خالد بطراوي يكتب لوطن: سجين زندا

16.09.2019 09:44 AM

عام 1894 كتب البريطاني أنتوني هوب روايته الشهيرة " سجين زندا" وهي رواية خيالية استحدث فيها مملكة أسماها روريتانيا.

تقول الرواية إنه في حفل تتويج رودلف ملكا لروريتانيا تم تخديره من قبل شقيقه مايكل كي يتوج هو ملكا.

ويجري الزج برودلف في سجن داخل قلعة في قرية "زندا"، لكن ولدهشة الحضور ظهر أثناء التتويج شخص إنجليزي المنشأ يشبه الى حد كبير رودلف " الأصلي وليس الصيني" ليتوج ملكا ويقع في حب خطيبة رودلف الأصلي، لكنه يبقى شهما وفيا للملك المعتقل وينجح في تحريره وتنصيبه ملكا.

وبطبع الحال فإن الرواية التي ما زالت خالدة الى يومنا هذا قد جرى تحويلها الى أفلام ومسلسلات بإبداعات فنية مختلفة من هذا الكم من المخرجين والممثلين والطواقم المساندة. 

الذي يذكرني بذلك كله هو فكرة "سجين زندا" في سجن داخل قلعة في قرية صغيرة نائية، مع ما رافق ذلك كله من تفاصيل صغيرة تتعلق بالسجين لدرجة أن " سجن زندا " أصبح في موروثنا الثقافي رمزا للتقوقع القسري المفروض على الانسان، وكم هي تلك السجون المشابهة التي قبع داخلها كم هائل من المعتقلين في بقاع العالم.

أوتدروا ... أيها الأحبة .. ان "سجن زندا" موجود لدى معظمنا .. موجود في دواخلنا .. جزء منه إفراز ونتيجة لمنظومة دينية أو مجتمعية أو غيرهما، ونزيد نحن من جانبنا على ذلك بالتقوقع وإحكام هذه المنظومات على أنفسنا ونغيب معها إعمال الفكر بل والى حد ما إنسانية إنسانيتنا إحتراما للمنظومات وكي لا يقال عنا "مجانين" أو " مرضى نفسيين" أو في أحسن الأحوال " نغرد خارج السرب" أو نسبح " عكس التيار".

منظومتنا الدينية يتعامل معها البعض بجمود ويلجأون الى بعض الافكار الدينية الشائعة الخاطئة التي تتعلق بشكل أساسي بالشعوذة وإستغلال إيمان بسطاء الناس للتكسب المالي على حساب معاناة الانسان النفسية بشكل أساسي، فكم من إنسان على وجه هذه البسيطة قضى جراء شعوذات مدّعين القدرة الدينية على علاج الناس من مختلف الأديان. وكم هو عدد مدّعي الوعظ والارشاد الذين جلّ هدفهم تغييب الفكر والعقل لدى الانسان بهدف واحد وحيد ألا وهو إحكام السيطرة على مقاليد الحكم والإقتصاد، ولا يسعون الى نشر ثقافة التنوير والتغيير.

ويساهم في توطيد هذا التوجه المنظومة الإجتماعية من العادات والتقاليد التي تضغط الانسان وتحشره في زجاجة وتقيد ما أمكن قدراته وإبداعاته، وتدخله في دوامة الصراع مع الذات، الصراع ما بين فكره وأحساسيه من ناحية وبين السائد في المجتمع.

ثم يأتي هنا دور الفرد نفسه، في بناء الشرنقة الاضافية حول ذاته، فيفرض حظر تجوال على فضاءه ومساحته وذائقته الفكرية والجمالية وإنسانيته، ويتحول الى "خط إنتاج" يذهب صباحا الى عمله - إن وجد عملا أصلا – ويعود منهكا، فلا يفكر حتى في سماع أغنية أو قراءة رواية أو رسم لوحة أو حتى المشي ليلا مع عائلته، ويتحلق حول التلفاز أو وسائل التواصل الاجتماعي ليتابع " نميمة البلد".

نحن جميعا وبدرجات مختلفة، نسجن في داخلنا ... دواخلنا. سيستمر هذا الحال والى مرحلة أسوأ وأسوأ ما لم ينتفض الجيل الجديد .. إنتفاضة تشكل إنقلابا جذريا تخرجهم من الدوامة ومنظومة الشرنقات وفق مبادىء فلسفية حياتية تستند أولا على نفي النفي بمعنى أخذ الجيد من القديم ونفي السيء وأيضا على معادلة تحويل الزخم الكمي الى نوعي تراكمي وفهم معادلة وحدة وصراع الأضداد.

سجين زندا يلاحقنا ... يمسك بعصاه ليضربنا .. يصفعنا .. بحقيقة واحدة تقول....  ليمزق كل منا شرنقته وينطلق في فضاءه الخاص وإنسانيته ومساحته وذائقته.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير