صفقة فاخرة...بقلم: هاني عوكل

16.10.2011 05:33 PM

خمسة أعوام مضت على أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت، ولم يكن الاحتلال حينها بكل ما يملكه من أجهزة متطورة ومخابرات وعيون كثيرة، فضلاً عن آلته التدميرية، لم يكن قادراً على تحرير هذا الجندي الذي أصبح ربما، أهم جندي في إسرائيل والعالم.

إسرائيل اجتاحت قطاع غزة كثيراً، سواء أثناء أو بعد أسر شاليت، وهناك اجتياحات سريعة وبطيئة فقط حصلت من أجل كشف مكان هذا الجندي والعودة به إلى تل أبيب، لكن جميعها باءت بالفشل، وفي هذا الوقت الطويل لأسره، قدمت المقاومة عنواناً يتضمن قدرتها على أسر جنود إسرائيليين في أماكن لا يعرفها أحد، حتى على من يسمون أنفسهم بالدول الكبار.

لقد قام نتنياهو بما كان يفعله رئيس الوزراء الأسبق أيهود أولمرت، الذي أُسر شاليت في عهده، حيث أبقى أولمرت خيار التفاوض "شغالاً" مع وسطاء أجانب، دون أن يوافق على صفقة مع "حماس"، وفي نفس الوقت أمر بتكثيف كافة المحاولات من أجل تحريره بالطرق الاستخباراتية والعسكرية.

 

نتنياهو فعل هذا صحيح، وكادت أن تنعقد صفقة مع "حماس" قبل عام، لولا رفض إسرائيل في الأخير، الإفراج عن أسرى مهمين، بدعوى أن "أياديهم ملطخة" بدماء إسرائيليين، مع العلم أن نتنياهو في الأساس يرفض كل أفكار التبادل، بمعنى أنه لا يود أن يبادل جنديه بأسرى في سجون الاحتلال.

نتنياهو فعل ذلك الآن بالتفاوض وبالطرق السلمية، لأنه أدرك تماماً بأنه لا يملك خيارات لإطلاق سراح شاليت سوى بصفقة تبادل، وهو حينما أعطى أوامره لإتمام هذه الصفقة، فهذا يعني أن الجمهور يقبل من حيث المبدأ إتمامها، بأي ثمن كانت.

ثمة الكثير من يتحدث عن توقيت الصفقة وعن موضوع الاستثمار السياسي والخسارة الصافية والمربح الصافي...إلخ. في كل الأحوال، علينا أن نتفق أن تحرير أي أسير فلسطيني هو مكسب لشعبنا، ثم إن إعلان الصفقة سواء في وقت الجفاف السياسي أو في قمة الغنى، ليس بالأمر المهم، لكن المهم هو طبيعة ومحتوى الصفقة؟

من حديث نتنياهو عن الصفقة، يتضح أنه المعني الأكبر في إتمامها، لعدة اعتبارات، أولها أنه يريد تحرير شاليت وتقديم رسالة للرأي العام الإسرائيلي، أن حياة هذا الرجل غالية حتى ولو كلفت الكثير. ثانياً، نتنياهو تحدث عن احتمال انعدام الفرص أمام إسرائيل، في ظل التغيرات الدراماتيكية في الشرق الأوسط، ولذلك هو يفضل قبول عرض الفرصة والحصول على شاليت، قبل فوات الأوان.

أيضاً، ربما يريد أن يقول نتنياهو للعالم، إن هذا التفاوض الذي جرى حول شاليت، إنما هو طريق طويل لكنه تحقق، وأن على الطرف الفلسطيني أن يبقى مجرباً لطريق المفاوضات، وفي النهاية قد يجني شيئاً كما جنى آسرو شاليت.

 

إعلان الصفقة الآن بالنسبة لحماس، شيء مهم، كونها تشعر منذ فترة قريبة، وتحديداً منذ الذهاب الفلسطيني الرسمي إلى الأمم المتحدة لطلب عضوية كاملة لدولة مستقلة، نقول باتت تشعر "حماس" بالإهمال الشعبي الذي شعر بالخيبة بسبب تعثر طريق المصالحة.

هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى، فإن "حماس" ترغب بفتح قنوات جيدة مع مصر الثورة، خصوصاً بعد حالة الشد والجذب في الوضع السوري، ونعلم أن الوسيط المصري له الدور الأكبر في إتمام صفقة الأسرى، بعد توقف مساعي الوسيط الألماني.

الصفقة كانت منذ فترة طويلة تدور عن 1000 أسير، وهي لم تنجح لأنها خضعت من قبل إسرائيل لمناورة رفض إطلاق سراح من تصفهم بالمهمين، لكنها الآن عادت لتوافق على إطلاق سراح 1027 أسيراً، ثلثهم تقريباً محكومين بالمؤبدات، مع تبييض السجون بإطلاق سراح كافة الأسيرات والأطفال.

هذه الصفقة مثلما يقول المثل "محرزة"، وأسير فلسطيني واحد، أغلى من شاليت وعائلته وبلاده، ولا يجوز القول إن شاليت كلف الشعب الفلسطيني كثيراً، لأن الاحتلال الإسرائيلي أساساً غير محترم، وهو يكلف الشعب الفلسطيني دائماً، من دمه وماله وكل ما يملك.

صحيح أن شاليت سيعود إلى دياره لوحده، وصحيح أن أسرانا سيعودون على دفعتين، لكنه الاحتلال، يملك القوة التي تمكنه من أسر الفلسطينيين، وهو لم يتوقف يوماً عن ممارسة هذه السياسة، حتى أن جزءً كبيراً من شعبنا تعرض للأسر على مدى العقود والسنوات الماضية.

إن إسرائيل في اجتياح واحد، يمكنها قتل فلسطينيين وأسر آخرين، وتشريد الناس وهدم منازلهم، ولعل سياسة الأسر هذه، إنما هي جزء من سياسة الاحتلال في تركيع الشعب ومحاولة ثنيه عن المطالبة بحقوقه المشروعة.

 

المهم الآن، أن تتم هذه الصفقة ويتحرر أسرانا من الاحتلال الغاشم، حتى يكون لهم دورهم المسؤول والملتزم في القضايا الوطنية، فهم جزء من نسيج ولحمة هذا الشعب، وكلمتهم مسموعة جداً، لأنهم أصحاب حق وأهل للثقة والنضال الوطني.

ولأنهم كذلك، فإنه ينبغي على قيادتنا أولاً، أن تضع على عاتقها تأمين هذه الشريحة التي نضالت بالوكالة عنا، وتعرضت للأسر بالوكالة عنا، تأمينها من كل شيء، مسكن وملبس وراتب مناسب، وثانياً، إدماجها في المؤسسات المختلفة والاستفادة من تجاربها النضالية. ثالثاً، على القيادة الوقوف مع الأسرى المضربين عن الطعام في سجون الاحتلال، بسبب القسوة الشديدة التي يتعرضون لها، فضلاً عن هضم حقوقهم.

نعم هذه الصفقة جميلة ومهمة، هي جميلة لأنها تعبر عن وحدة الشعب الفلسطيني، خصوصاً وأن جميع الأسرى المنوي الإفراج عنهم ينتمون لفصائل متنوعة، وهي مهمة لأنها مصدر لفرحة عارمة تطال جميع الفلسطينيين أينما تواجدوا.

لكن، ألا يستحق أسرانا فرحة توازي هذه الفرحة، ألا يستحقون مصالحة شاملة تنهي كل عناوين الانقسام، وتحقق المصلحة الكلية للشعب الفلسطيني؟ لقد كان هناك دور فعال للحركة الأسيرة في صياغة موقف رائع يتصل بوثيقة الوفاق الوطني، نحن الآن بحاجة إلى هذا الجهد من أجل الوصول إلى اتفاق يجمعنا.

إن عمر أسر شاليت بعمر الاقتتال الداخلي الذي أنهك قوى الشعب ورحّل جزء منه إلى الضفة الغربية ودول الشتات، والآن يعود شاليت إلى منزله بصفقة تبادل، بينما لم يغادرنا الانقسام إلى هذه اللحظة، فإلى متى يغادرنا بصفقة العمر هذه؟؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير