الشيخ نضال زلوم ، من سجين الى محطة تخصيب للوعي والثورة

22.09.2019 01:31 PM

كتب: وليد الهودلي

( الشيخ نضال زلوم من مختطفي صفقة وفاء الاحرار ، محكوم عدة مؤبدات ، أمضى قبل الاختطاف 23 سنة )

أسيرنا نضال ناضل بكل أشكال النضال ، لنرى اليوم أين وصلت به أنواع وأشكال النضال التي نذر حياته لها بكل براعة اختراع وروعة انجاز وابداع.

بدأ نضال مع بداية انتفاضة الحجارة على طريقة :اضرب هذا الاحتلال بحجر ، ذاق حلاوة رمي جند الظلم والطغيان بحجر فيرسم الرعب كل ألوانه على وجوههم ، رأى هذه الوجوه الكالحة العابسة عندما يحولها الحجر الى وجوه هالعة مرعوبة يكاد الجبن أن يقفز من وجنتيها ، وكان لنضال طريقته الخاصة يلقي بحجره الخارق خلسة ولا يهرب بل يتظاهر بأنه الولد المؤدب الوديع الهادىء فيوحي للناظر اليه بأنه أبعد ما يكون أنه صاحب اليد الشرسة التي ألقت بأسها الشديد قبل لحظات ، يمرون عليه دون أن يأبهوا به ، وكان لنضال وجبات دسمة يومية من حجارته التي كانها من سجيل ببأسها ودقة إصابتها.

وناضل نضال نضال الكلمة المحرّضة المستفزّة المشعلة لروح الثورة في صدور سامعيها ، جاب المنابر والمساجد بخطاب ثوري ملتهب ، فهو خريج اللغة العربية الفصيحة عشقا وحبا وتفانيا في علوّ بلاغتها وعظمة فصاحتها ، ارتقى فيها مرتقى عاليا عند تخرجه من جامعة بير زيت والتقى النهران الرافيدين لقلب نضال ، نهر اللغة ونهر الدين حيث بيته العامر بأب أزهري صاحب موقف ودعوة حرّة وروح عالية ، جمع نضال بين بلاغة اللغة وقوة الروح الدينية الخالصة فكان خطابه معجونا بالفكرة القوية والمشاعر العميقة ، واستطاع أن يعبّر عنها بلسان فصيح يقف أمام قلب عاشق لله والحرية وفلسطين.

ولم يكتف نضال بنضال الكلمة وفصل الخطاب بل راح يترجم ما يقول فبعد ليلة قدر أحياها هذا القلب المولع بحب الاقصى والقدس وفلسطين ، صال وجال في تلك الليلة مستنفذا كل قاموسه الذي جمع بين الدين والثورة ، وضع كل نقاطه القوية على حروف الوطن الجميلة وشعر ان الاقصى بما صلى به رسول الله والانبياء وبكل ما يحمل من عظمة وقداسة قد توحد في قلبه ، توحد نبض قلبه مع نبض الاقصى ، هدأت ليلة القدر وعرجت الى السموات ، هدأ المعتكفون وذهب كل الى مضجعه ليأخذ قسطا من الراحة ، ولكن نضال واصل طريق الثورة والنار لم يهدأ قلبه ولم تصمت كلماته بل راحت للترجمة بطريقة تأخذ براعة اختراع نضال ، كان لا بد من غضبة من نوع جديد في مسيرة الانتفاصة والنضال . ذهب جيش الاحتلال لمرحلة تكسير عظام المنتفضين فكان لا بد من تطوير الردّ.

نام المعتكفون بينما تحرك نضال لساحة النضال الخاصة به ، طفق بسكينه مسحا بالسوق والاعناق ، تلك التي بغت وتجبرت واحاطت الاقصى بكل صور الاجرام ، وكان لنضال شرف افتتاح ثورة السكاكين لتنقل الانتفاضة نقلة نوعية ولتجعل الاحتلال يعيد الحساب . وكان لاحدهم أن يطلق النار من بندقيته فأصاب من أصاب منهم وهو مرتعب مرتجف ، أصابتهم نيرانهم ونجى نضال سالما ليدخل السجن ويبدأ النضال بطريقة أخرى.

نضال في السجن : شكل مدرسة من نوع جديد ، عكف على نفسه تزكية وصقلا ومعرفة ، قراءة وعبادة وذكرا وارتقاء ، و بنى بنيانا تربويا عظيما ، كل من دخل غرفة نضال تخرج منها رجلا أخر ، نجح في البناء التربوي الثقافي المتكامل لبناء شخصية متوازنة مؤهلة ومدربة ، تمتلك قبل كل شيء قيمة الحرية وتعرف كيف تكون حرة تننزع حريتها من براثن سجان لئيم لا يعرف الا الغطرسة،  ثم ذهب الى مهارة القراءة ومهارة العبادة المتقنة ومهارة التواصل الخلوق الرائع مع الاخرين ، وأحسب هذه لا تتقنها مدارسنا ولا جامعاتنا اذ تركز على العلم والمعرفة ولا تتقن التربية وزراعة الحرية وصقل المهارة وبناء العادة الايجابية والخلق القويم ، نضال أتقنها في سجنه وبنى شخصياته بناءا متقنا متينا . تحول من سجين الى محطة تخصيب للوعي والثورة وصناعة الرجال الاحرار.

وناضل نضال في عالم الكتابة والتاليف وقرظ الشعر والحكمة وارتقى في الادب مرتقى عاليا وكذلك فانه صنع أدباء ، وكان له فضل كبير عليّ ( على سبيل المثال ) اذ مكث حوالي خمس سنوات وهو يشجعني ويحرضني على كتابة الادب وكذلك يحاول معي بمناقشات أدبية نحلل فيها روايات وقصص حتى وجدت نفسي في هذا الميدان ، لم يكتف بموعظة عابرة أو نصيحة يلقي بذرتها ويمشي ، بل بقي مثابرا حتى تمكن من زرع فسيلة في صدري أنبتت فيما بعد وأخالها أخصبت بفضل الله ثم فضل نضال .. وفعل ذلك مع كثيرين فقد نجح في تحويل زنزانته الى معقل لصناعة الاحرار.

أخيرا دخل نضال هذا الشكل الجديد من النضال ، أن يحرر جزءا منه رغم أنف السجان ، لم يكتف بما يصنع من رجال يتخرجون من عنده ليخرجوا ويصنعوا حرية شعبهم ، أراد نضال أن يحرر نطفة ويصنع حياة خارج السجن ، نجح في المرة الاولى ووهبه الله حياة جديدة تسير على الارض ، تتمثل أباها وتسير على خطاه ، انها ارادة الحياة التي أصبح أسرانا يتقنون فنّها بكل جدارة ، في المرة الثانية ألقوا القبض بقضهم وقضيضهم على نطفة ، قبل أن تجد رحمها وقل أن تتخلق وتتحول الى مضغة وقل أن تصبح عظاما وقبل أن تكسو العظام لحما وقبل ان تصبح جنينا وقبل نفخ الروح فيها وقبل ان تبلغ ساعة الميلاد وقبل أن تولد .. راينا اعتقال الاطفال دون سن العاشرة ورأينا من يولدن في السجن فيصبح الوليد سجينا ، أما أن نرى اعتقالا لنطفة بينها وبين أن تكون كائنا حيا مراحل كثيرة ؟ فهذا شيء عجاب.

يعتقل الاحتلال نطفة . ويعاقب من ستحمل بالنطفة سنتين زيارة لزوجها . ويعاقب الاطفال على ارادة الحياة عند أبيهم . ويستمر نضال في نضاله بكل أشكال النضال الممكنة ، الان هو في الزنازين يعاقب ولكنه يصنع حرية من قلب زنزانته.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير