«الحاكم العربي».. و أسئلة العصر العارية...بقلم:راكان المجالي

13.07.2011 08:26 AM

ماذا يمكن أن يفعل الحاكم العربي عندما يتحرّك الشارع؟ قد تصعب الإجابة أو تستعصي الآن، غير أنّ فيض ما حدث ويحدث، في القارّة العربية، يُقدّم إسهاماً مقارنَاً مفيداً، في سياق البحث عن إجابة، على نحو:

أن لا يتكلّم، فقد انتهى وقت الكلام.

أن لا يتحدّث عن مؤامرة، فقد سبقه رفاقه الى المحاولة.

أن لا يُهدّد باستخدام العنف، فقد...

أن لا يستخدم العنف، فقد...

أن لا يَعِد بشيء، فقد انتهى زمن الوعود المباح له.

أن لا يُقيل أفراداً، للتضحية بهم كأكباش فداء، فقد أصبحت المسألة مكشوفة.

أن لا يُقيل الحكومة، كتعبير عن استجابة لمطالب المحتجّين، فقد ألِف الناس اللعبة وكشفوها.

أن لا يقيل (..!) (يمكن للمتزمّتين أن يقرأوا: يحلّ) البرلمان أو مجلس الشعب أو الشورى.

أن لا يسارع الى تلبية قضايا مطلبية رفعتها الاحتجاجات في بداياتها.

أن لا يلجأ الى تشكيل طابور خامس، عبر تغيير أزياء رجاله العسكرية والأمنية، بأزياء مدنية، وزجّهم في الشوارع كمؤيدين. فالرئيس اليمني لم يُبق لأحد أيّ هامش.

أن لا يحاول تسليم سلطاته الى أحد من مؤيديه، مع استمرار بقائه، فقد استهلك المحاولة فرعون مصر، وبدعم من الأميركان، ولم تفلح المحاولة.

وليعلم الحاكم، بأنّ أكثر الحقائق سطوعاً، في الثورات الشعبية العربية الراهنة، والتي لم تفهمها مراكز الأبحاث الغربية حتى الآن، هو أنّ هذه الأمة هي أمة واحدة، في الطموحات والمصالح الفعلية والمصير، على الرغم من كلّ المحاولات، التي بُذلت لتفتيتها، طوال أكثر من قرن من الزمان، داخلياُ وخارجياً، بما في ذلك المحاولات الداخلية، التي رفعت شعار وحدة الأمة، للوصول الى السلطة. أمة تتأثّر شعوبها بعضها ببعض، وتتعلّم منها، وتنفعل بتجاربها، وتستفيد من محاولاتها، ولا تجِدُ في ذلك أيّة غضاضة. هذا ما أثبتته الأسابيع والأشهر العربية الأخيرة.

يُضاف الى ذلك، أنّ ما شهدته الشعوب العربية، وعلى الهواء مباشرة، من حوارات عنيفة ومكشوفة، بين المسؤولين وشعوبهم المحتجّة، وفي الساحات العامة، أفقد الكلام كثيراً من جدواه ومعانيه. فما كان عادياً وطبيعياً وممكناً، في حياة الناس وأُلِي الأمر، لم يعُد كذلك. ذلك أنّ المجاميع، التي خرجت الى الشوارع، أو أُخرجت قسراً بدافع حياتها البائسة، باتت مقتنعة بأنّ الحاجات الاجتماعية، المتراكمة منذ عقود، لن ينهيها تقديم «العطايا في الأجور..»، والقفز عن خيارات اقتصادية واجتماعية، كانت متاحة للأنظمة منذ دهور، غير أنّها اختارت عن قصد أن لا تلتفت إليها. أما الإصلاح، فإحالته الى لجان «الدرس..» لن تحلّ المشكلة. أما التسويف، بحجّة أنّه يأتي نتيجة ضغوط داخلية أو خارجية، أو التلكؤ، باستعادة فكرة «المؤامرة..»، التي تستهدف المنطقة برمتها، ومن دون تحديد هويتها وقواها، فإنّها ستضيف صاحبها الى قائمة الحكّام، الذين أصبحوا خارج الواقع، وخارج سياق العصر. أما أحاديث الفتنة، فليس المتمسّك بها إلا كمن يتشبّث بخيوط واهية، في المكان الخطأ والزمان الأكثر خطأً.

وإذن، فماذا يفعل الرجل؟

لا شيء، سوى العودة الى الأسئلة العارية نفسها، حول الحقّ والعدل والظلم والمساواة، ومحاولة ابتكار إجابات حقيقية إبداعية. اجابات واقعية جريئة، متّصلة بالعصر والراهن، الذي يعيشه الناس. أسئلة عارية صادقة، يطرحها أُناسٌ موقنون، بأن الدنيا تغيّرت بالفعل، وأنّ ما كان يتكرّر لم يعُد يتكرّر، ولا فضاء لغاربٍ فيها سوى القبر. أما المصرّون على التجدّد، فعليهم أن يستعيدوا فضاءات قدرات العقل الإنساني لديهم كلّها، بابتكار إجابات خلاّقة على أسئلة العصر العارية!

جريدة السفير اللبنانية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير