ما قبل اسقاط الدولة...بقلم: سلامة احمد سلامة

21.12.2011 05:42 PM
تقف مصر الآن على حافة حالة من الفوضى الهدامة التى لن تبقى أو تذر، تتسابق على إشعالها عشرات من العناصر المخربة تقودها مجموعة عسكرية لا تعرف ما تريد، ونخبة سياسية مضللة، فقدت القدرة على الرؤية الموضوعية. وسيطرت عليها رغبة جامحة فى تفكيك الأوضاع القائمة، دون نظر إلى العواقب أو بحث عن البدائل. تتابعها وسائل إعلام مسمومة تسعى إلى الإثارة، وتحركها قوى خارجية وداخلية. لا يهمها ما أنجزته الثورة. ما ذهب منها وما بقى فى أيدى البلطجية وأطفال الشوارع والباحثين عن المجد الزائف، ممن يطلقون على أنفسهم ناشطين سياسيين!

فى وسط هذا الركام من التفسيرات والتعليقات التى تنطلق من أبواق شتى لفضائيات مغلولة أو مذهولة، لا تكاد تسمع منها موقفا موضوعيا أو رأيا سديدا أو نصحا خالصا لوجه الله والوطن.. صوت عقلانى وحيد انطلق فى البرية. وقد لا يسمعه غير صاحبه هو صوت منصور حسن رئيس المجلس الاستشارى الذى حذر من أن انهيار الاستشارى سوف يكون مقدمة لانهيار جميع المؤسسات الدستورية. وفى رأيه أن النخب السياسية وعلى رأسها المجلس الاستشارى لا تقوم بالدور المنوط بها، وهو تصحيح الأخطاء دون مسايرة الجماهير بدعوى أن «الناس عايزة كده!». فالمجلس الاستشارى ليس مؤسسة دستورية بل مؤسسة سياسية. ولن يستفيد من الاستقالة منه أحد. فضلا عن أن المنطق يقتضى أن نصبر على الشهور الستة الباقية من الفترة الانتقالية، فى هدوء.. لكى يقوم المجلس العسكرى بتسليم السلطة.

هذه الدعوة إلى عدم جرجرة البلاد إلى الفوضى والاضطراب الأمنى والسياسى، كررها وأكد عليها واحد آخر من عقلاء القوم هو نبيل العربى. الذى عبر عن أسفه الشديد لسقوط هذه الأعداد من الشهداء والمصابين!

فى مقابل دعوة العقل وإعلاء قيمة الحوار، يسود منطق الرفض والتشكيك فى كل ما يتخذه المجلس العسكرى من إجراءات وقرارات.. مرتبطة بالشائعات والادعاءات التى تنفى عن الصبية وأطفال الشوارع الذين حرقوا المجمع العلمى وما حوله من مبان كل الاتهامات.. تكيلها بدون حساب للشرطة العسكرية ورجال الأمن باعتبارهم هم الذين حرضوا على حرق المبنى تحت حمايتهم! وذهب بعض ثورجية الإعلام إلى تلفيق أخبار عن وجود سجن تحت الأرض فى مجلس الشعب، احتجز فيه العسكريون عشرات من الأولاد والبنات.

لا أحد ينفى أن العنف الوحشى الذى واجهت به قوات الجيش والشرطة العسكرية المعتصمين لتفريقهم تجاوز الحدود، وقدم صورة بربرية لمصر وجيشها. حين شاهد العالم ذلك الفيديو الفضيحة لجندى يسحل فتاة أوشك أن يجردها من ملابسها وسط مجموعة من الجنود.. الناطق بلسان الجيش اللواء عمارة يقول ان قوات الجيش تعرضت لاستفزازات وإهانات مستمرة.. وهو بذلك يعتقد أنه يقدم عذرا لما وقع من انتهاكات! وهو عذر أقبح من الذنب.

على أن الخطأ الأساسى للجيش، يبدأ فى اللحظة التى نزل فيها للشارع لمواجهة المتظاهرين بالقوة. وكانت حجة المجلس منذ البداية أنه لن يترك مهمته الأصلية فى الدفاع عن البلاد ليقوم بعمل الشرطة. ولكن مع زيادة الاحتقان والتوتر لجأ العسكريون إلى استخدام الشرطة العسكرية، بعد تفاقم الانفلات الأمنى وعجز الشرطة عن القيام بواجبها!

ومع ذلك، يبدو أن مصر انقسمت فعلا إلى قسمين بفضل سوء الإدارة الانتقالية.. قسم يقف مع الثوار ويشارك فى إلقاء الحجارة والمولوتوف وتحطيم المبانى وحرقها.. وقسم يمالئ قوات الجيش ويرى أننا لن نستغنى عن حمايته وحماية ما بقى من الثورة.

غير أن أكثر الأمور دلالة على أن الثوار الحقيقيين قد انصرفوا عن الميدان ومجلس الشعب وشارع محمد محمود، هو أن معظم الذين ألقى القبض عليهم من الصبية والفتيان بين الثانية عشرة والثلاثين، معظمهم حرفيون أو عاطلون عن العمل ومشردون. أما الثوار الحقيقيون الذين دفعوا حياتهم ثمنا لتغيير النظام، وصمدوا فى ميدان التحرير حتى تحقق خلع أركان النظام.. فهم لم يشاركوا فى عمليات تخريب المنشآت وإشعال الحرائق فى أثمن ما تملكه مصر من تراث حضارى وثقافى.

وفى النهاية، فقد فقد الناس ثقتهم فى الادعاءات التى تذهب إلى أن نحو 500 طفل وبلطجى من طرف ثالث أو من القلة المندسة، يتلقون تعليمات للقيام بالتخريب.. والرد على ذلك يكون فى رأيى باعتقالهم ونشر صورهم. واعتقال الذين يحركونهم. بدلا من كثرة التصريحات التى لا تجدى شيئا، ولا تفعل أكثر من الحديث عن مخططات لإسقاط الدولة!
عن الشروق المصرية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير