كامل التراب الفلسطيني الى نهر الأردن. وضمن سياسة التهجير المعهودة نزح ما بين (300- 400) إلف فلسطيني ومن مخيم إلى مخيم التقى الشباب الفلسطيني بين نازح ولاجئ ومن الجدير بالذكر إن سياسة الاحتلال تقوم على ثلاثة محاور:

1- السيطرة على الأرض :- وبموجبها يحتل الجيش كامل الجغرافيا الفلسطينية والمدارة بموجب قانون الطوارئ حيث قسمت إلى دائرتين سموها يهودا والسامرة وغزة منفصلة وربط القرى بالمدن الرئيسة والتي تتبع لها إداريا بواسطة الحاكم العسكري للمنطقة وبعده تم تشكيل الإدارة المدنية والتي تخضع لقادة الجيش  ( قيادة المنطقة الشمالية والوسطى والجنوبية) وبالتالي السيطرة على الأرض والإنسان والمياه بيد الجيش وكل مؤسسة مثل التعليم يشرف عليها ضابط من الجيش. ولا بد من التعريج على ملكية الأرضي  كأملاك خزينة الدولة وأملاك وقفية للطوائف وأملاك مسجلة ومعلومة الملكية والمساحة التي شملتها أعمال التسوية في السابق وأراضي لها سجلات في قيود المالية ومعرفة بمجهولة الحدود ومجهولة الملكية ودائرة أملاك الغائبين ويشرف عليها ضابط ( المخططات والمساحة والتنظيم من المعلوم إن البلديات والمجالس المحلية والقروية تقدم للدوائر المختصة مخططات هيكلية بهدف التطوير والتوسع على ضوء دراسة للنمو السكاني توافق عليها لجان التنظيم ) ومن الجدير بالذكر أنها خاضعة للضباط وقراراتهم التعسفية فعلى سبيل المثال فان المخطط الهيكلي لقرية بيتين محافظة رام الله قبل حرب 1967 اكبر وأوسع من مخططها الحالي بالإضافة إلى الأراضي التي صودرت لدوافع ودواعي أمنية ناهيكم عن السلب والنهب والاستيطان والتزوير والبيع ألقصري . حتى عام 1993 وسوف أسلط الضوء على مرحلة ما بعد أوسلو فذكر مركز الأبحاث الفلسطينيي إن حجم الاستيطان توسع وتضاعف إلى أربع مرات خلال خمسة وعشرون عاما حيت كان عدد المستوطنات  قبل تلك المرحلة (144) مستوطنة وبؤرة استيطانية وارتفع إلى(515) حتى عام 2017 وارتفع عد المستوطنين من (252000 الى  834000) ومساحة الأرض من (136000 الى  500000) دونما ملتهمة 80% من أراضي الضفة الغربية كما إن جدار الفصل العنصري التهم 50% من مساحة الأراضي بالاضافة الى الطرق الالتفافية التي يبلغ طولها (770) كم بتكلفة مالية بلغت 3,6 مليار دولارا بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وقامت الدعاية الصهيونيةب تسويق مبررالطرق الالتفافية كعمل تطويري لسهولة الوصول إلى المناطق، بينما في حقيقة الأمر فإن الهدف من هذه الطرق:

أ‌-  ربط المستوطنات والتجمعات الاستيطانية بالمراكز الإقليمية وتسهيل حركتهم والحفاظ على أمنهم
ب‌- عزل التجمعات السكانية المدن والقرى على شكل كانتونات وقطع الاتصالات
ت‌- السيطرة على التجمعات منعها من المشاركة بالتحركات الوطنية والسيطرة عليها
ث‌- وضع البوابات والنقاط الأمنية لفرض منع التجوال وسهولة المداهمات حيث أنهم نشروا 839 نقطة
ج‌- أما الهدف الأكبر والأكثر خطورة القرارات الخاصة بالشوارع حيث يمنع البناء السكني أو الصناعي والزراعي بمسافة مئة وخمسين مترا من كل جانب (بذلك تكون ما مساحته 770كم من الشوارع الالتفافية 770000 مضروبة في 300= 231000 دونم  فارغة من الحياة. وسوف أقدم مثال لبعض القرى الفلسطينية التي جردتها الطرق الالتفافية أكثر من 80% من أراضيها ، فإجدى القرى - على سبيل المثال لا الحصر - أصبح المشروع والمخطط الهيكلي للقرية اصغر من مساحة مخططها الهيكلي لعام 1967.  وليس خافيا على احد ما هو المشروع الهيكلي (المشروع الهيكلي هي المساحة التي تضم لمسطح القرية على ضوء النمو السكاني لإيجاد البنية التحتية التي تخدم السكان من مدارس ومستشفيات وأسواق ومرافق عامة وطرق والى أخره) وكما ورد من معلومات من المركز الفلسطيني للإعلام إن اتفاقية أوسلو قسمت الأراضي الفلسطينية إلى ثلاث أقسام:-- إن مساحة الضفة تعادل (5646)كم   المنطقة (ا) وهي امنيا وإداريا تخضع للسلطة الفلسطينية ومساحتها (159,4)كم وبعد اتفاقية وأي ريفر ارتفعت إلى(545,9)كم وأصبحت المساحة الكلية تعادل(9,67%) ، المنطقة (ب)وتخضع إداريا للسلطة الفلسطينية وامنيا للجيش الإسرائيلي ومساحتها(1339,8) . كم حوالي(%23,7) وبعد تنفيذ بنود وأي ريفر ونقل القسم المتفق عليه للمنطقة (ا) تصبح مساحتها(1036,9)كم حيث تقلص مساحتها إلى(18,8%) بعد إن تم نقل(6,8%) إلى (ا). المنطقة(ج) وتخضع امنيا وإداريا للجيش إسرائيلي وتبلغ مساحتها(4146,)كم وتعادل (73,4) وعندما تنفيذ الشق الأول من الواي ريفر تصبح (4036,1)كم وتصبح المنطقة (ج) (71,44%).

2- السيطرة على المياه :- تعد المياه من أهم عناصر الحياة على الكرة الأرضية، وكان المحتل والغاصب يعتبر الصراع على المياه مع العالم العربي صراع وجود كالأرض تماما.  وقد صرح بن غويون (بان الصراع القادم مع العرب صراع مياه ). ومن الجدير بالذكر بان(68%)من المياه المستهلكة سنويا في الأراضي التي احتلتها عام 1948جاءت من خارج الحدود فان(38%) مصدرها لبنان والجولان و(20%) من الضفة الغربية و(10%) من قطاع غزة،  مع العلم بان تاريخ الصراع على المياه من تاريخ المشروع الصهيوني وعلم الدولة أساسه النهرين. وقد ركز قادة المشروع على ضرورة ضم الأنهار والموارد المائية في خريطة الوطن القومي،  ففي مؤتمر بال صرح هرتسل بان الحدود الشمالية للوطن ستكون نهر الليطاني. كما إن القادة الصهاينة في مؤتمر الحركة عام (1903) اقنعوا البريطانيين في إيجاد قناة تنحرف من نهر النيل إلى صحراء سيناء وتصل إلى النقب، وفي عام(1919)وإثناء انعقاد المؤتمر الصهيوني العالمي في بازل جرى تمرير فكرة السيطرة على منابع نهر الأردن من خلال إدخال نهر الليطاني وسفوح جبل الشيخ وضمها إلى الحدود السياسية واعتبارها جزء من فلسطين، ولكن معارضة فرنسا كدولة مستعمرة لكل من لبنان وسوريا حال دون تنفيذ المشروع مع العلم انه خلال فترة الانتداب البريطاني عام (1928) اعتمد على مياه نهر الأردن ونهر اليرموك لتوليد الطاقة الكهربائية عبر الحصول على امتياز لمصلحة شركة روتنبرغ على مدى 70 عاما.  وفي عام (1944) اعاد بن غوريون المطالبة بضم الليطاني وفي نفس العام قدم مشروع (لادورميلل)الذي اقترح الاستيلاء على مياه نهر الأردن وكذلك مشروع  (ابوفيدس ويعد احد المشاريع المؤسسة للمشروع المائي الإسرائيلي  ) كما لا يفوتنا خطة جونستون في عام (1953) الأمريكية التي تقضي بتوزيع مياه نهر الأردن (63,8%) للأردن و (32,4%) لدولة الاحتلال (3,4%)لسوريا ونجحت خطة السنوات السبعة بتحقيق زيادة بمعدل (54,5%) وذلك من خلال إقامة السدود والمضخات المائية ومددت الخطة إلى عشرة سنوات من اجل إحياء النقب وتحويل مياه نهر الأردن وبحيرة طبريا ولكن على ضوء الدعوة إلى قمة عربية   حيث قدم الرئيس جمال عبد الناصر مشروعا بتحويل الروافد التي تصب في بحيرة طبريا،  لكن حرب عام  1967  حالت دون إكتمال المشروع  حيث احتلت الأراضي العربية وتحقق الحلم الصهيوني بالسيطرة على مصادر المياه ووضع القيود والقوانين العسكرية في التعامل مع الآبار والمخزون المائي وتحديد الضخ والسحب من الآبار الارتوازية الحاكمية العسكرية في كافة المناطق المحتلة.

3- السيطرة على الانسان وبصورة أدق المواطن الفلسطيني في عملية الصراع الدائرة بين المواطن الفلسطيني وبين الغاصب والمحتل لكم الحق إن تسموه ما شئتم ولكنني اسميه صراع وجود وليس صراع حدود لان المشروع الصهيوني بالأساس مشروع إقصائي الغائي مقوماته بالأساس إلغاء الهوية والإنسان لان الحياة البشرية على الأرض لها مكونات وخصائص لا بد من توفرها وإذا انعدمت الشروط تستحيل الحياة ليس في ظل غياب عنصر أو أكثر وهي :-- الأمن الاجتماعي والأمن الغذائي والأمن الصحي والأمن الثقافي والحضاري.

للاطلاع على الجزء الأول: صفقة القرن تاريخيا

يتبع الجزء الثالث...

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير