ربيع عربي أم سايكس بيكو جديد؟...بقلم: هاني المصري

25.10.2011 11:55 AM

الطريقة البشعة التي قتل فيها القذافي، التي لم تقتصر على تعرض موكبه إلى قصف من طائرات الناتو، ما يدل على وجود أصابعه فيما جرى بعد القصف أيضًا، إلى اعتقاله حيًا، وضربه وتعذيبه، وممارسة أعمال شائنة بحقه، ثم قتله دون تحقيق ولا محاكمة، وإلقائه عاريًا في مصراته (إمعانا في الثأر والانتقام)، تطرح علامة سؤال جديدة تعزز أن ما يجري في ليبيا خصوصًا، والمنطقة العربية عمومًا، ليس ربيعًا عربيًا فقط، وإنما ثورات عربية تتسابق مع فرض سايكس بيكو جديد على المنطقة؛ لوراثة - كما قال هيكل- بقايا المشروع القومي العربي لصالح مشاريع أميركية - أوروبية، وإيرانية، وتركية، وإسرائيلية، وهذه نتيجة طبيعية لغياب مشروع عربي يحفظ حقوق ومصالح الشعوب العربية.

إن قتل القذافي يذكرنا بإعدام صدام حسين بعد "مسرحية المحاكمة"، وباغتيال أسامة بن لادن بالرغم من معرفة مكانه منذ مدة، ومن إمكانية اعتقاله حيًا، وباغتيال العولقي في اليمن، والمبحوح في الإمارات، وبكل ما تقوم به القوات الأجنبية في أفغانستان والعراق، وما تقوم به إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. ولا يوجد سوى الانتقاد اللفظي الخجول من الغرب والمجتمع الدولي، الذي ينتفض ويقيم الدنيا ولا يقعدها إذا تعرض يهودي أو إسرائيلي إلى الاعتقال، أو إلى أي شكل من أشكال معاداة السامية، ولا يحرك ساكنًا إذا ارتكبت إسرائيل كل جرائم الحرب والعقوبات الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.

لن نصدق زعماء الغرب الذين كان صدام حسين حليفهم الأوثق وهو يشن حربه على إيران، وأصبح الطاغية عندما أراد أن يلعب دورًا في المنطقة. وعندما أوقف القذافي برنامجه النووي والكيماوي وتعاون مع الغرب في حربه ضد الإرهاب أصبح مثل الأم تيريزا، حيث تقاطر زعماء أميركا وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا لزيارته والإشادة به، وبعد الثورة المصرية دافع الغرب، خاصة الإدارة الأميركية عن نظام حسني مبارك، باعتباره "صمام الاستقرار" في المنطقة، وغير قابل للسقوط ليتحول بين عشية وضحاها إلى طاغية يجب أن يرحل فورًا، الآن الآن وليس غدًا، وهكذا حصل مع زين العابدين، حيث عرضت فرنسا مساعدته في بداية الثورة ضده، ثم انقلبت عليه عندما بات مصيره واضحًا.

لقد أصبح القتل دون اعتقال ومحاكمة نهجًا سائدًا معمما يستحق الترحيب بدلًا من الإدانة، ووصلت المعايير المزدوجة الأميركية والأوروبية ذروتها، بالترحيب بالنهاية الهمجية للقذافي، وبتهنئة إسرائيل من قبل كاترين آشتون وباراك أوباما لتحرير شاليط وعودته سالمًا، وعدم تهنئة الفلسطينيين بإطلاق سراح مئات الأسرى الذين كانوا أبطال الحرية وليسوا إرهابيين، ومورست بحق الكثير منهم عقوبة جماعية جديدة بمنعهم من العودة إلى بيوتهم وديارهم، وفرض تهجيرهم بعيدًا عنها لمدة طويلة تصل إلى عشرين عامًا.

ولم ينبس الغرب ببنت شفة إزاء قيام المستوطنين بتهديد الأسرى المحررين، والإعلان عن مكافأة قيمتها مائة ألف دولار لكل من يقوم بقتل أسير محرر، دون أن تحرك الحكومة الإسرائيلية ساكنًا على مرأى ومسمع من العالم كله الذي واجه هذه الحملة الإرهابية بصمت القبور. ووصل الاستهتار الأميركي بالفلسطينيين إلى حد التحذير من مغبة إطلاق سراح أسرى "مارسوا الإرهاب" ضد إسرائيل.

لم يقدم الناتو المساعدة للثورة الليبية من أجل تغيير النظام الديكتاتوري، ولكي تنعم ليبيا بالحرية والديمقراطية والاستقلال، ولكن من أجل تقاسم نفط ليبيا، ومنع الثورة من تحقيق أهدافها، تمامًا مثلما حصل في العراق الذي تم احتلاله وتدميره وقتل أكثر من مليون شخص، وتقسيمه فعليًا، بحيث عاد مائة سنة إلى الوراء، ولا يعرف أحد متى سيعود كما كان عليه قبل العدوان والاحتلال.

وما يفعلونه في ليبيا عبر القوة العسكرية، يحاولون فعله في مصر وتونس واليمن وسوريا وبقية البلدان العربية التي لم تشهد ثورات، من خلال مختلف أشكال التدخل السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية، الرامية إلى إبقاء المنطقة العربية أسيرة التخلف والتبعية والتجزئة والجهل والاستبداد، مع تغييرها شكليًا من خلال إقامة أنظمة ديمقراطية مشوّهة.

إن الغرب يدرك تمامًا أن الربيع العربي إذا انتهى بقيام أنظمة عربية ديمقراطية مستقلة، ستكون حرة ومعادية لإسرائيل ولكل أشكال الهيمنة الخارجية المفروضة على المنطقة، لذلك تحرك بسرعة لإجهاض الربيع العربي قبل بلوغه غاياته، تطبيقًا لمشاريع تم وضعها سابقًا لفرض قيام "شرق أوسط جديد"، يقضي على أي أمل بـ"قيامة العرب". فكما قال طوني بلير، أمس الأول، إن الربيع العربي يهدد إسرائيل والسلام معها، لذا يجب إعادة المفاوضات إلى مسارها السابق.

وفي هذا السياق، أضم صوتي إلى هيكل الذي حذر من مؤامرة الفتنة الطائفية التي يراد تعميمها في المنطقة، من خلال إيجاد صراع سني - شيعي، وأضيف إليه صراعًا إسلاميًا – مسيحيًا، واستنفار كل الأثنيات والأقليات والطوائف في صراع لا ينتهي؛ لكي تسيطر الفتن والحروب الداخلية والإقليمية على المشهد في المنطقة برمتها، ليحرف الصراع عن مجراه الأساسي نحو صراعات ثانوية، بحيث تصبح إيران والشيعة هما العدو والشيطان الأكبر الذي يستنزف الصراع ضده طاقات شعوب وبلدان المنطقة بعيدًا عن إسرائيل، الذي يشكل قيامها واحتلالها ودورها الاستعماري العنصري مصدر التهديد الأساسي للاستقرار في المنطقة، وبما يمكّن إسرائيل من استكمال تصفية القضية الفلسطينية. 

إن وجود مؤامرات خارجية لا يعطي صك براءة لأنظمة التبعية والفساد والاستبداد التي سادت بدرجات متفاوتة في البلدان العربية، فالخيار ليس بين اللامعقول (الأنظمة العربية التي عاثت فسادًا في الأرض)، وبين اللامقبول (الاستعانة بالتدخل الأجنبي الذي يجعل المنطقة العربية تحت رحمة مشاريع  الهيمنة الجديدة).

فالمطلوب، انتشار وانتصار الربيع العربي، ولكن على أيدي الثورات العربية، وبدعم صادق من كل الأحرار والقوى التقدمية والديمقراطية حقًا في العالم كله، وليس من أدعياء الحرية والديمقراطية الذين لا يهمهم سوى استمرار هيمنتهم وإعادة تقسيم المنطقة.

وأخيرًا، أضم صوتي أيضًا لهيكل، وأنبه الإخوان المسلمين بألا تأخذهم نشوة بداية الاعتراف الأميركي والغربي بهم؛ لأنه ليس اعترافًا بحقهم وجدارتهم وحكمتهم، وإنما محاولة لاستخدامهم في الصراع ما بين "الإسلام المعتدل" و"الإسلام المتطرف"، وفي بث الفتنة بجر المنطقة إلى صراع شيعي- سني، وإسلامي – مسيحي، بعيدًا عن قضايا ومصالح شعوب المنطقة، وهو صراع نعرف كيف يمكن أن يبدأ (وهو بدأ فعلًا)، ولا نعرف إلى أين وكيف يمكن أن ينتهي.

من حق الإخوان المسلمين المشاركة في الحياة السياسية في البلدان التي يتواجدون فيها، ولكن هذا ليس منّة تمنح لهم من أحد، لا سيما من الدول المسؤولة عن دعم الأنظمة التي شنت حروبًا ضد الإخوان المسلمين، وغيرها من القوى والحركات العربية التي عانت الأمرين من أنظمة مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، بحجة دعم الاستقرار، وأنه أكثر أهمية من الحرية والديمقراطية وتقدم شعوب المنطقة، التي لا تقبل على حد زعمهم بحكم خصائصها وثقافتها وتخلفها ودينها الديمقراطية.

فالديمقراطية كما يزعمون، اختراع غربي لا ينفع سوى للدول الغربية والدول التي تسير وفق النموذج الغربي، بغض النظر عن اختلاف الظروف والخصائص والمصالح والمراحل، وعندما فاجأهم الربيع العربي يحاولون حرفه عن مساره الطبيعي ليصب في خدمة مشاريعهم ومصالحهم.

 

نعم للربيع العربي، ومليون لا لسايكس بيكو جديد يريد تقسيم المنطقة، ليس جغرافيًا حسب البلدان، كما جرى سابقًا، وإنما وفقًا للموارد والثروات والأسواق، وهنا، نأمل ألا تنجر تركيا وإيران إلى هذا السباق لكي يأخذا حصصهما من "الرجل العربي المريض"، مثلما أُخِذت الحصص من الدولة العثمانية التي خرجت مهزومة وضعيفة من الحرب العالمية الأولى.

إن عملية التشابك ما بين مهمات التحرر الوطني والديمقراطي تفرض على الشعوب العربية وثوراتها ألا تفصل ما بين ضرورة الاستقلال الوطني والسيادة، وما بين الحرية والديمقراطية؛ لأن الفصل سيقود حتمًا، آجلًا أم عاجلًا، إلى استبدال حاكم وليس حكم، أي استبدال الأنظمة القائمة، أو التي كانت قائمة، بأنظمة لا تختلف جوهريًا عن سابقاتها إلا بإصلاحات محدودة، تُبقي الأنظمة الاستبدادية في جوهرها الأساسي مغطاة بديمقراطية زائفة، بحيث لا تضع أقدام شعوبها على طريق الحرية والاستقلال والتنمية والديمقراطية الحقة، التي لا تقوم أساسًا ولا فقط على الانتخابات، فهناك انتخابات تجري في عدة بلدان عربية منذ سنوات عديدة، ولكن هذا لم يقد إلى الديمقراطية.

 يمكن الآن تعميم تجربة هذه البلدان مع بعض التغيير، وهذا ما يجب عدم الاكتفاء به، فالشعوب العربية، كما أثبت ربيعها، قادرة وجديرة بتحقيق الحرية والسيادة والاستقلال والديمقراطية، وثورتا تونس ومصر برهنتا على إمكانية ذلك وضرورته أيضًا، شرط الوعي بطبيعة المرحلة وحقائقها واتجاهاتها وما يخطط للمنطقة وشعوبها؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير