عن النفايات الخطرة والعجول وأولويات الحكومة

12.10.2019 11:40 AM

كتب: محمد الرجوب

"إسرائيل تستخدم الضفة الغربية كمنطقة تضحية، ومكباً للنفايات الخطرة المُنتجة داخل إسرائيل، مما يهدد صحة الشعب الفلسطيني وسلامة بيئتيه وموارده الطبيعية".. هذه عبارة وردت حرفيا في تقرير صدر عن الأمم المتحدة الشهر الماضي.

وبينما تقول الحكومة انها تواصل برنامجها للانفكاك الاقتصادي عن دولة الاحتلال، يستمر الجدل في المقابل حول انعكاسات أي قرارات على الأسعار، والتخوفات من الاحتكار، هذا بالإضافة الى سيل من المواقف التي يتبناها أصحابها بعلم أو دون علم، على قاعدة أن الكلام بلا جمرك كما حصل في مسألة منع إستيراد العجول من إسرائيل.

هذه الكلمات ليست تشكيكا في برنامج الانفكاك الاقتصادي، ولا مديحا له، وانما للتساؤل حول أولويات الحكومة إن كانت ستبدأ بالتجارة الرسمية أم بالتهريب؟.

يفرض قانون البيئة الفلسطيني النافذ، عقوبة السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، كل من يستورد النفايات الخطرة إلى فلسطين، وفي الحقيقة أن هناك عشرات ممن يستوردون النفايات الخطرة وغير الخطرة في كل يوم، بعض هذه النفايات يتم دفنها في مكبات عشوائية وأخرى يتم حرقها عشوائيا في الأراضي الزراعية والجبال لاستخلاص المعادن منها وإعادتها نظيفة إلى إسرائيل.
وفي هذا الصدد، تقول رئيس سلطة جودة البيئة السيدة عدالة الأتيرة: "لدينا قائمة بأسماء أشخاص فلسطينيين يقومون بتهريب النفايات الإلكترونية والخطرة القادمة من إسرائيل إلى محافظات الضفة الفلسطينية". وتضيف في تصريح لراديو أجيال: "هذا التلوث الذي استشرى هو عمل منظم من الاحتلال وما تسمى الإدارة المدنية التابعة له، وتمكنا من تحديد هوية مستوطن يقوم بتوريد هذه النفايات".

وينسجم هذا التصريح الجريء مع ما جاء في تقرير الأمم المتحدة المشار إليه أعلاه: "إسرائيل تستخدم الضفة كمنطقة تضحية ومكبا للنفايات الخطرة".

على مدار قرن من الزمن، ظلّت الأرض جوهر الصراع مع الصهاينة، وإن تحويل الأرض إلى مكب للنفايات الخطرة يعني ترانسفير صامت لأصحابها، ومن هنا يجب أن تبدأ أولويات الحكومة.

ربما لا تعلم الحكومة أن مئات المنشآت التي تستورد النفايات من إسرائيل، تتمتع بخدمات الهيئات المحلية وعلى رأسها الكهرباء، في مخالفة صارخة لقانون البيئة الفلسطيني.

هل سيتحمل وزير الحكم المحلي، المهندس مجدي الصالح، مسؤولياته ويصدر تعليمات حازمة إلى الهيئات المحلية بوقف هذه المخالفة القانونية الصارخة؟، ليكون ذلك بداية النهاية لتحويل أراضينا لمكب للنفايات. مجدي الصالح
إذ كان صمود الإنسان الفلسطيني في أرضه، هو الضمانة للحفاظ على القضية، وإفشال المؤامرات الرامية لتصفيتها، فإنه لا يستحق كل هذه الأمراض التي تسببها النفايات الخطرة، كما يؤكد تقرير الأمم المتحدة. هذا فضلا عن استنزاف الاموال الفلسطينية العامة في علاج أمراض السرطانات المختلفة.

على أهمية دوره في ظل غياب ممثلي الشعب المنتخبين في البرلمان، ظلّ المجتمع المدني الفلسطيني اتكاليا، وعاجزا عن الفعل الحقيقي على الأرض، فليس هناك فائدة مرجوة من عقد ورشات عمل في فنادق 5 نجوم حول ظاهرة تستشري يوما بعد يوم وتهدد الوجود الفلسطيني برمته.

يبذل موظفو سلطة جودة البيئة ما يستطيعون من جهد في محاربة الظاهرة ولكن امكانياتهم محدودة جدا، ويصابون بالحساسية اذا ما تلقوا اتهامات من المجتمع بالتقصير، لكن الظاهرة أكبر بكثير من امكانياتهم، وهي بحاجة لقرار سياسي صارم: "أرضنا ليست مكبا لنفايات إسرائيل". هل هذا مستحيل؟؟

معظم تهريب النفايات في مناطق "ج" ولا سيطرة للأجهزة الأمنية الفلسطينية هناك، هذا صحيح، والصحيح أيضا أن هناك أجهزة أمنية قوية معلوماتيا وتستطيع الوصول إلى من يقتلون شعبهم بسموم النفايات.

في كثير من الحالات تعاملت النيابة العامة والجهاز القضائي مع من تم إلقاء القبض عليهم متلبسين بتهريب النفايات او حرقها، من خلال تكييف اتهامات، عقوبتها لا تتناسب مع فداحة المخاطر المترتبة على أفعالهم، بعضهم تلقى غرامات بـ 20 دينارا، والبعض الآخر بالسجن لعدة أيام. رغم أن المشّرع الفلسطيني فرض عقوبة السجن المؤبد على من يقوم بتهريب النفايات الخطرة إلى فلسطين.
مرة أخرى، إذا كانت الحكومة تعرف هوية المستوطن الذي يقوم بتوريد النفايات الخطيرة إلى أرضنا، وتعلم هوية السماسرة الفلسطينيين المتعاونين معه، وتعرف الكلفة الوطنية والسياسية والاقتصادية الهائلة، فماذا تنتظر؟

هل تفعلها حكومة محمد اشتية التي ترفع شعار القرب من الناس وتلمس احتياجاتهم؟ـ ان هذا أولى الأولويات في الانفكاك الاقتصادي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير