جوع يروي "عطش" الشمس...بقلم: بسام كعبي

12.10.2011 03:44 PM

مع نهاية مساء الاثنين، الثالث من أكتوبر، تنهي يا رفيق ستة أيام من الجوع الحر، تخطف إنتاج ساعات طويلة من عصارة أمعائك الفارغة وتسكبها في خيوط الشمس، لعلها تظل تنبض بالحياة وتشرق على زنزانتك الرطبة المعتمة لكنها المشبعة بالمجد والكرامة.

ظهيرة يوم الاثنين تأملت بصمت صور رفاق كفاحك تطير بين قبضات الشبان والشابات في مركز مدينة رام الله، تحملها السواعد بفخر وترتقي بها للسماء..أنتم المجد..أنتم فولاذ الزنازين المعزولة، وانتم أعلى من رفعة الكلمات التي تحاصرها بلاغة المفردات وتغتالها مكبرات الصوت. سيكتب التاريخ بحبر الأمعاء الخاوية سيرة البطولة الفذة، التي تمتلك بهشاشة عظامها الرقيقة وإرادتها الصلبة، تحطيم  جنون الاستبداد وصهر حديد الجلاد.

يا عاصم..على وقع التحدي الذي تخوضه بجوار رفاقك الأحرار، تجبرني على استعادة أسطورة سيزيف الإغريقية القديمة: محارب بارع يقع ضحية الماكر زيوس، الذي يحكم عليه بحمل صخرة من أسفل الجبل إلى القمة، وكلما اقترب سيزيف من النهاية يُسقط الجلاد الصخرة إلى أسفل الجبل، فيعود سيزيف ليحملها مرة تلو الأخرى في محاولة لكسر التعذيب الأبدي وقهر الجلاد..وانتم الآن بجوعكم الحر تحملون صخر الأمعاء إلى  سقف السماء، من أجل أن يتعلم سيزيف حكمة الصبر ويواظب على التحدي بهدف  قهر الجلاد القاتل.

يا أيها المتمرد الثائر الغاضب الذي يقطر أخلاقا..يا أيها الحالم بوطن كبير يطير بهدوء فوق الجغرافية ويهبط بسلم استجابة لحقوق المطاردين على لقمة عيشهم.. يا أيها المقاتل من اجل وطن للجميع يمتلك معايير أخلاقية نضالية لقطع الطريق على اختزاله مزرعة خاصة في جيوب التجار..اصمد فوق صراخ الأمعاء واسقها من فولاذ فكرك ورفعة مواقفك وطهارة سلاحك..اصمد في عتمة الزنزانة وبدد الظلام بنار الكرامة ونور الأمل..إن الانتصار قادم بفضل نضالكم وصرخة عنادكم وصلابة تحديكم.

يا عاصم.. لم تزل الحكايات التي تركتها خلفك تروي عمق الانتماء: هل تذكر من أين عثرت على لقبك الجديد "أبو جبر" قبل أن تبلغ الثالثة من العمر؟ هل تذكر رحلتك في الإبعاد القسري للاحتلال من مخيم بلاطة شرق نابلس  إلى مخيم عقبة جبر قرب أريحا في منتصف أيار العام 1980 على خلفية انتماء شقيقك احمد للمقاومة ومواجهته لجنود الاحتلال..يبدو أنك جهزت نفسك مبكرا باللقب الحركي، ثم انخرطت بلا تردد في أعلى أشكال المقاومة منذ اندلاع الانتفاضة الثانية في القدس، وتعرضت لمطاردة قاسية حتى ضاق الحصار، ثم وضعت على كتفيك ثماني عشرة نجمة تبرق في ظلمات سجنك وتبدد عتمة الزنزانة، وعندما تنتهي صلاحية كل نجمة، كنت تسحبها  بكرامة من فوق كتفك وتدفنها بتاريخ مسيرتك واحدة تلو الأخرى فيشتد الساعد أكثر ويرتفع الجبين أعلى، تواظب على زراعتها في طريق صعب من اجل أن تعبر عليها إرادة  ثائر  متماسك لا يتردد في توظيف خواء أمعائه لقهر جلاده..يا شقيقي العنيد لك صلوات والدتنا الصبورة بانتصار رفاق الأسر، ولك أدعية الشقيقات والأحباء والأهل والجيران بصمود اسطوري، ولك قبضات رفاقك تحمل أملا بزرع الشمس في الزنازين..ولك أيضا  صخرة سيزيف لتزرعها قذيفة بوجه جلادك.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير