الانتفاضة السورية: كتفاً سلاح !..كتب : عريب الرنتاوي

01.10.2011 11:15 AM

تتجه تيارات متزايدة من المعارضة السورية إلى حمل السلاح...وثمة من أخذ يجهر بذلك، لا بل أن بعض قوى المعارضة، أخذت تجاهر باستدعاء التدخل الخارجي...فالحسم بالسلاح والقوة، هو الخيار المتبقي للمعارضة، بعد أن عزّ التغيير بالوسائل السلمية، وتعذّر الحفاظ على "سلمية الانتفاضة"...هكذا يقول معارضون.

على الأرض، شاهدنا ونشاهد ارتفاع منسوب "الأعمال العنفية"...كل يوم نقرأ عن مجموعات مسلحة وعمليات وكمائن وجنائز رسمية...كل يوم يُقتّل عسكريون وأمنييون و"شبيحة"...أما ظاهرة الاغتيالات فهي إلى تزايد، وقد سجلت حمص وحدها، وقوع خمس حوادث اغتيال "نوعية" في أسبوع واحد، وعلى خلفية "مذهبية فجّة"، راح ضحيتها "مخترع" و"فيزيائي نووي" و"طبيب جرّاح" وغيرهم، وبصورة تعيد إلى الأذهاب ما  كان يحصل في مطلع ثمانينييات القرن الفائت.

واشنطن لم تعد تنفي وجود مظاهر "عسكرة" في الانتفاضة السورية...هي تقر بتفاقم هذه الظاهرة وتبررها وتُحمّل وزرها للنظام، الذي لم يترك لمعارضيه من خيار آخر سوى "امتشاق السلاح" وفقا لناطق أمريكي....والتطور نفسه تلمسه على خطاب دول أوروبية وإقليمية عديدة....كما أن تيارات سياسية عربية (الإخوان بشكل خاص)، أخذت تنبري للدفاع عن "عسكرة الانتفاضة" وتبررها.

الموقف من "عسكرة الانتفاضة" وطلب "التدخل الأجنبي"، لا يقسم المعارضة السورية ما بين داخل وخارج، فهناك معارضون من الداخل لم يتبنوا "العسكرة" لفظيا فحسب، بل ومارسوها على الأرض كذلك...وهناك معارضون في الخارج، ما زالوا على صيحات "سلمية...سلمية"، كما أنهم ما زالوا على رفضهم "التدخل الأجنبي"...لكن من الواضح أن معظم معارضة الداخل ضد العسكرة والتدخل، ومعظم معارضة الخارج مع العسكرة والتدخل، والأمر مفهوم تماماً، فمن يده في الماء ليس كمثل من يده في النار..و"الخارج" عرضة للانصياع لأجندات غير سورية أكثر من الداخل، إلى غير ما هنالك مسببات للتفارق والاختلاف.

مشكلة "العسكرة" برأي مناهضيها، أنها ستدمر النسيج الوطني والاجتماعي السوري، وستدخل البلاد في اتون الانفسام المذهبي والطائفي، وتلقي بها في أوحال "الحرب الأهلية"...وليس ثمة ما يضمن أو من يضمن، نجاح الانتفاضة المسلحة في إسقاط النظام، الذي سيكون قد تدجج بالمزيد من الحجج والذرائع للاستمساك بخياره "الأمني / العسكري" وتصعيده.

ذات المبررات، يسقوها مناهضو التدخل الخارجي لتبرير مناهضتهم السير على "الدروب الليبية"....ويضيفون إليها أن تدخلاً كهذا، سيضع بلادهم في "الجيب الأمريكي"، وسيفقدها سيادتها واستقلالها، ويحيلها إلى جرم يدور في الفلك الأمريكي، وهذا ما لا يريدونه لسوريا في مطلق الظروف ومختلف الأحوال.

حتى الآن، لم تعط واشنطن "الضوء الأخضر" لدعم تمرد مسلح في سوريا...وليس في الأفق ما يشي بقرب الإعلان عن "مناطق حظر طيران" على الطريقة العراقية، أو الأخذ بـ"سيناريو بنغازي" على الطريقة الليبية...لا بل أن السفير الأمريكي في دمشق روبرت فورد، أبلغ المعارض السوري الناصري حسن عبد العظيم، قبل أن يرشق بالبيض والبندورة، بأن بلاده لا تنوي التدخل عسكرياً في الأزمة السورية، وهي بالكاد قادرة على الخروج من المستنقع العراقي، وأن هذا هو لسان حال معظم الدول الأوروبية...إن كانت واشنطن والاتحاد الأوروبي لا يرغبا في التدخل، فمن يرغب إذن، ومن لديه القدرة على التدخل حتى وإن توفرت لديه الرغبة للقيام بذلك.

قد يقول قائل، أن تركيا ربما تكون صاحبة "الريادة" و"المبادرة" في قيادة ائتلاف إقليمي دولي للتدخل العسكري في سوريا...مثل هذا الأمر يبدو مستبعداً لأكثر من سبب...أولها أن تركيا ستكون قررت فتح جبهة لا أحد يعرف متى ستغلق على امتداد حدودها الجنوبية...وثانيها، أن حرباً  كهذه، ستقضي على صورة تركيا التي تسعى في تكريسها في العالم العربي، وستسقط كل ما حققته سياسة "القوة الناعمة التركية" في السنوات الماضية...وثالثها، أن جبهات عدة ستشتعل عسكرياً وأمنياً ودبلوماسياً في وجه أنقرة المنهمكة في حرب على النظام السوري، ليس الأكراد والقبارصة اليونانيين، سوى نماذج وساحات لـ"قوس أزمات" سيحيط بتركيا من جهات عدة، وسيحل هذه "القوس" محل سياسة "تصفير المشاكل" التي انتهجتها تركيا العدالة والتنمية وبشّرت بها.

خلاصة القول، أن "العسكرة" على وجاهة ما يساق من أسباب لتفسير انتشارها وتبريره، وأهمها بالطبع، قسوة النظام ووحشية وسائله القمعية...ليست سوى طريق للخراب والاحتراب....ليست سوى وصفة لـ"تطييف" المجتمع السورية و"مذهبته"...ليست سوى مدعاة وتمهيد لتدخل خارجي ضار، قد يحيل سوريا إلى "محميّة" أمريكية أو غربية، في الوقت الذي ما زالت تجثم فيه إسرائيل على صدر الجولان المحتل، وتشكل التهديد الأكبر للأمن الوطني السوري والقومي العربي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير