رق مسكوت عليه ...بقلم:فهمي هويدي

05.09.2011 03:36 PM

في مصر رق من نوع خاص مسكوت عليه.

السيد فيه ليس مالكا يتحكم في خلق الله ويسومهم سوء العذاب، ولكنه جهاز إداري يقوم بنفس المهمة. 

وفي حين أن الأول يبسط سلطاته على إقطاعية صغرت أو كبرت، وربما استطاع بعض عبيده أن يهربوا بجلدهم من جبروته،

فإن السيد الثاني يمد أذرعه ليحاصر وطنا بأكمله، وليس بوسع أحد أن يعتق نفسه منه، إلا إذا ألقى نفسه في البحر أملا في العثور على أمله في وطن آخر. 

وصف العلاقة بين جهاز الإدارة والمواطن المصري بأنها «رق» ليس من عندي. ولكن خبيرا دوليا من «البيرو» (أمريكا اللاتينية) هو الذي أطلقه. بعد أن كلف بدراسة الموضوع من قبل الحكومة المصرية. وأدهشته طبيعة تلك العلاقة التي حولت جهاز الإدارة إلى «سيد» وجعلت من المواطنين عبيدا وأقنانا له، يأمرهم فيطيعون، ويذلهم فيمتثلون. 

الرجل ــ اسمه هيرناندو دي سوتو ــ روى قصته مع الإدارة المصرية في مقالة نشرتها له صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية، بعدما وجد أن مصر تغيرت بقيام ثوة 25 يناير، الأمر الذي تمنى أن يؤدي إلى انعتاق المصريين من عسف جهاز الإدارة واستعباده لهم. 

قال صاحبنا إن الأوضاع الاقتصادية المتردية في مصر التي أزعجت الحكومة في عام 1997، دفعتها إلى اللجوء لمعهد «الحرية والديمقراطية» الذي يرأسه، للحصول على معلومات دقيقة عن وضع الاقتصاد المصري، خاصة القطاع غير الشرعي منه، 

وطلب من المعهد تحديد أعداد المصريين العاملين خارج إطار الاقتصاد الرسمي، في الأغلب هربا من تعقيدات الجهاز الإداري وبطشه.

وهذه الفئة من العاملين خارج القانون لا تستطيع أن تحصل على أية قروض من المصارف، وليس للمنخرطين فيها أي تعامل مع السلطة،

واستهدفت الدراسة إعادة تقييم الإطار القانوني لتذليل العقبات التي تحول دون النهوض بالاقتصاد المصري. 

اشترك في الدراسة 120 خبيرا مصريا وبيروفيا، تعاون معهم 300 مسئول محلي. وبعدما أجرت عددا كبيرا من المقابلات أعدت في سنة 2004 تقريرا من ألف صفحة، انتهى إلى خطة عمل واقترحت عشرين نقطة على وزير المالية المصرية، لكن شيئا منها لم يؤخذ به! 

عملية مسح ما أسماه بالاقتصاد السفلي انتهت إلى أن المشاركين في ذلك النشاط هم أكبر صاحب عمل في مصر. ذلك أن القطاع الخاص يوفر 6.8 مليون فرصة عمل، كما يوفر القطاع العام العمل لـ5.9 مليون شخص، في حين أن الذين يمارسون نشاطهم الاقتصادي خارج الإطار القانوني فيقدر عددهم بـ9.6 مليون شخص. 

قدرت الدراسة أن 92 في المئة من المصريين لا يملكون مستندات ملكية مصرية. كما قدرت قيمة المبادلات والملكيات غير الشرعية في ريف مصر ومدنها بمبلغ 248 بليون دولار. أي 30 مرة أكثر من قيمة سوق الشركات المسجلة في بورصة القاهرة. و55 مرة أكثر من قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر منذ حملة نابليون.

واليوم تبلغ قيمة هذه الأصول المالية الخارجية على إطار الاقتصاد الرسمي نحو 400 مليون دولار. 

لماذا يختار معظم المصريين البقاء خارج الاقتصاد القانوني؟

ــ سأل الرجل ثم أجاب قائلا: إن مصر شأنها في ذلك شأن بقية الدول النامية لا تمكن صاحب أي مشروع اقتصادي من أن يؤدي عمله بصورة ميسرة وآمنة.

 

فالإجراءات الإدارية الرسمية المطلوبة لفتح مخبز صغير تستغرق 500 يوم.

ويحتاج إصدار صك ملكية قطعة أرض خاوية 10 أعوام،

ويضطر المقاول الشجاع الذي يحاول أن يلتزم بالقوانين إلى التعامل مع 56 وكالة حكومية، كل منها يقوم بعملية تفتيش أكثر من مرة لكي تحرر الأوراق إلى غيرها.

 

في ختام مقالته، خلص السيد دي سوتو إلى أن التخلص من ذلك الاستعباد الاقتصادي يتطلب وضع إطار قانوني حر، جديد وفعال.

ونبه إلى أن الحكومات قد تتغير وكذلك الانظمة السائدة، وقد تهب رياح الديمقراطية لتنعش آمال الناس.

ولكن رغبة الشارع  المصري في تحسين مستوى المعيشة لن تتحقق إلا إذا تم إصلاح الإطار القانوني والإداري، بحيث يعتق المجتمع من تلك القيود الثقيلة التي تكبله وتعطل قدرته على الحركة.

 

إن الدرس نعرفه جيدا، لكن المشكلة فيمن يستوعبه ويضع الجرس في رقبة القط.

 عن جريدة السبيل/ الاردن

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير