القذافى.. نهاية فظيعة...بقلم: سلامة أحمد سلامة

24.10.2011 04:18 PM

وضعت النهاية المأساوية للعقيد الهارب خاتمة فظيعة لعهد من الطغيان، كانت كل الدلائل فى حياته تشير إلى أن مصيره لن يكون طبيعيا.. فقد اجتمعت لديه صفات الجهل والغرور وقصر النظر ما هيأ له أن تكون موتته بالطريقة التى قتل بها.. فى نفق تحت الأرض كان هو ملاذه الأخير بعد أن قصفت موكبه طائرات حلف الأطلنطى وتركته جريحا ليجهز عليه الثوار الليبيون، وهى الطريقة التى حاول الغرب بها منذ البداية أن يقنع العالم بأن الشعب الليبى هو المسئول أولا وأخيرا عن كل الكوارث التى حاقت به.. هو الذى أبقى على القذافى ونصّبه واختاره زعيما يتصرف فى مقدرات البلاد وثرواتها دون حساب، ويعلمهم الديمقراطية على طريقته، ويتفنن فى إذلالهم أربعين عاما طوالا، ثم كان الشعب هو الذى ذبحه بيده!

لم يتعلم القذافى شيئا من سابقيه، بل ربما كانت نهاية صدام حسين هى التى أيقظت غريزة التحدى والعظمة الكاذبة لديه. فانتهج نفس الأسلوب وهو يظن نفسه أكثر جسارة ودهاء.. لديه ثروة بترولية لا تكاد تنضب، حولها إلى أسلحة وقاذفات ودبابات وذخائر بغير حصر، وساعده الغرب على تحقيق طموحاته طالما استمر تدفق الخام الليبى وطالما ظل الغرب مسيطرا على أفكار العقيد وخططه فى انتظار اللحظة المناسبة.

كان تونى بلير رئيس الوزراء البريطانى الأسبق يتمسح فى أعتاب القذافى كالكلب الذليل ــ وهو الوصف الذى أطلقه الأمريكيون عليه فى علاقته ببوش ــ ويأتى إليه بيرلسكونى رئيس وزراء إيطاليا يتراقص ومعه عشرات الفتيات الإيطاليات للتسرية عن العقيد.. وذلك بعد العملية الإرهابية التى قامت بها مخابراته وأسقطت طائرة الركاب فى «لوكيربى». ثم اضطرت اسكتلندا تحت ضغوط بريطانية إلى الإفراج عن «المقرحى» مرتكب الحادث.

تاريخ حياة العقيد ومغامراته وأخطائه هو تاريخ «السفالة» الغربية والانحطاط الأوروبى فى التعامل مع دول العالم الثالث، وانتهاج سياسات ملتوية تجمع بين الطمع والانتهازية، وتتسابق إلى قطف الثمرة لحظة نضجها قبل أن تسقط بلحظات، وتقوم على اعتبار الثروات المطمورة فى باطن هذه البلاد من حقها وليس من حق شعوب جاهلة لا تعرف قيمتها!!

ولكنه أيضا تاريخ التخلف الحضارى والعجز عن ملاحقة التقدم بالنسبة لشعوب نالت استقلالها قبل موعدها.. واختلطت لديها معانى الحرية بالفوضى، والتدين بالنكوص إلى الماضى، والعلم بالسحر. فلم تنل من حضارة العصر غير القشور، ولم تثمر أشجارها غير ثمار فاسدة.

فى التاريخ العربى المعاصر، كان الاستبداد هو سيد الموقف ومازال وقد توالى سقوط المستبدين العرب، سواء منهم من ساقته ثورة شعبه إلى نهاية مؤلمة، أو وقف وحده يقاوم منطق الطبيعة ونهاية الطغيان. يتأرجح على حافة الهاوية.. وانظر حولك كم واحدا منهم ينتظره مصير صدام أو القذافى وهو مغيب عن الحقيقة. يلعنه شعبه ليل نهار ويتجمع حوله الأعداء من الغرب والشرق، ينتظرون لحظة الخلاص منه وممن حوله من الأبناء والأحفاد.

لم يكن القذافى وحده المسئول عما ارتكبه من جرائم فى حق شعبه وفى حق الأمة العربية ولكن يشاركه فى الجريمة زعماء عرب من بينهم الرئيس المصرى السابق حسنى مبارك ــ وربما بدرجة أقل الرئيس جمال عبدالناصر ــ وغيرهم ممن زرعوا فى شخصيته بذرة الزعامة الكاذبة. ولقد حاولوا تقويم اعوجاجه حين أفلت من السيطرة ولكن دون جدوى. وازدادت درجة جنونه وغروره فى السنوات الأخيرة حتى أفلت من كل قيد عقلانى وانتهى به الأمر إلى هذه النهاية الدامية.

                                                                                                          جريدة الشروق المصرية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير