حارس شرف الأمة....بقلم: غسان شربل

29.09.2011 07:36 AM

إلى ماذا يحتاج حاكم عادي ليستحق لقب حارس شرف الأمة؟ المسألة تكاد تكون بسيطة. الاستيلاء على السلطة بانقلاب وبذريعة استرداد الكرامة الوطنية ومحاربة الفساد. تهميش دور رفاقه وإطلاق عملية التفرد بالسلطة. تذويب الدستور السابق بالأسيد واعتناق لغة ثورية ترفض الأزياء الديموقراطية المتعارف عليها. إذاعة رسمية تبث الأناشيد الحماسية وبرقيات التأييد والمبايعة. صحيفة رسمية تؤكد ان الدول الكبرى أُصيبت بالذعر لأن الدولة المعنية استعادت قرارها وتستعد لممارسة دور يليق بها في الإقليم والعالم. وتتضاعف القدرة على تنفيذ الأحلام إذا كانت الأرض تنام على ثروة تغري دول العالم بالتسامح حيال ارتكابات القائد الجديد. 

لا بد لتوطيد الحكم من مجموعة من الأجهزة الأمنية. وظيفتها السهر على أمن الثورة أي إحصاء أنفاس المواطنين. وزيادة في الطمأنينة لا بد من أن تتولى الاجهزة التجسس على بعضها. هكذا يمكن كشف أعداء الداخل والخارج معاً. الأمن أولاً. ومن مصلحة الثورة ان يتم قطع أي أصبع يرتفع. وشطب أي مواطن يعترض. وإخفاء أي مسؤول يبالغ في طرح الاسئلة. سلامة الثورة تقتضي افتتاح عدد محترم من الزنزانات والأقبية. مخيلات سلطة الشعب غنية. سيتم تطوير آلات التعذيب ونزع الأظافر وسمل العيون. ستتعفن جثث كثيرة وستزدان الجدران بالدم المتحجر. سيعترف السجناء بجرائم لم يرتكبوها. ستتبخر عائلات في ظروف غامضة. ان المحافظة على شرف الأمة تستلزم مناخاً من الترهيب والترويع. لا بأس من قتل معارض بعصير البرتقال المعد خصيصاً في دائرة الاستخبارات. لا مانع من توظيف شاحنة وتكليفها معس سيارة معارض عابر. 

حماية شرف الأمة لا تتم في الداخل وحده. لا بد من إقلاق الدول القريبة والبعيدة. الديبلوماسية التقليدية لا تفي بالغرض. تحتاج الدول الناهضة الى ديبلوماسية متحركة. سفارات تشبه الثكن وجلاوزة يتمتعون بالحصانة. حقائب ديبلوماسية تؤمن شحن السيمتكس وسائرأنواع المتفجرات والأسلحة الضرورية لاصطياد «الكلاب الضالة» أو تنفيذ عمليات نوعية ضد الإمبريالية. ومن أجل الدفاع عن شرف الأمة لا مانع أبداً من تفجير طائرات مدنية واحتجاز رهائن على أرض الآخرين وباسم منظمات مجهولة. 

ويحتاج القائد الى كتاب يكون عصارة خبرته. ينزله الى الأسواق ويستدعي الشعراء والكتّاب والصحافيين للتغزل به والإشادة بأبعاد النظرية العالمية الثالثة. لا مؤسسات. ولا حواجز بين القائد وشعبه. كل السلطة للشعب. كل السلطة للجماهير. ولا بد بين وقت وآخر من مذبحة في سجن. ولا بد من إخفاء زائر. وتصفية معارض. ولا بد أيضاً من مقبرة جماعية. 

لا بد من إكمال الصورة. يتوكأ المستبد على قضية فلسطين. يزايد على ياسر عرفات أو محمود عباس. لا يقبل إلا بفلسطين كاملة من النهر الى البحر. ويفضل ان يتحرش بأميركا. وان ترد عليه بغارة. بعدها تكتمل شرعيته. كل معارض جرذ. كل معارض خائن. وتنطلق آلة القتل دفاعاً عن شرف الأمة. 

يمكن أيضاً استقبال عبدالقدير خان. وارتكاب مقدمات حلم نووي. واستقدام خبراء في انتاج الغازات السامة وأسلحة الدمار الشامل. الغاز السام مفيد في مكافحة الانتفاضات الداخلية. في ردع أصابع الامبريالية التي تحاول الامتداد الى الداخل. 

أكتب لأن حظي العاثر اقتادني الى شاشة مناضلة. رأيت «محللاً» منتفخ الأوداج متوتر القبضة والشرر يتطاير من عينيه. راح يندد بالصامتين والشامتين. بأذناب الغرب وأميركا. قال ان مشاعره القومية مجروحة لأن قذائف الاطلسي تنهمر على الصحراء الليبية وتصطاد الأطفال. كاد يبكي من حزنه الشديد على امتهان الكرامة العربية. قال ان القذافي سيموت واقفاً ومدافعاً عن شرف الأمة. وان أعداء القائد مجرد أذناب لبرنامج خطير. وانهم ادوات صغيرة وعصابات مأجورة يديرها جنرالات الاطلسي وجيفري فيلتمان. 

لم تحاول المذيعة تذكير المناضل المتدفق بالمقابر الجماعية. لم تقل له مثلاً ان المستبد هو المسؤول الأول عن استجلاب التدخل. لم تقل له ان شرف الأمة يستلزم احترام المواطن. وتأسيس مدرسة وجامعة. والاهتمام بالتنمية. والانتماء الى العصر. وبناء مؤسسات وإشراك المواطنين. أعان الله المشاهد على شاشات التهويل والتضليل على أنواعها وأسعف الأمة على احتمال تواري حارس شرف الأمة.                        

                                                                                                      جريدة الحياة/ لندن

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير