بيان اسطنبول...بقلم: غسان شربل

03.10.2011 07:39 AM

مع إعلان البيان التأسيسي لتشكيل المجلس الوطني المعارض، تدخل الازمة في سورية مرحلة جديدة اشد صعوبة وخطورة. يمكن الوصول الى هذا الاستنتاج عبر قراءة للقوى التي انضوت تحت اوسع مظلة تعلنها المعارضة منذ بدء الاحتجاجات. يمكن الالتفات ايضاً الى كون الإعلان جاء من اسطنبول، اي من اراضي دولة مجاورة لسورية كانت الى وقت قريب صديقة حميمة للنظام القائم فيها وإلى درجة أوحت بقيام علاقات تكامل دائمة بين البلدين.

يمكن ايضاً الوصول الى الاستنتاج المذكور بالعودة الى فقرة رئيسة في البيان جاء فيها: «يشكل المجلس العنوان الرئيس للثورة السورية ويمثلها في الداخل والخارج ويوفر الدعم اللازم بتحقيق تطلعات شعبنا بإسقاط النظام القائم بكل اركانه بمن فيهم رأس النظام، وإقامة دولة مدنية من دون تمييز على اساس القومية او الجنس او المعتقد الديني او السياسي... وهو مجلس منفتح على جميع السوريين الملتزمين بمبادئ الثورة السلمية وأهدافها».

واضح من البيان ان الاطار الذي اعلن غير معني بالتفاوض مع النظام او انتظار خطوات اصلاحية منه. الهدف الذي حدده واضح وهو يتمثل بإسقاط النظام بكل أركانه. وهذا يعني الخروج من اي رهان على مخارج عبر التفاوض تؤدي الى التعايش مع النظام في مقابل موافقته على التضحية بهيمنة الحزب وأجهزة الامن على الدولة والمجتمع. وبهذا المعنى، يمثل هذا الشق من البيان تجاوباً مع الشعارات التي يرددها المتظاهرون والتي تزايدت جذريتها وحدّتها بعد لجوء السلطة الى الاستخدام المفرط للقوة في قمع الاحتجاجات.

نظرة الى ما حققته السلطات السورية في الأشهر الستة الماضية تكشف معنى الخطوة التي شهدتها اسطنبول امس. حرصت السلطة فور بدء الاحتجاجات على الافادة من تجارب الربيع العربي في ساحات اخرى. منعت المعارضة من اقامة اي اعتصام دائم وآمن، اي من اقتطاع ميدان للتحرير يستقطب الشباب وعدسات المصورين. منعت ايضاً سيطرة المحتجين على اي مدينة يمكن ان تلعب في الاحتجاجات السورية الدور الذي لعبته بنغازي في احتضان مجلس وطني انتقالي. منعت كذلك اي انفلات لمنطقة حدودية يمكن ان تتسرب عبرها المساعدات للمحتجين على انواعها. وعلى جبهة اخرى، نجحت السلطة وعبر علاقاتها بروسيا والصين ودول اخرى في منع صدور قرار لمجلس الامن يدين ممارساتها ويمكن ان يسهل لاحقاً اي عقاب غربي او دولي لها. وفي المقابل، كانت المعارضة حائرة او مرتبكة، وقد تجلى ذلك عبر سلسلة المؤتمرات التي عقدتها. وعلى مدى ستة اشهر، قامت على الارض معادلة تنذر بنزاع طويل: لا الاحتجاجات قادرة على اقتلاع اركان النظام ولا النظام قادر على إنهاء الاحتجاجات.

 

قد لا تكون لخطوة اسطنبول انعكاسات مهمة او سريعة على مجريات المواجهة الدائرة في شوارع مدن وبلدات سورية، لكن انعكاساتها الخارجية لن تتأخر في الظهور. وليس سراً ان بعض الدول التي كانت ترغب في الذهاب ابعد في ادانتها للسلطات السورية، كانت تتحدث عن افتقار المعارضة الى عنوان جامع معترف به. بيان اسطنبول سيشكل فرصة لهذه الدول للذهاب ابعد ودعم التغيير الكامل في سورية. يصدق هذا على دول عربية وإسلامية، وكذلك على دول من خارج الاقليم.

في حال حصوله على اعتراف دولي واسع سيكون «المجلس الوطني» اكثر قدرة على مخاطبة الجامعة العربية والامم المتحدة والعالم. وسيكون اقدر على المطالبة بحماية المحتجين عبر «تفعيل المواد القانونية في القانون الدولي». يجدر هنا الالتفات الى الخطوات التركية في المرحلة المقبلة. الاكيد ان المواجهة في سورية تتجه نحو فصل اشد احتداماً وهولاً مما رأيناه في الشهور الماضية.

                                                                                         جريدة الحياة/ لندن

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير