طريق فلسطين لا تمر من طهران...بقلم: سليمان تقي الدين

05.10.2011 09:00 AM

المؤتمر الخامس الذي انعقد في طهران “لدعم الانتفاضة الفلسطينية”، يعيدنا بالذاكرة إلى ثقافة الخطابة الحماسية الاستعراضية التي لم تقدم شيئاً يذكر لقضية فلسطين . 

حملت الثورة الإيرانية منذ انتصارها راية فلسطين لتكوين شرعية عربية إسلامية لها . لكن بعد أكثر من ثلاثة عقود لم تتقدم القضية الفلسطينية خطوة نوعية جرّاء الدعم الإيراني المادي والسياسي . شكّل الدور الإيراني ذريعة إضافية في الغرب والكيان الصهيوني لكي يمارسا تشدداً في المطالب، ولكي يضعا إيران في دائرة التحديات التي يجب إزالتها لكي تتوافر شروط حل القضية الفلسطينية . لقد ربط الكيان الصهيوني أمنه القومي ونظرته الاستراتيجية في المنطقة بمدى قدرته على إخراج إيران من المعادلة العسكرية . 

أسهمت إيران في تغذية حركات الإسلام السياسي، إما بدعم بعض الحركات الموالية لها، وإما بواسطة استنفار حركات أخرى رأت في إيران مثالاً “للصحوة”، أو مثالاً لطرف صاعد منافس للإسلام الأكثري في المنطقة . كما استخدم الغرب الدور الإيراني ليشغل المنطقة كلها بتحديات أمنية وبسباق تسلح، ويفرض جدول أعمال آخر على شعوبها ودولها . استخدمت إيران القضية الفلسطينية لمد نفوذها إلى شاطئ البحر المتوسط، ولكي يكون لها هذا النفوذ بمثابة حزام أمني سياسي يوفر لها الظروف لكي تتحول إلى قوة إقليمية . لكن الخطاب الإيراني الجذري والأصولي لم يمنع إيران من التعاون مع الأمريكيين وتسهيل خطتهم لاحتلال أفغانستان والعراق والتفاوض معهم على اقتسام النفوذ . في دائرة المصالح القومية الإيرانية أو في دائرة المصالح السياسية لأي بلد يمكن اعتبار السياسة الإيرانية ناجحة وذكية وقوية . لكن في معيار المقابلة مع الفكر الأيديولوجي توطّن النفوذ الإيراني لدى قوى وأطراف لا تشكل عنصر توحيد لمقاومة السيطرة الإمبريالية على المنطقة . 

في مؤتمر طهران سمعنا خطاباً متشدداً في مسألة حقوق الشعب الفلسطيني . وقفت طهران عند شعار تحرير فلسطين وإنهاء الكيان الصهيوني، رفضت بوضوح حل الدولتين في لحظة حرجة من نضال الشعب الفلسطيني لكسب الشرعية الدولية لحقه في تقرير المصير على جزء من أرضه، حيث يقضمها الاستيطان . عملياً نجحت طهران في تسويق نفسها أحد الأطراف الإقليمية الفاعلة في سياسات المنطقة، وإحدى الدول المؤثرة في الصراع العربي  الصهيوني، كما في مسائل أخرى . لكن الموقع الذي وضعت نفسها فيه داخل الشعب الفلسطيني لا يسهم في تقوية حركة التحرر الفلسطينية . كان على حركة “حماس” و”الجهاد” اللتين دعمتهما طهران أن يتعاملا مع الدور الإيراني بإيجابية، وأن يتقاطعا في الموقف معه . لكن الأرض الفلسطينية في الداخل لا تستوعب هذا الموقف . فمازالت “غزّة” محاصرة وغير قادرة على أن تمارس الفعل الإيجابي في المقاومة . هي تملك مقومات مادية للدفاع عن “سلطة حماس”، لكنها لا تملك أي أفق لتحرير أي شبر من أرض فلسطين في ظل المعادلة الراهنة . 

في الخطب التي توالت على منبر طهران هناك التهديد العسكري الصاروخي الذي تملك منه طهران ما يكفي لإشعال حرب تدميرية، غير أن التوازن العسكري العام، فضلاً عن التوازن السياسي، يجعل مثل هذه الحرب عبثية . فلم نسمع في مؤتمر كهذا ما يوضح أي خطة مواجهة مع الغرب الاستعماري والكيان الصهيوني، وكيف يمكن تفكيك هذه الجبهة أو تهديد مصالحها . غير أن اللافت هو الارتباك الواضح في موقف كل الأطراف المشاركين في هذا المؤتمر من مسألة “الربيع العربي” . فهم لا يستطيعون تجاوز المشهد الشعبي المتعاظم وأولوياته وتحدياته . بينما ترتبط طهران بمصالح إقليمية ودولية لا تسمح لها أن تحسم في خياراتها بين دعم حركات الشعوب وبين علاقتها بالأنظمة . 

ومن الواضح أن المسألة السورية شكلت العقدة، حيث لطهران دور في صياغة الحل، أو التأثير فيه بما لها من نفوذ، مروراً بالعراق إلى سوريا ولبنان . غلّبت إيران مصالح الدولة على مصالح الثورة وعبّرت عن ذلك في خطاب متناقض، فهي إذ تجد في “الربيع العربي” شكلاً من النهوض الشعبي ضد أنظمة التخاذل أو التبعية، وهو ما يصب في خدمة قضية التحرر الوطني، وقفت عند الإشكالية السورية موقف المدافع المحافظ الذي يحسب مصالحه ونفوذه . وفي كل حال تركت السياسات المذهبية والقومية الإيرانية شوكتها المسمومة على المناخ العربي، بحيث لا تستطيع طهران أن تشكل مرجعية كما تتمنى لدعم حركات الشعوب . لقد انضمت إيران إلى ميزان القوى الرسمي وهي قوة يحسب لها الحساب في المعادلات، لكن طريق فلسطين لا تمر من طهران.

                                                                                                  جريدة الخليج/ الامارات

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير