خواطر على انغام 6 اكتوبر 1973 ..بقلم: حسن نافعة

06.10.2011 04:37 PM

ما زالت أحداث ذلك اليوم المجيد من تاريخ مصر محفورة بكل تفاصيلها فى ذاكرتى وكأنها وقعت بالأمس فقط، ولأننى كنت وقتها طالباً فى جامعة السوربون، ومشغولا بكتابة مشروعى لرسالة الدكتوراة، فقد اعتدت قضاء اليوم كله من الثامنة صباحا حتى السادسة مساء فى مقر المكتبة الوطنية الفرنسية الكائنة فى شارع ريشيليو. لذا لم يختلف نهار يوم 6 أكتوبر عن غيره من تلك الأيام، ولم أعلم بما وقع على جبهة القتال ضد إسرائيل إلا من شقيق زوجتى الذى كان ضيفى على العشاء فى تلك الليلة!. ما إن نطق ضيفى بخبر عبور الجيش المصرى لقناة السويس، حتى انتفضت واقفاً، فقد أحسست لحظتها بأننى فى حاجة ماسة إلى التواجد فى مكان عام أشعر فيه بمصريتى. اعتذرت لضيفى ورجوته أن يبقى مع شقيقته وانصرفت مسرعا. هدانى تفكيرى إلى التوجه على الفور إلى مقر المركز الثقافى المصرى فى قلب الحى اللاتينى، فوجدت أن الكل قد سبقنى إلى هناك. حينها بدت مصر كلها أنها باتت على قلب رجل واحد، ولم يغادر معظمنا المكان، إلا للضرورة القصوى، حتى وقف إطلاق النار، ورغم القلق الذى انتابنا عقب حدوث «الثغرة»، فإننا كنا جميعا نعيش أروع أيامنا فى تلك اللحظات، وكنا على يقين أن مستقبلاً واعداً بالسلام والازدهار ينتظر شعب مصر، ولم يتوقع أحد أبداً أن تفضى حرب أكتوبر المجيدة إلى ما أفضت إليه بعد ذلك.

عدت إلى القاهرة بعد انتهاء دراستى فى باريس قبل أيام قليلة فقط من زيارة السادات للقدس عام 1977، وأتذكر جيدا أننى تابعت هذا الحدث الحزين عبر التليفزيون وأنا فى سريرى أتصبب عرقا، بعدما أصبت بحالة أشبه بالحمى، وكنت فى حالة ذهول، ثم رحت أتابع الأحداث الجسام التى بدأت تهب على مصر والمنطقة كالأعاصير: التوقيع على اتفاقيتى كامب ديفيد عام 1978 ثم على معاهدة سلام منفردة مع إسرائيل عام 1979، واغتيال السادات على يد ضباط وجنود فى القوات المسلحة فى 6 أكتوبر 1981، وتولى مبارك بعد ذلك حكم مصر لمدة ثلاثين عاما متتالية، ليصبح هو وعائلته وحاشيته المستفيدين الرئيسيين، إن لم يكونوا الوحيدين، من حرب أكتوبر العظيمة.

أعترف أن «روح أكتوبر» لم تعد إلى نفسى طوال الأعوام التى قضيتها تحت حكم مبارك إلا حين اندلعت ثورة 25 يناير، ولأن جرح «الثغرة» كان لايزال ينزف فى داخلى، فقد خشيت أن ينفتح من جديد، وأن يفسد علينا إحساسنا بنشوة النصر الذى حققته ثورة يناير العظيمة بعد نجاحها فى إسقاط رأس نظام الفساد والاستبداد. لذا رحت أتابع ما جرى بعد ذلك بكثير من القلق، محذرا من وقوع ثغرة مشابهة لما حدث فى أكتوبر، ما لم نحسن إدارة المرحلة الانتقالية، ولم أتردد فى عقد مقارنة بين استفتاء 19 مارس، الذى نظم بعد الثورة، وبين «الثغرة» التى وقعت بعد الحرب، ورغم اعتراض بعض القراء على هذا التشبيه، فإننى، ومع كل يوم يمر، أزداد اقتناعاً بأن حالة الارتباك التى تشهدها مصر الآن ما هى إلا نتاج مباشر لهذا الاستفتاء. فكما استطاع شارون أن ينفذ بقواته إلى الضفة الشرقية للقناة عبر «ثغرة الدفرسوار»، لتبدأ بعدها سلسلة التنازلات التى قدمتها القوى التى ركبت موجة الحرب، واستهدفت سرقة منجزاتها، استطاعت فلول النظام السابق أن تنفذ بقواتها عبر «ثغرة الاستفتاء» لإجهاض ثورة يناير وسرقة منجزاتها.

لا وقت للبكاء على لبن الاستفتاء المسكوب، ولم تعد هناك جدوى لإعادة فتح باب الجدل حول قضية الدستور أم الانتخابات أولا. ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أعتقد أنه بات على كل القوى الحريصة على بناء نظام ديمقراطى حقيقى توحيد صفوفها، والعمل معا، لضمان أن تأتى الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة بمجلس شعب يعبر بصدق عن ثورة 25 يناير، وبرئيس للجمهورية يلتزم بالعمل على تحقيق أهدافها، فالقضية ليست إجراء «أى انتخابات والسلام»، وإنما ضمان أن تسفر الانتخابات عن بناء مؤسسات قادرة على الانطلاق على طريق التقدم والازدهار، وتمكين مصر من احتلال المكانة الإقليمية والعالمية التى تستحقها. أما إذا فشلت الانتخابات فى تحقيق هذا الهدف فسوف تكون تحولت فى الواقع إلى وسيلة لإجهاض الثورة وسرقة منجزاتها.

                                                                                                        عن المصري اليوم

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير