الثورة اولا.. واخيراً... بقلم: حمدي قنديل

04.07.2011 06:16 PM

 

أستطيع أن أُجزم، بعد مراجعة متروية لما نشر عن أحداث الثلاثاء الماضى، وبعد اتصالات مع عدد من رموز العمل الوطنى وعدد من قادة شباب الثورة الذين أعرفهم منذ ما قبل 25 يناير، بأن ثعابين مبارك عادت لتخرج من الشقوق، وأنها تمسحت هذه المرة فى مأساة شهداء ومصابى الثورة..

تحت هذا العنوان تم حشد أتوبيسات ملأى بالبلطجية انقضوا على مسرح البالون، ثم استغلوا حماس الأهالى الملتفين حوله فساقوهم إلى ماسبيرو حيث تضاعفت التعبئة، ومن هناك كانت المسيرة إلى ميدان التحرير (الذى كان قد شهد عصر اليوم السابق مظاهرة عند تشييع جنازة أحد شهداء الثورة من جامع عمر مكرم)..

 وعندما توحشت سلطات الأمن فى تدخلها الأهوج، تنادى شباب الثورة للتجمع فى الميدان وأمام الداخلية للثأر لما ظنوه اعتداء مدبراً على عائلات رفاقهم من الشهداء، وتفاقم الأمر مع تسرب بعض ذيول النظام البائد إلى الميدان، استخدموا السلاح الأبيض وزجاجات المولوتوف وأتلفوا عمداً بعض المنشآت والمحال، فاحتدمت مواجهة بدت كما لو كانت بين الشرطة والثوار.

رغم أن هناك جهداً لا ينكر فى الفترة الأخيرة لاستعادة دور الشرطة فى تأمين حياة الناس، فإن الغصة لاتزال فى الحلق، والوساوس لاتزال تثيرها جهات ثلاث.. أولى هذه الجهات هى الشرطة ذاتها التى لم تكف عن أن ترسل لنا إشارات أن حالها لم يتغير كثيراً عما كان عليه قبل الثورة، وأن وزيرها لم يعد قادراً على التصدى لتحديات هذه المرحلة الحساسة.. 

ثانية جهات الوساوس هى الشعب الذى لايزال ـ رغم توقه للأمن ـ أسيراً لموقف معاد من الشرطة أذكاه تاريخ من البطش والإذلال.. أما الجهة الثالثة للمشكلة فهى السلطة التى بدا للناس مع مرور الأيام أنها تباطأت وربما تقاعست عن حساب الشرطة، بل وحتى حساب النظام البائد بأكمله، إن لم تكن قد تواطأت معه. 

السلطة تتحمل المسؤولية الأولى فى الخلاص من هذه المحنة، ذلك أنها الجهة الوحيدة بين الجهات الثلاث التى بيدها السلطان والصولجان، وبإمكانها أن تتخذ القرار الحاسم الذى يصحح المسار بما لا يدع مجالاً لانطلاق شيطان الشكوك.. نعرف أن تطهير وزارة الداخلية ودهاليزها التى تستعصى على الاقتحام ليس بالأمر السهل، لكننا مع ذلك لا نفهم لماذا يتأخر حتى الآن إقصاء قتلة الشهداء والمتهمين بالتعذيب والمتسببين عمداً فى الفراغ والانفلات الأمنى.. 

وحتى إن كنا نتفهم أنه ليس من الإنصاف التعجل فى محاكمتهم، لكننا لا ندرى لماذا كل هذا الغموض الذى تحاط به الجلسات، ولماذا لا يكشف المتهمون أمام الجمهور العام بدلاً من تغطيتهم كالنسوة بالملايات، بل لماذا يقيد القضاء علنية المحاكمات ليكون فيها درس وعبرة.. 

إلا أن لغز المحاكمات الأكبر هو لغز محاكمة مبارك.. سمعنا أنه سيحاكم يوم 3 أغسطس بتهم الفساد وإطلاق النار على المتظاهرين، ولكن الغموض لايزال يحيط ليس فقط بمكان المحاكمة ولكن بمثوله هو أمامها.. وتساور المصريين الشكوك فى أن هناك خطة مدبرة لإعفائه من النقل إلى السجن، بل لإعفائه من المحاكمة بحجة انهيار صحته.. 

ويقود محاميه هذه الخطة بحيل متعددة، فهو يجزم يوماً بأنه مريض بالسرطان بعد أن كان مريضاً بالقلب، ويشكو يوماً من أنه لا يتلقى العلاج المناسب، ويبلغنا يوماً بأنه زعلان وآخر بأنه محبط، ثم يثير ضجة حول ضرورة عرضه على طبيبه الألمانى، فى حين تؤكد مصادر مستشفى شرم الشيخ ـ كما تنقل لنا الصحف ـ أن حالته الصحية مستقرة وحالته النفسية جيدة وأنه يمزح مع الأطباء أحياناً! 

ما الذى يجرى بالضبط؟.. لا أحد يدرى.. ولماذا تتردد السلطة فى الاقتراب من مبارك على هذا النحو حتى إن النائب العام يحيل طلب السماح للطبيب الألمانى بالكشف على مبارك إلى المجلس العسكرى؟.. وحتى إن كان مبارك مصاباً بالسرطان فلماذا لا ينقل إلى مستشفى سجن طرة؟.. 

 لماذا يسمح له وحده، دون كل المساجين المصابين بالسرطان، بالعلاج فى مستشفى خاص فى جناح 7 نجوم ندفع نحن المواطنين أجره؟.. 

 ولماذا فى شرم الشيخ بالذات؟.. 

ولماذا تحاط تفاصيل حياته هناك بكل هذا الغموض؟.. ولماذا يزوره هناك من يزوره وبينهم المتحدث الرسمى السابق باسم الرئاسة؟ 

وهل بين الزوار الحوت العمانى عمر الزواوى، مستشار السلطان قابوس والمستشار المالى لمبارك ذاته الذى كان يتردد عليه فى الماضى أسبوعياً (اسألوا قائد قاعدة ألماظة الجوية السابق عن التفاصيل)؟.. 

 وهل صحيح أن الدولة وضعت تحت إمرته 222 من الخدم والحشم والحرس يتقاضون مليونى جنيه فى الشهر (الفجر 4/7/2011)؟ 

بعد كل هذا تسألون: لماذا يهب الشباب إلى ميدان التحرير فى غضب؟ 

محاكمة مبارك تتصدر مطالب الشباب الثائر والجماعة الوطنية، ولكنها ليست المطلب الوحيد لجمعة الوفاء للشهداء أول يوليو ولا لجمعة الحساب 8 يوليو.. هناك مطالب أخرى لهم ليست أقل عدالة تمت الاستجابة لواحد منها فقط عندما أعلن ليلة الجمعة الماضية أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قرر إنشاء صندوق لرعاية ضحايا الثورة وأسرهم.. هذا قرار حكيم لا ندرى لماذا تأخر.. فى كل الأحوال نرجو أن تلقى المطالب الأخرى استجابة أسرع.. هناك مطلب بوضع حد أعلى للأجور كان من المتوقع أن يصدر مع الميزانية، لكنها اقتصرت لسبب غير مفهوم على تحديد الحد الأدنى.. 

وهناك مطلب إيقاف المحاكمات العسكرية للمدنيين.. وهناك مطلب الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين.. وهناك مطلب حرمان أعضاء الحزب الوطنى المنحل النافذين (أعضاء الأمانات واللجان ومسؤولى الأقاليم وأعضاء مجلسى الشعب والشورى السابقين) من ممارسة الحقوق السياسية خمس سنوات.. وهناك المساءلة الفورية والعلنية لكل من شارك فى ترتيب صفقة الغاز المشينة مع إسرائيل، بدءاً من عمر سليمان مروراً بعاطف عبيد ووزرائه وانتهاء بمسؤولى هيئة البترول وغيرها من مؤسسات الدولة.. كل هذه ليست مطالب عصية على الاستجابة، فلماذا إذن المماطلة؟ 

نحن لا نتحدث عن تطهير فورى لجميع أجهزة الحكم من أذناب مبارك.. نعرف أن هذه المهمة ستأخذ بعض الوقت، وإن كنا لا نعرف لماذا تعثرت.. ولماذا لا يبدأ التطهير فى القمة، فى مجلس الوزراء ذاته، بمناسبة الطلب الذى قدمه الدكتور عصام شرف لإقالة 7 من أعضاء المجلس (المصرى اليوم 29/6/2011)؟.. 

 لماذا لا يقال حتى الآن مثلاً كبار أعوان رأس الشياطين زكريا عزمى فى ديوان رئاسة الجمهورية؟ ولماذا لا يبعد رئيس هيئة الاستعلامات عن منصبه وهو رسمياً المتحدث باسم الدولة؟ ولماذا لايزال مسموحاً بالكتابة لمحمد على إبراهيم، وعبدالله كمال، وأمثالهما من رؤوس الفساد أبواق مبارك فى الصحافة؟.. 

 إذا كان تطهير بعض رموز نظام القهر والقمع لايزال متعذراً فما هو يا ترى السبب؟.. 

ولماذا استفزازنا بتكريم آخرين؟.. لماذا يقدم الدكتور نبيل العربى قبل أن يترك وزارة الخارجية على تكريم أحمد أبوالغيط فى حفل فى النادى الدبلوماسى؟.. 

ما الذى يستحق التكريم حقاً فى أعمال وزير الخارحية السابق: تردى مكانة مصر فى العالم، أم ارتماؤها فى أحضان أمريكا وإسرائيل، أم إقامة سور إلكترونى عازل بين مصر وغزة؟.. 

 ولماذا تفتح له استديوهات التليفزيون الخاص، هو ومحامى مبارك وغيرهما من أعداء الثورة؟.. 

ولماذا تنقل على بعض الشاشات مظاهرات مصطفى محمود البائسة المعادية للنظام الجمهورى؟ 

كفانا استفزازاً.. وإلا فلتنتظروا مزيداً من الاحتجاج ومزيداً من التظاهر ومزيداً من الاعتصام.. سنخرج يوم الجمعة المقبل، جمعة التطهير والقصاص، بكل أطيافنا، لا ينظر أحدنا إلى مغانم أو مكاسب، أو يطالب أحدنا بدستور أولاً أو بانتخابات، لأن التحدى الأكبر أمامنا جميعاً هو تصحيح مسار الثورة، ولأن مقصدنا جميعاً هو: الثورة أولاً.. الثورة أولاً، وأخيراً.

عن المصري اليوم

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير