عدالة القتلة...بقلم: عبد الحليم قنديل

11.07.2011 09:06 AM

المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري لاعلاقة لها بالعدالة ولا بالقصاص للشهداء.

وقضاة هذه المحكمة ومحققوها، في غالب شخوصهم، ليسوا من النوع جليل الاحترام، ولا المهني والاحترافي قضائيا، بقدر ما أن علاقاتهم بدوائر المخابرات أوثق، كذلك بفكرة الولاء لإسرائيل، وتقديم مصالح تل أبيب على ماعداها، وتعمد توجيه دفة الاتهام المفتعل إلى عناصر من حزب الله، وبهدف إشعال حريق في لبنان، ودفع طائفة السنة المسلمين ـ التي ينتمي إليها الحريري ـ إلى صدام مع الشيعة المسلمين، وهم قاعدة وجود حزب الله أكبر وأقوى جماعة مقاومة عربية لإسرائيل.

وبدون الدخول في تفاصــــيل باتــت مشـــهورة، ومن نــــوع شهود الزور، والوثائق الدامغة التي قدمها حزب الله، وأثبتت علاقة قضاة ومحقـــقين في المحكمة بإسرائــــيل، بعيدا عن هذه التفاصيل وغيرها، فلا يصح الاستــــناد لقرارات مثـــل هذه المحكمة في طلب الحقيقة، ولا في تحري العدالة، خاصة في لبنان بلد الاغتيالات الغامضـــــة، والساحات المفتوحة لعمل أجهزة المخابرات من كل صنف ولون، والأحزاب التابعة غالبا لجماعات عابرة للحدود، والمتأثرة بمصالح دول الاعتدال أو الاعتلال اللصيقة بسياسة واشنطن، والأخيرة تعتبر حزب الله ـ كما هو معروف ـ جماعة إرهابية، تماما كما تعتبر حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كذلك، وقد فشلت إسرائيل في حروبها ضد حزب الله، وفشلت أمريكا التي تدعم المجهود الحربي والمخابراتي لتل أبيب، وتريد الآن شن عدوان من نوع مختلف على حزب الله، يستخدم قرارات المحكمة أداة لحصار حزب الله، ويستثمر التهييج الطائفي لتضييق الخناق على المقاومين، ودفعهم لمبادلة الهياج الطائفي بقوة السلاح المقاوم، فيفقد قوته الأخلاقية المرتبطة بتوجيه السلاح ضد إسرائيل وحدها.

والمؤكد أن حزب الله بالحكمة الثورية المعروفة عن قادته، وبإدراكهم لخطورة الفتن الطائفية والمذهبية في تمزيق نسيج الأقطار العربية، وفي تمزيق لبنان متكاثر الطوائف بالذات، المؤكد أن حزب الله لن يقع في الفخ، ولن يسمح بانزلاق لبنان إلى حرب أهلية، تريدها أمريكا وإسرائيل، وقد نجح حزب الله في بناء تحالف وطني واسع، ضم الشيعة والدروز وغالب المارونيين وقطاعا كبيرا من الطائفة السنية، وهو التحالف الذي شكل حكومة نجيب ميقاتي الزعيم السني الطرابلسي المعروف، وجعل الفرز سياسيا لا طائفيا، وفي مواجهة استحقاقات وتحديات المحكمة الدولية المشكوك في أمرها، والتي تريد جماعة الحريري ـ الابن ـ خضوعا كاملا لقراراتها، بينما ترفضها الجماعات المؤيدة لحزب الله، وتدافع عن أولوية استقرار لبنان، وأولوية الدفاع عن المقاومة الملتزمة بالحرب ضد إسرائيل، والتي قدمت مع شعبها مئات الآلاف من الشهداء.

وليس في قصة المحكمة عدالة من أي نوع، بل هي محكمة مسيسة بالكامل، وتريد عدالة مشبوهة، عدالة القتلة، عدالة حسب الطلب الأمريكي الإسرائيلي، عدالة مدفوعة بشهوة الاقتصاص من المقاومة التي أذاقت إسرائيل الويلات، وإسرائيل تريد الثأر لهزيمتها وخروجها المذل من الجنوب اللبناني أواسط 2000، ولعجزها عن تحقيق أي نصر في حرب 2006، فقد خرج حزب الله أقوى من هذه الحروب جميعا، وصار الخطر الأول الذي تواجهه إسرائيل إلى الشرق، فلم تخش إسرائيل في أي وقت من النظام السوري، ولا من جيشه الذي يقتل السوريين الآن، بل كانت تخشى دائما، ولا تزال تخشى، من قوة واحدة وحيدة إلى الشرق هي جماعة حزب الله.

وبرغم تأثيرات سالبـــة على موقف حزب الله، خاصة فيما يتصل بموقفه الخاطئ الداعم للنظام السوري القامع لحرية شعبه وثورته المباركة، برغم الأثر السلــــبي لموقــــف حزب اللــــه الذي وضع في زاوية حرج، برغم اللوم المستحق، فإن الحق لايتضاد مع الحق، وثورة الشعب السوري حق، تمـــاما كما أن المقاومة المسلحة ـ على طريقة حزب الله ـ حق لايمارى فيه، ويتوجـــب دعــــمه في كل الأحوال والظروف، وتجــنب خلط الأوراق، فالوضع في لبــــنان شديد الاختلاف، لبنان موزاييك غني بتنوعه، برغم صغر مساحته وقلة عدد سكانه، ولبنان بلد حريات عامة مستقرة، وينعدم فيه معنى الدولة القابضة، والتعايش اللبناني قائم على معادلات حرجة، وموازينه الداخلية على أوثق صلة بمجريات الصراع العربي الإسرائيلي، وقد تعرض لبنان لمحنة قاسية مع حربه الأهلية الطويلة المدى، والتي شهدت تدخلا إسرائيليا فظا ومباشرا، وإلى حدود الدمار الذي أهلك الحرث والنسل، ثم صار لبنان الضعيف هو الأقوى على خط مواجهة إسرائيل، وكان ظهور حركات المقاومة المسلحة اللبنانية هو التطور الحاسم، والذي تصاعد بأثره المحلي والإقليمي مع زيادة قوة حزب الله، والتي أعطت التكوين اللبناني حصانة ومناعة لم تكن له أبدا، وحجزت ظواهر التوتر السياسي والطائفي تحت سقف منخفض، قد يصل أحيانا إلى مناوشات وصدامات عابرة، لكنه لايتطور إلى ما هو أخطر، ولا ينزلق بالبلد إلى حرب أهلية مفتوحة مجددا، فالقوة الراجحة لحزب الله بدت كأنها صمام أمان للسلم الأهلي، وتمنع الآخرين من التفكير بالتورط في حرب أهلية محسومة النتائج سلفا.

ولا أحد يشك أن لبنان يواجه الخطر مجددا، بفتنة المحكمة الدولية، وبطلبها اعتقال وتسليم أربعة من عناصر حزب الله، وهو مالا يمكن القبول به، لامن حزب الله، ولا من أي ضمير مقاوم كاشف للخديعة، فلا يليق بأحد أن يقبل تحكيما أمريكيا إسرائيليا في جوهره، ولا يليق بأحد أن يتقبل عدوانا على سيادة لبنان يتخفى في رداء المحكمة الدولية، لايليق بأحد أن يتقبل عدوان الذئب المتخفي في ثياب الحمل، وبدلا من البحث عن نقطة تفاهم تعطي أولوية لسلامة لبنان واستقراره وسيادته الوطنية، تلجأ فئات من الساسة اللبـــنانيين إلى العكس بالضبط، وتؤجج نيران الفتن الطائفية، وتحرض أمريكا ـ باسم المجتمع الدولي سئ الذكر ـ على عزل حكومة لبنان المنتخبة، وفرض العقوبات على لبنان بمقتضى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والتجهيز لشن عدوان عسكري مباشر، وبدعوى الدفاع عن الطائفة السنية المقهورة باغتيال زعيمها رفيق الحريري، وكأن سنة لبنان ولدوا مع الحريري، أو كأن الحريري كان من أولياء الله الصالحين، أو كأنه أول زعيم لبناني اغتيل في ظــــروف غامضة، أو كأن دمه أغلى من دم رشيد كرامي زعيم السنة المغتال بيد حلفاء الحريري الابن، أو أغلى من دم الزعيم الماروني سليمان فرنجية، أو أغلى من دم الشهيد كمال جنبلاط زعيم الدروز، أو أغلى من دم قوافل الشهداء من زعماء حزب الله، فالجميع شهـــداء لبنان، وقد استشهدوا جميعا ليبقى لبنان حيا، لا لكي يكون فريسة لعـــدوان همجي جديد، تتأهب له قوات الشر الأمريكيــــة والإسرائيلية، والتي هزمت مرات في لبنان، وستهزم أيضا إن كررت المحاولة، ومهما تخفت من وراء الأقنعة، فمحاكمهم عين البطلان، وقانونهم قانون الغاب.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير