الشيزوفرينيا الفلسطينية..حل السلطة ام تكريسها...بقلم: هاني المصري

01.11.2011 03:46 PM
بعد الإنجازات الفلسطينية المتمثلة بالتوجه إلى الأمم المتحدة والخطاب التاريخيالذي ألقاه الرئيس أبو مازن، وبإتمام صفقة تبادل الأسرى؛ نشهد في الأيام الأخيرةنوعًا من الشيزوفرينيا الفلسطينية من خلال حالة من الارتباك وإرسال الرسائلالمتناقضة.
تتجلى هذه الحالة في مظاهر عدة، نبدأ في المفاوضات التي تم وقفها فينفس الوقت الذي يتم التأكيد فيه على أنها الخيار الوحيد، ولم نعد نعرف الجواب علىسؤال: هل سنفاوض أم لا؟ فالجواب: لعم، أي نعم ولا. سنفاوض لكن بشروط، فلن نفاوض مندون وقف الاستيطان، والموافقة على إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967. وإذا كانالأمر كذلك، فلماذا نتعاطى إيجابيًا مع تحركات اللجنة الرباعية التي تدعو إلىمفاوضات دون شروط مسبقة، أي وفقًا للشروط الإسرائيلية، ولماذا نقبل فعليًا رويدًارويدًا وليس رسميًا عقد مفاوضات غير مباشرة (تقريبية) عن طريق اللقاءات المتكررةبمبعوثي اللجنة الرباعية، التي تبحث في شروط استئناف المفاوضات وفي قضايا التفاوض،ولماذا الموافقة على تقديم تصور فلسطيني حول الحدود والأمن كما قال ناطق باسماللجنة الرباعية، أو مجرد موافقة على عقد لقاء ثانٍ دون الالتزام بتقديم تصور كماقال صائب عريقات؟
المفاوضات التقريبية الجديدة إذا تواصلت ستشكل عودة من النافذةإلى مسار المفاوضات الثنائية العقيمة، وهذا يذكرنا بالمفاوضات التقريبية التي سبقتاستئناف المفاوضات في الأول من أيلول من العام الماضي، التي سرعان ما توقفت وتحطمتعلى صخرة التعنت الإسرائيلية، مثلما سيحدث للمفاوضات الجديدة إذا استؤنفت، لأنها لاتملك أي فرصة للنجاح، فالذي حال ويحول دون نجاح المفاوضات أن الفلسطينيين خاضوهادون أوراق قوة في أيديهم تفرض إنجاز تسوية في ظل الاختلال الفادح في ميزان القوىعلى الأرض، ودون تغييرها لا يمكن دحر الاحتلال ولا إقامة دولة فلسطينية حرة، حتى لووافقت الحكومة الإسرائيلية على الشروط الفلسطينية لاستئناف المفاوضات.
وإذاتركنا المفاوضات جانبا وانتقلنا إلى السلطة، نجد الشيزوفرينيا في ذروتها، فهناكمسؤول فلسطيني يقول إن القيادة ستحل السلطة الوهمية حارسة الاحتلال. وآخر يتفلسفبالحديث عن الفرق بين انهيار السلطة وبين حلها، مع الحديث في نفس الوقت عن خطةتدريجية لتسليم السلطة للاحتلال تبدأ بالصحة والتعليم.. إلخ، وتنتهي بالأمن، مع أنالمطلوب إذا كنا نريد حل السلطة أن نبدأ بوقف التنسيق الأمني وليس تأجيله حتى لاتصبح الأجهزة الأمنية الفلسطينية حارسة لضباط الإدارة المدنية الإسرائيلية الذينسيتولون إدارة الصحة والتعليم ..إلخ. ومسؤول ثالث ينفي كل ما تقدم، مؤكدًا أنالتصريحات التي لا تنسب إلى أسماء واضحة لا تعني شيئًا. على الرغم من النفي الرسميإلا أنه لا يمكن أن يخفي التعارض الصارخ في التصريحات الرسمية، وما يعكسه ذلك منأزمة وتخبط شديدين.
هناك معلومات مؤكدة من مصادر عدة بأن القيادة أرسلت رسائلإلى دول عدة تفيد بأن هناك توجهًا سينفذ مع نهاية العام الحالي بإعادة الأوضاع فيالأرض الفلسطينية المحتلة إلى ما كانت عليه قبل قيام السلطة عام 1994، أي تسليمشؤون إدارة الضفة إلى إدارة الاحتلال، ما يعني ذلك بغض النظر عن التسميات و"الفذلكات" حلّ السلطة، وإذا كان ذلك صحيحًا وجديًا، لماذا لا يُصَارَح الشعب بذلكويبقى أمرًا مكتومًا يلوح به تارة وينفى تارة أخرى، ولماذا لا يتم الاستعدادلعواقبه والخيارات البديلة المتاحة لتقليل الأضرار وتعظيم الفوائد، أم أن الأمرمجرد تهديد يستهدف الضغط من أجل استئناف المفاوضات؟
يضاف إلى ذلك، قول الرئيسلصحيفة الشرق الأوسط: إنه لا وجود لسلطة وطنية فعلية، وإنه لن يقبل القيام بأعمالرئيس بلدية، ودعوته في الاجتماع الأخير للمجلس الثوري لحركة فتح إلى البحث فيمستقبل السلطة، وأن هذا سيكون أحد المواضيع التي سيناقشها مع خالد مشعل عندما يلتقيبه في الشهر القادم. في نفس الوقت الذي كرر فيه الرئيس بإلحاح أكبر من السابق دعوتهإلى التبكير بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية قبل أيار الموعد المتفق عليه فياتفاق المصالحة، بحيث تجري في شهر كانون الثاني القادم أو شباط، وما يعنيه ذلك منترسيخ للسلطة لمدة أربعة أعوام أخرى. فمن يريد حل السلطة لماذا يريد الانتخاباتأصلا التي تجدد شرعيتها وتمدها بحياة جديدة؟ إذن، قيادة السلطة محتارة وحيرتنامعها، فهل ستحلها أو ستنهار أو ستتعزز بإجراء الانتخابات واستئناف المفاوضات بشكلغير مباشر عن طريق اللجنة الرباعية؟
المهم، إن مثل هذه التصريحات والتصرفاتالمرتبكة، وإرسال رسائل متناقضة بخصوص قضايا مصيرية بهذا الشكل لا تجعل أحدًا يفهمما الهدف منها، وهل هناك توجه جاد فعلًا لحل السلطة أو استعداد لاحتمال انهيارها،أم أن الأمر كله أن السلطة في حالة أزمة شاملة مع غياب القرار بالخيار البديل عنالمفاوضات وفقدان الأمل بقيام الدولة في القريب العاجل، وفي ظل الخشية من الربيعالعربي وما يعطيه من فرص أقل ومخاطر ربما أكبر، وفي ظل الغضب المتصاعد من استمرارالتعنت الإسرائيلي والرفض الأميركي للطلب الفلسطيني في الأمم المتحدة، وهذا ما جعلالسلطة في حالة صدمة شديدة من فشل خيارها السياسي دون أن تعرف ماذا تفعل، هل تواصلانتظار الفرج باستئناف المفاوضات ووصولها إلى حل بالرغم من عدم وجود مؤشرات تدعوإلى التفاؤل بهذا الخصوص، أم تفتح الطريق أمام خيارات استراتيجية جديدة؟ فالسلطة لمتحسم أمرها، لذلك ترسل رسائل متناقضة تجعل تهديدها بحل السلطة وغيره من المبادراتتبدو مجرد تهديدات لفظية فارغة، أو ردود أفعال ومحاولات لكسب الوقت وحرف الأنظار،والإيحاء بأنها تدرس مستقبل السلطة إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا. يمكن أنتتحول هذه التهديدات أو بعضها مثل حل السلطة إلى أفعال بسبب تداعيات المأزق الشاملوغياب الخيار الواضح، الأمر الذي يدفع الوضع إلى الفوضى والضياع والمجهول.
لايمكن أن تكون السلطة جنين الدولة الفلسطينية القادمة حينًا، وحارسة للاحتلال حينًاآخر، فإما هذا أو ذاك. إن تغيير الاستراتيجية الفلسطينية سيقود إلى مجابهة شاملةمعالاحتلال قد تنهار السلطة الحالية في مجراها، وشتان ما بين حل السلطة كضربة يأس،أو دعوة لـ"مجيء جودو" الذي لن يأتي وحده، وبين تغيير وظائفها والتزاماتها أوانهيارها في مجرى المواجهة، الذي سيقود في هذه الحالة إلى نشوء سلطة مقاومة بدلًاعنها.
وما ينطبق على المفاوضات والسلطة يتكرر أيضًا في المصالحة والتوجه إلىالأمم المتحدة والمقاومة. فالمقاومة شعار نتغنى به، ويتم اللجوء حتى إلى المقاومةالشعبية بشكل ثانوي ومحلي وموسمي، بالرغم من أن المقاومة هي وحدها القادرة علىالزرع حتى يتمكن العمل السياسي من الحصاد. كما أن اتفاق المصالحة وقع ولم ينفذ، معأنها المدخل الوحيد المتاح لإعادة تجميع أوراق القوة والضغط الفلسطينية. وكذلك، فإنالتوجه إلى الأمم المتحدة معرض للهزيمة إذا لم نحصل على الأصوات التسعة، أو للضياعفي دهاليز الخبراء واللجان تحت وطأة المماطلة والتسويف جرّاء المحاولات الأميركيةلإماتته وتجميده حتى لا تضطر إدارة أوباما إلى استخدام الفيتو في حال أصر الجانبالفلسطيني على التصويت إذا حصل على الأصوات المطلوبة، التي سيصبح الحصول عليها أصعبإذا لم يجر التصويت حتى بداية العام القادم، حيث ستدخل خمسة بلدان جديدة إلى مجلسالأمن، هي: أذربيجان، وتوغو، وغواتيمالا، والمغرب، وباكستان، وهي في معظمها غيرمضمونة مثل البلدان الصديقة التي ستخرج، وستصوت لصالح الطلب، وهي: لبنان،والبرازيل، ونيجيريا، والغابون.
على الفلسطينيين أن يأخذوا زمام المبادرةبأيديهم مرة وإلى الأبد، ويحسموا أمرهم بأن طريق المفاوضات الثنائية والبحث عنتسوية متوازية في ظل موازين القوى القائمة حاليًا فشل ومحكوم عليهبالفشل.
المطلوب إعطاء الأولوية الحاسمة لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة علىأساس برنامج وطني وشراكة حقيقية وعلى أسس ديموقراطية تضمن إعادة الاعتبار للقضيةالفلسطينية بوصفها قضية تحرر وطني.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير