نحن وإسرائيل .. من يضحك أخيراً ..بقلم: عريب الرنتاوي

30.10.2011 10:19 AM
إن صحت الأنباء، بأن دوائر القرار السياسي والأمني، تلقت تقارير ومعلومات تؤكد جنوح حكومة نتنياهو – ليبرمان، لتبني خيار "الفوضى الخلاقة" والتلطي خلف "دخان ربيع العرب وسحبه" لتمرير مؤامرة "الوطن البديل" في الأردن، وعلى حساب الأردن وفلسطين معاً، فيما يشبه الانتقال إلى "الخطة ب" بعد أن فشلت عملية التفاوض وخيار الحلول التعاقدية (الخطة أ)...أقول إن صحت هذه الأنباء، وليس ثمة ما يمنع أبداً أن تكون صحيحة...فإننا في الأردن وفلسطين معاً، مطالبون بأن نشرع فوراً في إنجاز "الخطة ب" خاصتنا، وأن نبنيّ على الشيء مقتضاه.
مثل هذه الأنباء والتسريبات التي لا نجادل في صحتها، ليست رهنا بهذه الحكومة...فحكومات إسرائيل القادمة ستكون أكثر تطرفاً حكماً، والسبب أن المجتمع الإسرائيل المنتج لهذه الحكومات، ما انفك ينزاح سنة بعد أخرى، ومنذ عشرين عاماً أو يزيد، صوب اليمين الديني والقومي ويخضع بصورة متزايدة لتأثيرات "لوبي الاستيطان"...ومن منّا ينتظر بفارغ الصبر رحيل هذه الحكومة، أملاً في انبعاث رهانات السلام مجدداً، عليه أن يتذكر بأن يوماً سيأتي "سيترحم" فيه على هذه الحكومة مثلما "ترحم" من سبقه على حكومة أولمرت – باراك.
لقد أسقطت إسرائيل عن سبق الترصد والإصرار، حل "الدولتين"...ولأنها لن تكون في يوم من الأيام إلى جانب حل "الدولة الواحدة ثنائية القومية" أو "دولة المواطنة المتساوية"...فإنها تبقينا مع خيار واحد أوحد: الترانسفير السياسي للفلسطينيين، تحت شعارات ويافطات ملتبسة ومموهة، تسعى في استغلال "الحالة الانتقالية" التي تعيشها الدول والمجتمعات العربية، لتمرير أغراضها الشريرة وأهدافها الاستعمارية المضمر منها والصريح.
لكن أمراً كهذا، لا ينبغي أن يصيبنا بحالة من الهلع....فإسرائيل لم تعد صاحبة "اليد العليا أو الطولى" في المنطقة...إسرائيل في تراجع استراتيجي، يعترف به قادتها ومفكروها وخبراؤها...إسرائيل لم تعد كليّة القدرة...وهي بكل تأكيد ليست قدر المنطقة الذي لا فكاك منه.
إسرائيل تعيش في بيئة استراتيجية/ إقليمية غير مواتية...هي الأسوأ منذ سنوات وربما عقود، كما تقول تقارير مراكزها الأمنية والاستراتيجية...اسرائيل تشكو "الفراغ العظيم" في الشرق الأوسط، والناجم تراجع الدور الأمريكي وتدهوره أولاً...وعن اندلاع ربيع العرب وخروج الشارع العربي من قمقمه ثانياً...وعن انسدال الستارة على فصل الختام في مسرحية عملية السلام ثالثاً....هذه العوامل بنظر عوديد عيران على سبيل المثال لا الحصر، من شأنها أن تحد من قدرة إسرائيل على الاستناد إلى تفوقها العسكري، فثمة حدود آخذة في التناقص لحركة جيشها وحرية آلتها الحربية...وهذه العوامل أيضاً، من شأنها أن تشجع أطرافاً إقليمية ودولية على "نفض يدها" من إسرائيل، بل والتطاول عليها وتناولها بالنقد والتنديد والعزل والتشهير (تركيا نموذجاً)....والأهم من كل هذا وذاك، أن أية حماقة إسرائيلية مستقبلية من نمط حرب تموز أو حرب الرصاص المصبوب على رؤوس أطفال غزة، ستجعل من إسرائيل، هدفاً للغضب والاحتجاج المتأجج في الشوارع العربية والعالمية، وسيكون لها انعكاسات خطيرة على سلام إسرائيل مع الدول العربية....وسيترتب عليها، تآكل غير مسبوق في صورة إسرائيل وقدرتها الردعية.
إسرائيل تواجه عزلة دولية متزايدة...وهي تشكو التآكل المتواصل في "شرعيتها"...زمن الحماقات الكبرى غير المكلفة، ولّى إلى الأبد...وإسقاط أهداف ومرامي مشاريعها السياسية والعسكرية بات أمراً ممكناً، بل وممكناً جداً...المهم أن "نجرؤ على الانتصار"...وأن نقرأ من "خارج الكتب"...وأن ننبذ الأوهام والرهانات الخائبة...وأن ننتتقل في سياساتنا واستراتيجياتنا من مرحلة الدفاع السلبي إلى مرحلة الهجوم الاستراتيجي، العاقل والرشيد، والمنضبط لروح العصر وأدواته ووسائله، وهي كثيرة وفاعلة، وغالباً غير مكلفة، أو ذات كلفة محدودة، قادرين على احتمالها....إسرائيل هي من يتعين عليه أن يقلق جرّاء تآكل النفوذ الأمريكي وإشراقة ربيع العرب...لا بدائل لواشنطن على الساحة الدولية، تملأ فراغها في المنطقة...لا روسيا ولا الصين كما قال عيران ذاته، ولا أوروبا العجوز والشابة...بدائل واشنطن والقوى القادرة على ملء فراغها انبثقت أو هي في طريقها للانبثاق من داخل هذه المنطقة، ومن قواها الإقليمية الكبرى: تركيا، إيران ومصر عندما تنفض عن نفسها غبار عصر مبارك.
المهم، أن نثق بأنفسنا، وأن نعرف أولوياتنا وأن نجعل من مثل هذه "المهددات" حوافز إضافية لتعزيز لحمتنا وتماسكنا وتعزيز جبهتنا الداخلية وبناء توافقات وطنية، لا أحسب أن الوصول إليها مهمة عصية على الإنجاز....المهم أن لا نتخذ من هذه "المؤامرة"، أياً كانت درجة جديتها إو راهنيتها، وسيلة لإذكاء الخلافات الداخلية وتعزيز الفرقة والانقسام، وأداة لتحشيد فريق ضد فريق، في لعبة سياسية محلية، ضيقة الأفق ومحدودة النظرة.
لم تكن مهمة إعادة بناء الوحدة الوطنية أكثر إلحاحاً مما هي عليه اليوم...ولم تكن مهمة تعزيز التلاحم الأردني الفلسطيني أكثر حيوية لكلا الفريقين مما هي عليه اليوم...ولم يكن الاستناد إلى "الشوارع العربية" طلباً للعون والإسناد، أكثر واقعية وقابلية للتحقق مما هو عليه اليوم....لدينا من الأوراق ما يفيض عن الحاجة لحرق "ورقة التفوق الإسرائيلي"...ولدينا من الصداقات والتحالفات في طول الكرة الأرضية وعرضها، ما يكفي لتخطي "لوبي هنا" أو "جماعة ضغط ومصالح" هناك...لدينا العالم بأسره، لنجعله ساحة مواجهة مع العنصرية المنفلتة من عقالها، والتوسع الاستعماري الاستيطاني في طبعته الأكثر وحشية ودموية، والاحتلال الذي لا نظير له في عالم ما بعد تصفية الاستعمار...لدينا من قوة الشرعية، ما يكفي لحرق "شرعية" الاحتلال والاستيطان...لدينا من "قوة الحق" ما يكفي لإبطال مفعول "حق القوة"...كل هذا كان لدينا من قبل، لكنه كان حبيس ألادراج ...الآن بمقدورنا أن نلعب بكل أوراقنا، وأن نلعب بها لخدم مصالحنا الوطنية والقومية العليا، وخدمتها وحدها فقط، دون سواها، ومن دون هواجس التمديد والتجديد ولا حسابات التوريث التي طغت على حسابات حكامنا طوال أربع أو خمسة عقود.
إسرائيل تلوّح بخيار "الوطن البديل" وعلينا أن نلوح لها ببدائل لم تحلم بها، ولم تدرجها يوماً في حسابات أمنها الوطني ونظريته الاكثر اعتسافاً في التاريخ....إسرائيل تلوّح بخيار القوة، وعلينا أن نلوّح لها بكل خيارات القوة التي نتوفر عليها، وهي خيارات عصية على الحصر ومفتوحة على شتى الاحتمالات والممكنات...إسرائيل ضحكت أولاً وأبكتنا جميعاً، وعلينا أن نمنعها من أن تضحك أخيراً...فهل نجرؤ على ذلك..."هل نجرؤ على الانتصار" ؟
عن جريدة الدستور

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير