قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا

21.10.2019 09:06 AM

رام الله - كتبت ريم المسروجي: يوفر نظام التعليم لدينا خدماته للطلاب "الشاطرين" والمؤدبين، وغير ذلك فهو لا يستطيع إحتواء أي نوع آخر من الطلاب، أي أن هذا النظام يوفر خدماته لــ 30% كحد أقصى من الطلاب والطالبات.

ويتطلب نظام التعليم أن تكون " مؤدبا" من دار اهلك، وفي دار أهلك تنطبق عليك نفس القوانين، وهذا يعني أنك لا تناقش، لا تتساءل، لا تعلق، لا تفكر، اي أنك تخضع لما يمليه عليك صاحب السلطة والذي هو في هذه الحالة المعلم في المدرشة، وفي البيت في معظم الأحيان هو الأب وكله يقع تحت بند الإحترام والتقدير، ولعل المعلم  والأب قادمان من نفس هذا الفكر أو النظام الذي يطلب منه أن يقوم بعمله دون نقاش أو تفكير أو تساؤل.

وكما هو مطلوب منك ان تكون مؤدبا، طذلط مطلوب منك أن تكون "شاطر" وهذا يعني أن لديك القدرة العالية على إبتلاع المعلومات التي يفرغها الأستاذ أو الملعمة في الصف وإعادة إستفراغها على ورقة الإمتحان بالطريقة التي أملاها أو أفرغها الأستاذ! وبالتالي فأن أي خروج عن هذه المعادلة تؤدي إلى وضعك في خانة الأشخاص غير القادرين على السير مع هذا النظام، وعدم تقديمك للإجابات المطابقة للمواصفات والمقاييس يعني أنك لم تهضم المعلومات بالشكل الصحيح.

في هذا النظام لا يُسمح لك بالإختلاف، فقط المطلوب منك، أن تكون مثلك مثل الجميع، وأن تفعل كما يفعل الجميع، أي أن تكون نسخة متحركة من الشخصية المطلوب وجودها في هذه الأماكن المدعوة بالمدارس، وبالتالي إن كان لديك أي إختلاف، في طريقة لبسك لا سمح الله، أو في طريقة كلامك، أو تفكيرك، تصبح من المغضوب عليهم، لأن الإختلاف غير مسموح والنظام لا يستطيع أن يهضم أو يستوعب هذا الإختلاف.

كيف نتوقع من هذا النظام المبني بهذه الطريقة أن ينتج لنا إبداع؟ كيف نتوقع من هذا النظام أن يخرج لنا بحلول قادرة على حل أي من مشاكل المجتمع؟ لو فكر طالب بحل مختلف لأي موضوع سيتم قمعه وإستبعاده من دائرة " الإبداع " الموجودة في الصف.

من يتحمل المسولية؟ هل هو المعلم، أم البيت، أم الحكومة، أم من؟

أعتقد أننا جميعا نتحمل المسؤولية، ولكن أكبر مسؤولية تقع على صانع القرار، على الدولة ممثلة بوزارة التربية والتعليم، لماذا؟ لأنها الجهة التي يجب أن تمتلك أو يكون لديها الرؤية والهدف الذي نريد أن نصل له في بناء النظام التعليمي لخدمة الأهداف التي نريد.

ان السؤال الذي يطرح بقوة في نظام العملية التعليمية ويجب علينا الاجابة عليه، هو ما نوع الناس الذي نريدهم أن يتخرجوا من المدراس؟ ما هي إحتياجاتنا لبناء هذا الوطن؟ وهل نحن نمتلك رؤيا واضحة لما نريد من مخرجات من العملية التعليمية؟

يحتل المعلم في هذه المعادلة  بوز مدفع"، فهو الذي يتم تخرج من هذا النظام وقيل له متفوق أو مبدع وأن النظام التعليمي سيكتمل بوجوده.

ان المعلم هو الأداة، ولا أريد أن أقول العصاة، التي تُسّير بها الدولة النظام التعليمي الفاقد للرؤيا، والمعلم هو الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، لماذا؟ لأنه مخلص في 95% من الحالات، فهو يحب عمله ويحب طلابه، ويريد أن يعطيهم كل ما يستطيع والحقيقة أنه يعطيهم من دمه ومن أعصابه ومن نفسه، وهو يعمل أفضل ما يعرف، لأن هذا ما يعرفه، فهو إبن النظام التعليمي وأبو هذا النظام ( الأبوي الإفراغي) .

لا يمكن أن نلوم المعلم مهما فعل لأنه يبذل قصارى جهده في إعمال النظام المطلوب منه إعماله في البلد مهما تطلب الأمر من إجراءات، فإن تطلب في بعض الأحيان أن يقوم بضرب أحد الطلاب " المتمردين " على هذا النظام فإنه سيقوم بذلك خدمة لهذا النظام عديم الرؤيا المهترئ.

كل هذا يقوم به الملعم وهو يتلقى أجرا لا يرقى ليلبي معيشة متوسطة ، لا نريد أن نقول معيشة مرتاحة، وبالتالي كيف يمكن يا دولتنا أن تقوم قائمة لنا كدولة إذا لم نهتم بهذه الحلقة الأهم من حلقات العملية التعليمية ؟ كيف يمكن أن تكون هناك كرامة للمعلم وأنتم تعاملونه بهذه الطريقة؟

أنا لا ألوم الملعم مهما فعل (مع أنني أرفض أي تصرف مثل الضرب أو الإهانة اللفظية بشكل قاطع)  ولكن ألوم النظام التعليمي المهترئ، وألوم الدولة التي لا تخصص في ميزانيتها نسب كافية للنهوض بالتعليم.

إذا أردنا أن ننظر للحلقات الأخرى في سلسلة العملية التعليمية فإننا نرى الأهل، الذين هم نتاج العملية التعليمية الإفراغية الإستفراغية التي يصنعها المجتمع كل يوم، ونتاج التربية الأبوية التي تمنع الكلام وتمنع الإستفسار وتمنع التعليق.

وصل العالم إلى أماكن مختلفة تماما في العملية التعليمية، فقد أصبح المعلم هو مُيسر للعملية التعليمية، فالطالب قادر أن يصل لأي معلومة خلال ثانية أو أقل. فلماذا يقوم المعلم بإفراغ هذه المعلومات في رأس الطالب ولماذا يقوم الطالب بإستذكارها ومن ثم إفراغها على ورقة الإمتحان؟

ما المطلوب حتى نصل لمكان أفضل؟

هناك الكثير من الآراء في المجتمع من أشخاص متنورين يفكرون في هذا الهم، بعضهم يذهب إلى أقصى الحدود ويقول علينا إقفال كل المدارس وليتعلم الطلاب في البيوت، وهناك آراء تتحث عن العمل مع المعلم، وهناك من يقول علينا العمل مع الأهل وهناك من يحمل الطلاب و "الوقت العاطل اللي احنا فيه " المسؤولية.

أعتقد أن علينا البدء من مكان ما، برأيي  يجب أن يكون العمل على شكل خطوات، ابرزها:

الخطوة الأولى: أن نبدأ بوضع الرؤيا التي نريد، ونحدد من هو الطالب الخريج من مدراسنا وجامعاتنا الذي نريد، وما هي صفاته، قدراته، الأمور التي يستطيع التعامل معها والمشاكل التي يستطيع حلها عند تخرجه من كل مرحلة من المراحل التعليمية.

الخطوة الثانية تدريب المعلم.: لا أتحدث هنا عن تدريبه على المنهاج وكيف يعطي المواد وكيف يتمكن منها، بل عن   مهارات حياتية وشخصية يجب أن يمتلكها المعلم، تبدأ من الثقة بالنفس وتمر بحل مشاكل الطلاب الننفسية التي تؤثر على أدائهم، وإمتلاك القدرة على مساعدة الطلاب على تحسين أدائهم وتحصيلهم العلمي والمعلوماتي بشكل نوعي.

الخطوة الثالثة يجب أن يكون هناك وعي مجتمعي بـ " ما هو التعليم الذي نريد " وما هي مخرجات التعليم التي نطمح لها، الامر الذي يتطلب الكثير من التوعية والكثير من العمل مع كل أصحاب العلاقة.

فاقد الشيء لا يعطيه، فلا تجردوا المعلم من كل أدواته وتقولوا له إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون.

المعلم يستحق منا كل الإحترام والتقدير والتبجيل، فالرسالة التي نحمله اياها وعليه إيصالها كبيرة وعظيمة وتستحق منا الإهتمام. وعندما نعمل معه بالطريقة الصحيحة نستطيع أن نقف له ونوفيه التبجيلا فصدق أمير الشعراء حين قال كاد المعلم أن يكون رسولا.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير