سوية القلقة سورية المقلقة,,بقلم: غسان شربل

27.06.2011 07:29 AM

حدث ذلك قبل عقود. التفتت سورية حولها وعادت قلقة. إسرائيل دولة عدوانية محتلة وحليفها الأميركي يضمن تفوقها العسكري. السلاح السوفياتي يساعد على المقاومة والممانعة ولا يكفي لتحرير الأرض. تركيا دولة كبرى بمقاييس الإقليم سكانياً. وبين سورية وتركيا نزاع على أرض ومخاوف قديمة ومستجدة. بلاد أتاتورك تعيش في ظل دستور علماني وترتدي قبعة الأطلسي وتقيم علاقات مع إسرائيل.

الشقيق العراقي ينام على ثروة استثنائية من الذهب الأسود. العراق يقلق أيضاً كلما نظر الى تركيا وإيران. طموحات حاكم العراق تفيض أحياناً عن حدود البلاد. وبين بغداد ودمشق تنافس قديم على الأدوار تحوّل صراعاً مريراً بين البعثين.

على الحدود أيضاً يقيم الأردن. مملكة قلقة محدودة الموارد. مملكة تحتاج دائماً الى صيغة تحمي استقرارها: مظلة دولية وجيش مدرب وملك متحرك يداري العواصف ويقرأ التحولات.

على الحدود أيضاً لبنان الذي حالت تركيبته دون وقوعه في فخ الانقلابات العسكرية وفخ الحزب الواحد. أحياناً يبدو رئة لدول المنطقة لكن حرياته وصحفه ونوافذه تطرح الأسئلة وتثير القلق.

بين جيران قلقين ومقلقين راحت سورية تحاول العثور على دورها واستقرارها وصيغة للاحتماء من الصراع عليها. انتهى البحث بصيغة صارمة في الداخل وبنقل المعركة الى خارج الحدود. صار الدور مرتبطاً بامتلاك الأوراق داخل حدود الدول المجاورة وبالحضور المؤثر في القرار الفلسطيني والنزاع العربي – الإسرائيلي وبالقدرة على عرقلة مشاريع مطروحة أكثر من القدرة على طرح حلول. سورية حليفة للاتحاد السوفياتي من دون أن تعطيه قرارها ومن دون أن تنسى أهمية واشنطن. وسورية حليفة لإيران الخميني من دون أن تنسى أهمية المثلث المصري – السعودي – السوري على رغم كامب ديفيد. اصطدم الدور السوري المتنامي بأدوار الآخرين وباللاعبين الكبار. تحولت الدولة القلقة دولة مقلقة. تحولت عقدة في ملفات المنطقة.

تسلّم بشار الأسد رئاسة دولة صاحبة دور في الإقليم. أضاف الى التحالف مع إيران علاقة وثيقة مع تركيا. لكن تنامي الدور الإيراني أدخل الاضطراب الى علاقات بلاده داخل المثلث العربي. أرسل باكراً إشارات الى أن استقرار الداخل لا يكفي لحماية الدور مدركاً ضعف اقتصاد بلاده وحاجتها الى التحديث واللحاق بالعصر. لم تكن مهمته سهلة. قاومت شبكة المصالح المترسخة محاولة التغيير الخجولة. بدت آلة الحزب قديمة وبدت آلة الأمن أقوى مما اعتقد. ولعبت مخاوف التركيبة دورها. وانشغل الأسد بمعارك الخارج بعد غزو العراق وحرب تموز فتزايدت صعوبات الداخل في عالم متغيّر أدرج سورية على لائحة الدول المقلقة.

تأخرت الإصلاحات في الداخل. التزايد السكاني كبير والبطالة مرتفعة والإدارة مترهلة والحزب يغرف من قاموس قديم. وبعد انطلاق «الربيع العربي» انتقلت الشرارة الى سورية. الدول الغربية التي كانت تشجع النظام السوري على تغيير سلوكه في الخارج باتت اليوم تطالبه بتغيير سلوكه في الداخل أيضاً. سورية صاحبة تجربة في مقاومة ضغوط الخارج لكنها كانت تستند الى داخل مستقر.

 

الصورة مختلفة الآن.

قراءة هادئة لمئة يوم من الأزمة في سورية باحتجاجاتها والوعود الإصلاحية والممارسات الأمنية المفرطة والخسائر في الداخل والخارج تدفع الى الاعتقاد بأن لا مخرج إلاّ عبر مشروع يعيد سورية دولة طبيعية لا قلقة ولا مقلقة. دولة تعيش في نظام يرتكز على تعددية حزبية ترسي مصالحة في الداخل وتدعم دوراً طبيعياً يُسهّل مصالحة في الخارج.

ويسمع الصحافي الزائر في أنقرة أن تولي الرئيس الأسد قيادة هذا التحول يبقى الخيار الأقل كلفة ذلك أن سورية القلقة الغارقة في الاضطراب ستكون مقلقة للمنطقة أيضاً.

 الحياة/ لندن

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير