الخطاب الديني .. من التبديد إلى التجديد

20.09.2019 09:03 AM

كتبت: أسماء سلامة

لطالما شكل الدين الأساس في المرجعية لكافة الأمور التي تمس مختلف جوانب الحياة ، فلا يكاد يترك أمر أو قضية دون تناولها من الناحية الدينية .. تأييداً أو رفضاً ، وفي المسائل الخلافية نجد الفتاوى التي تصدر عن المرجعيات الدينية في الدول العربية وتحديداً  دور الإفتاء   في السعودية ومصر والأردن وباقي الدول العربية  .. لتكون لها الكلمة الفصل عند عامة المسلمين .

ولكن منذ سنوات لم تعد هذه الجهات هي المرجعيات الدينية الوحيدة التي تصدر الفتاوى وتتوجه بالخطاب الديني للناس .. وذلك طبعا مع نشاط وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير .. فأصبحنا نرى ونقرأ كل يوم العديد من الفتاوى ، منها المتعصب المتطرف ومنها الغريب الذي يرفضه المنطق ، ويتم توجيهها لكافة الناس على اختلاف مستوياتهم الثقافية واختلاف بيئاتهم ، وفئاتهم العمرية .. الأمر الذي يثير البلبلة في بعض الأحيان .. ويصيب البعض بالصدمة . وبالمحصلة فإن النتائج لا تكون مضبوطة ولا مدروسة .. فوضى عارمة وتشتت واضطراب يقع فيه الناس بين مؤيد ومعارض ، بين مقتنع ومشكك .

لا أتحدث من منطلق المتخصص بل من منطلق الإنسان المتلقي لهذه الفتاوى .. أتوقف عندها محاولة فهم مضمونها ومدى أهميتها لحياتنا ، ومدى تأثيرها على مجتمعنا والفائدة التي ستعود منها على صورة الإسلام بشكل عام .

لا شك في أننا نعيش في تيه فكري بسبب ما يردنا من أفكار خارجية .. لا نستطيع أن نمنع وصولها إلينا وإلى أبنائنا .. ولم نجد للآن من يطوعها ويعيد طرحها بالشكل المقبول دينياً لنا .. فنقف عاجزين عن التصرف معها بشكل سليم . ونتوه بين من يرفض التجديد في الخطاب الديني واستيعاب كل ما هو حديث ومستحدث وبين من ينادي بالتجديد المطلق الذي يصل إلى حد الثورة ، وبين الوسط الضعيف غير الممنهج ، الذي يفتقد للوضوح في الطرح ، والضعف في الحضور والتأثير .

الدين الإسلامي هو دين كافة العصور والأزمان ، وشامل لكافة  جوانب الحياة ، وهو دين يسر ،  ولكن الخطاب الإسلامي بوضعه الحالي لم يرتق إلى المستوى المطلوب في قدرته على التكيف مع حداثة الحياة ، ومواجهة التحديات التي تسبب فيها الفكر المتعصب الذي جعل العالم ينظر للإسلام كدين إرهاب وتطرف ، وهو في حقيقته دين السلام والاعتدال والوسطية . لم يرتق الخطاب الديني الحديث حتى الآن إلى مستوى التحديات التي يواجهها المسلمون في العالم ، هناك غياب لفلسفة واضحة وإستراتيجية محددة وأهداف معينة يسعى لتحقيقها . لا بد من التركيز على التجديد في الجانب المرن من الدين والذي يتفق مع كونه  دين يسر وصالح لكل زمان ومكان ، مع الحفاظ على الثوابت التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان .

ما نراه حالياً من أمور في طبيعة الخطاب الموجه عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي فإنه يزيد من تشويه الصورة المغلوطة عن الدين التي أفرزتها بعض التيارات الفكرية المتعصبة .

أن يخرج أحد رجال الدين ليفتي بجواز سبي النساء ومعاشرتهن ، ويأتي آخر ليفتي بجواز معاشرة الزوج لزوجته  بعد وفاتها ، وآخر يبدع في فتواه في موضوع ( الشطّاف ) ، ومن يجيز للرجل إذا جاع بشكل مفرط أن يأكل جزءاً من زوجته . ويأتي خطيب في صلاة الجمعة لينادي بعدم تعليم المرأة وتجنب تعليمها خاصة في التخصصات ( المكلفة مادياً ) كالطب والصيدلة ، ومن حرم السكن على كوكب المريخ ،  ولا أنسى ما حصل في شهر رمضان الماضي من بلبلة  وفوضى في موضوع  ثبات رؤية  الهلال والإفطار، وتضارب الفتاوى بحيث أصبح  ( العيد عيدين ) .

هل فعلاً لم يبق غير هذه الأمور هي المؤرقة لنا ، والتي لا تستقيم الحياة إلا بها ؟ هل هذا ما نحن بحاجة إليه في مجتمعاتنا الإسلامية ؟  هل هي فتاوى  تستند فعلاً  إلى أصول في الدين أم أنها مجرد قنابل إعلامية لإثارة الرأي والجدل وشهرة أصحابها ؟

مهما كانت دوافع أصحابها عند خروجهم للإعلام وعبر وسائل التواصل الاجتماعي  بفتاواهم فإن هذه الفتاوى تؤثر في واقع حياتنا ، وتثير التساؤلات في مجتمعاتنا عن مدي جديتها وصحتها ومدى مخاطبتها للعقل ولواقع الحياة الحديثة بكل تداخلاتها ومتطلباتها . وتثير في الوقت نفسه التساؤلات في المجتمعات الأخرى عن جوهر الإسلام الحقيقي ومدى استيعابه للحياة العصرية والثقافات الأخرى .

أعتقد أن الخطاب الديني في الفترة الماضية وحتى الآن قد فشل في حماية المجتمع الإسلامي من فكر التطرف والعنف ، والانتصار على الجهل وأمور الشعوذة والخزعبلات ،  كما أنه فشل في تقديم صورة إيجابية عن الإسلام ، وبالتالي لا بد من التوجه لرجال الدين والدعاة بضرورة تجديد فهمهم لتعاليم الدين وتقويم المنهج المتبع في الخطاب الديني ، بالطريقة التي تضمن مواكبة العصر والحداثة دون المساس بالثوابت الدينية ، بأسلوب مرن وقريب من القلوب ويحاكي العقل والمنطق .

جانب آخر في طبيعة الخطاب الديني الذي يثير القلق ، ويساهم في إرباكنا كمجتمعات إسلامية ، هو الخطاب الديني السياسي ، الذي يتغير بتغير السياسة السائدة ، مواقف لرجال الدين والمشايخ تتأثر بطبيعة الأوضاع السياسية في المجتمع ، من كان مؤيداً لنظام ، أصبح من أشد المنتقدين له بعد زواله ، بالتالي تفقد هذه الشخصيات مصداقيتها لدى شعوبها . مواقف رجال الدين يجب أن لا تتغير لأن من المفترض أنهم لا يخافون في الله لومة لائم ، لا يشترون ولا يباعون ، مواقفهم تنبع من قلوب  مؤمنة لا تخاف البشر ، وعقول تستند إلى أعظم قوانين الصواب والخطأ ( قوانين إلهية ) ، فينبغي لرجال الدين أن تكون مواقفهم السياسية ثابتة مهما تغيرت الأنظمة والأزمان وموازين القوى ( إن جاز التعبير ) . لا يجب الابتعاد عن السياسة لأن الدين شامل لكافة جوانب الحياة ولكن لا يجب تسييس الدين واستخدامه أداة لتحقيق أهداف سياسية وضمان تأييد الشعوب لأنظمتها عبر الخطاب الديني المسيس .

اعتقد أنه آن الأوان للتجديد في الخطاب الديني ، وأن يستغل الإعلام بكافة وسائله في بث ونشر هذا الخطاب .. فالإعلام لم يعد لنقل الأحداث أو التعبير عن الرأي فيما يحدث فقط ، بل أصبح له دور تربوي قيادي . لم يعد يعبر فقط عن خياراتنا بل أصبح يقودنا لتك الخيارات ويحرضنا عليها ، ولم يعد يعكس آراءنا فقط بل يكوّنها ، ولا يعبر عن قناعاتنا بل يشارك في صنعها . فلماذا لا يكون هو وسيلة الخطاب الديني الناجحة في بث روح الإسلام الحقيقي وتعاليمه السمحة بطريقة صحيحة .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير