مطلوب الآن دويلات عربية بمقاسات طائفية... بقلم: د.حسن عبد الله

29.10.2011 12:59 PM
كان النصف الثاني من القرن الماضي حافلاً بالشعارات والتوجهات القومية، على مستوى الاحزاب، وعلى مستوى بعض انظمة الحكم. ولقد اعطى جمال عبد الناصر الطروحات القومية بعداً عملياً لقي تشجيعاً والتفافاً جماهيرياً من المحيط الى الخليج، وهذا أمر طبيعي، لأن المواطن العربي هو في الاصل قومي الانتماء لعوامل معروفة أُشبعت ذكراً وشرحا في الماضي والحاضر، ثم ليجد هذا المواطن نفسه يعيش في مناخ قومي، وتنتعش عروبته بخطابات عبد الناصر وبما كانت تبثه الاذاعات المصرية التي ما انفكت تدعو للقومية وتبشر ليلاً نهاراً بحتمية توحيد العرب في دولة قومية واحدة تضمن لهم مكاناً مرموقاً تحت الشمس.

عوقب عبد الناصر على مواقفه بعدوان العام 56، وهزيمة العام حزيران، لكنه ظل متمسكا بمواقفه الى ان رحل عن هذا العالم بعد ان ملأ العرب حماساً وأملاً وكرامة. واستمرت التوجهات القومية لدى عدد من الاحزاب والانظمة ، لكنها أخذت تتراجع بشكل مضطرد، بخاصة عندما تم توقيع معاهدة كامب ديفيد التي أخرجت الدولة العربية الكبرى من معادلة المواجهة مع اسرائيل الى ميدان التطبيع الرسمي.

وقد عملت الدول الغربية في مرحلة التنافس والصراع مع الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الأخرى، على دعم بعض الانظمة العربية وتعزيز مكانتها، من منطلق انها خارج تحالفات ونفوذ الاتحاد السوفييتي. وبعد ان تفككت الدول الاشتراكية وانقلبت على اشتراكيتها تنشد الرأسمالية واتجاهات السوق، تغيرت المعادلة واصبح توجه دعم بعض الانظمة للحفاظ على الدولة العربية القطرية ، ليس خطاً استراتيجياً غربياً. بل ان تفكيك الدولة القطرية كما شهدنا في السنوات الأخيرة قد تحول الى استراتيجية، بحيث يتم تجزئة الدولة وفق توجهات ومنطلقات طائفية وإثنية وقبائلية، والمخطط الذي استهدف العراق والسودان سيمتد بكل تأكيد ليطال اليمن وليبيا ودولاً عربية أخرى.

اذن المطلوب الآن دولة طائفية او اقاليم طائفية تُشظي الدولة القطرية وتضعفها، بل وتنشئ تنافساً وصراعاً تناحرياً بين الدويلات او الاقاليم الاخرى انطلاقاً من خلافات طائفية او تضارب في المصالح الاقتصادية او نتيجة نعرات قبلية. أي اننا مقبلون على ارتداد الى مرحلة ما قبل الدولة القطرية، حيث سنعيش حقبة مظلمة قاتمة، وسنكون غير قادرين على اتخاذ القرارات او السيطرة على الصراعات او الحفاظ على مواردنا، لاسيما البترول الذي هو محط انظار قوى خارجية.

ومعلوم ان الانتفاضات العربية بدأت بمطالب شعبية مشروعة مردها الواقع الصعب الذي عاشه المواطن، في ظل أنظمة رفعت شعارات وطنية وقومية، لكنها اهملت حياة المواطن وامتهنت انسانيته، فانتفض ضدها يطالب بخبز معجون بالكرامة. لتلتقط هذا المتغير جهات خارجية ركبت موجة الانتفاضات وحاولت وتحاول حرفها عن اتجاهها الصحيح، لتكون البداية انتفاضة شعبية مشروعة، ثم ينتهي الأمر بدولة مفتتة تحتاج الى سنوات من العمل والبناء لإعادة اعمارها، وعلى حساب قوت ابنائها، ليبقى المواطن يدور في دائرة من العوز والفقر.

ان ما تحقق في تونس ومصر كان شعبياً بامتياز، مع أن هناك تحديات جسيمة تنتصب أمام البلدين تتطلب معالجات جذرية، فيما ان تصميم الشعبيين على تأسيس تجربتين ديمقراطيتين بات لافتاً ومشجعاً ومطمئناً، لاسيما اذا نجح المصريون والتونسيون في قطع الطريق على اية محاولات لاثارة نعرات طائفية او مناطقية او جهوية. اما التجارب التي نشهدها في دول عربية أخرى فإنها محفوفة بالمخاطر. ونحن الآن نضع ايدينا على قلوبنا خشية ان نرى المجزأ في عالمنا العربي وقد ازداد تجزئة وتشظياً.

وأخيراً فإن اسرائيل وحلفاءها من اولئك الذين يضغطون على السلطة للاعتراف بيهودية الدولة، سيجدون ان الدولة الطائفية (المصبوغة بمصالح وتوجهات طائفية)، اصبحت نمطاً شبه عام في المنطقة، وبذلك فإن اسرائيل لن تكون استثناءً، وانما ضمن السياق العام المألوف المتعارف عليه. وهنا يكمن خطر التجزئة الطائفية والقبلية. اي مساعدة اسرائيل على التحول من دولة استثناء تعرف نفسها دينياً الى دولة لا يختلف حالها عن دول أخرى في المحيط ، ما يشكل بالغ الضرر على الفلسطينيين، الذين يرفضون الاعتراف بدولة تعرف نفسها دينياً، حيث أكد هذا الرفض مراراً الرئيس محمود عباس.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير