الدولة.. الدولة.. الدولة..بقلم: هاني عوكل

11.09.2011 02:08 PM

جميعهم الثلاثة عادوا إلى مواقعهم بخفي حنين، الأول مبعوث الرباعية الدولية توني بلير الذي زار رام الله الثلاثاء الماضي، والتقى بالرئيس عباس وطلب منه التوقف عن المضي قدماً باتجاه الأمم المتحدة لطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية هناك.

المبعوث ديفيد هيل وزميله مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي دينس روس، كانا أيضاً يحذران الرئيس عباس من التوجه إلى الأمم المتحدة، ولا شيء جديد يحملانه من واشنطن، باستثناء السياسة "الكلمنجية" المطالبة بالعودة إلى مربع المفاوضات بدون ضمانات.

قبل هذه الزيارات السريعة إلى رام الله، كانت الولايات المتحدة تسعى لاستصدار بيان من الرباعية الدولية تؤكد فيه الأخيرة على أهمية العودة إلى المفاوضات الثنائية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وتأجل أكثر من اجتماع بسبب رفض بعض أطراف الرباعية لآلية التعاطي مع بيان فضفاض.

الآن وفي هذه الفترة التي تسبق التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة بأيام، تسعى واشنطن مع بلير، لإعداد "طبخة"، تحتوي على بيان رخو، غير ملزم لإسرائيل ويمكنها تسجيل مئات الاعتراضات عليه، لكن يصلح هذا البيان في نفس الوقت لأن يكون أساساً للتفاوض.

حتماً لن تقبل السلطة الفلسطينية ببيان رخو، وهناك نية فلسطينية حقيقية بالذهاب إلى الأمم المتحدة، طالما لم تتوفر الضمانات الأميركية لمفاوضات واضحة، وبصراحة يسجل للطرف الفلسطيني هذا التكتيك الجيد والجديد في التعامل مع ملف المفاوضات الذي استغرق أكثر من ثمانية عشر عاماً، ولم يحقق الفلسطينيون أية إنجازات واضحة أو ملموسة.

نعم، يمكن القول إن على الفلسطينيين أن يقيموا حساباتهم الخاصة، ليس باسترضاء الأميركان وبالعودة إلى مفاوضات هرمة، وإنما بالتوجه إلى المحافل الدولية وإعادة تدوير هذا التوجه في حال فشل الفلسطينيون في الحصول على مطالبهم المشروعة.

معنى ذلك، أنه لو افترضنا بأن الطرف الفلسطيني لم يصل إلى كل مطالبه أو نصفها في الأمم المتحدة، فإن عليه أن يعيد التفكير في طرق أبواب المحافل الدولية بكل مستوياتها، وأن لا يفكر في القبول بمفاوضات ثنائية مع إسرائيل إلا ضمن اشتراطات وضمانات وأجندة زمنية محددة وبرعاية دولية.

إسرائيل اليوم ليست إسرائيل بالأمس، ذلك أن مجموع العدوانات التي قامت بها على مدار السنين، أضف عليها سياستها العنصرية وعدم التزامها بقرارات الأمم المتحدة الصادرة بحقها، كل هذا يزيد من عزلتها ويضيق الخناق عليها، ومن حسن حظنا أن عدداً من دول الجوار لم تعتد تحترم إسرائيل أو تعيرها ذلك الاهتمام.

لعل قاطرة الربيع العربي التي انتقلت من تونس إلى مصر، هذه القاطرة حملت توجهات وأفكار جديدة في طبيعة التعامل مع محور مصر- إسرائيل، ففي حين أن الشارع المصري ناقم على معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية، فهناك تفكير جدي من قبل مصر الدولة بدراسة إمكانية تعديل هذه الاتفاقية.

إذاً هناك على الحدود الجنوبية الغربية من إسرائيل يرقد عملاق نائم اسمه مصر، ذلك أن العلاقات بين البلدين لم تعدد كسابق عهدها أيام مبارك، ثم إن إسرائيل التي تقيم حساباً لمصر، تقيم حساباً لجيرانها على الحدود الشمالية أيضاً، ونتحدث هنا عن سوريا وحزب الله، مع ملاحظة أن الأوضاع الداخلية غير مستقرة في الأولى.

نذهب ناحية تركيا، لنجد أنها الدولة الأكثر جرأة في التعامل مع إسرائيل، حين قررت طرد السفير الإسرائيلي وتخفيض التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى سكرتير ثاني، مع تجميد جميع الاتفاقيات العسكرية مع حكومة تل أبيب، بعيد تسرب تقرير "بالمر" الذي تبنى الرواية الإسرائيلية أثناء قرصنتها البحرية على سفن أسطول الحرية المتجهة إلى قطاع غزة قبل أكثر من عام.  

التقرير اعتبر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة أمراً مشروعاً وقانونياً، وتجري مشاورات حالية بين منظمة التحرير الفلسطينية وتركيا، لتنسيق الجهود من أجل الذهاب إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، للطعن في هذا التقرير الأممي. الحركة بركة كما يقول المثل، ومن شأن كل ذلك أن يفضح السياسات الإسرائيلية، خصوصاً في ظل الفورات العربية التي لم تهدأ بعد.

حتى تعاني إسرائيل من عزلة أكبر، لابد للفلسطينيين أن يضعوا أجندة وطنية دولية ويكثفوا من حملات تستهدف شرح التوجه الفلسطيني لإقامة الدولة، انسجاماً مع مهام الأمم المتحدة في حماية الأمن والسلم الدوليين. ليس هذا فحسب، بل إن كثرة الاحتجاجات السلمية تشكل "وجبة دسمة" للتوجه الفلسطيني العام.

ماذا تعني احتجاجات سلمية؟ بدون تضخيم، يشكل هذا السلاح الفعال صداعاً مزمناً لكل القيادات الإسرائيلية، وبالتجربة أثبت أنه قادر على فضح إسرائيل سواء في درس الانتفاضة الأولى، أو حتى في درس بلعين ونعلين، وهناك تقارير من المستوى العسكري إلى السياسي، مفادها أن الأول يشتكي من هذه الاحتجاجات التي تؤثر بشكل عام على سلامة الدولة.

إذا سيرت هذه الاحتجاجات بشكل مستمر داخل وخارج الأراضي الفلسطينية، وتزامناً مع التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة، نقول إنه لو سيرت بطريقة حضارية و"غاندية"، فإنها شديدة الأهمية من حيث ثقل الرسائل التي تبعثها إلى صناع القرار الدوليين.

وليس على الفلسطينيين أن يستسلموا لليأس، لأنه بمجرد ذهابنا إلى الأمم المتحدة فإن ذلك يشكل نقلةً نوعيةً وتغيراً في مستوى الوعي السياسي، لكن المهم هو استكمال الجهود الدبلوماسية ومواصلة هذا النضال المطلبي، كونه يخدم تطلعات الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

وفي كل الأحوال، لا يجوز لهذه المعركة أن تتشتت، خصوصاً وأن النضال الوطني والدبلوماسي هو في الأساس مع إسرائيل، مهما علا سقف التواطؤ الأميركي، فالمعركة في الأمم المتحدة هي من أجل محاكمة الاحتلال وإقامة الدولة، وبالتالي على العقل السياسي الفلسطيني أن يلتفت لهذه القضية جيداً.

في هذا الإطار، أقترح على القيادة الفلسطينية أن تنصب عدداً كبيراً من الخيمات الاحتجاجية في مختلف الأراضي الفلسطينية، وبجانب مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل، وعدد آخر من الخيمات في عواصم الدول الكبار في مجلس الأمن الدولي، ومثلها بجانب مقر الأمم المتحدة في نيويورك، ولتكن هذه الخيمات غرفة عمليات للاحتجاجات السلمية. هذه الخيمات أسقطت حكم مبارك في ميدان التحرير، فهل هي قادرة على إسقاط الفيتو الأميركي وحجز مقعد دولة فلسطين في الأمم المتحدة؟ هذه الأيام أيامنا.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير