دليل إرشاديّ لجيش الاحتلال: العرب “متخلّفون ودونيون” وإسرائيل بلد “الحضارة” الغربيّة

20/05/2016

وطن للأنباء: كتب زهير أندراوس:

يُعتبر البروفسور أرنون سوفير، أستاذ قسم الجغرافيا في جامعة حيفا، وسيرجيو ديللا فرغولا رئيس قسم الجغرافيا والإحصاء لليهود في الجامعة العبرية في القدس من أوائل وأفعل المحاربين على الجانب الديمغرافي ضدّ فلسطينيي الداخل. وقد صدر عن وزارة الأمن الإسرائيليّة كتاب جديد “قضايا في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط”، لمؤلفه سوفير. وعلى الرغم من أنّ عنوان الكتاب يُوحي لأوّل وهلةٍ أنّه يتناول الجغرافيا السياسية للمنطقة من خلال عرض أكاديميّ خالص ومُحايد، إلّا أنّه يحاول من مقدمته إلى آخر صفحة فيه أن يقدم مسوغات لدعم أيدلوجيا اليمين الصهيوني المتطّرف التي تؤكد أن البون الحضاري الشاسع بين العالم العربي الذي يمثل “التخلف والدونية”، وإسرائيل التي تمثل “الحضارة” الغربية، لا يسمح ابتداء بالتوصل لتسوية بين الطرفين.

وأهمية الكتاب على الرغم من حججه الواهية والمتداعية، تتمثل ليس فقط في تبني وزارة الأمن الإسرائيليّة إصداره، بل إنّ هذا الكتاب تمّ إعداده بعد الاتفاق بين سوفير ووزارة الأمن ليكون مرشدًا لقيادة الأجهزة الأمنية والإستخبارية والمراكز المسؤولة عن تقديم التقديرات الإستراتيجيّة في المؤسسة العسكرية الإسرائيليّة حول العالم العربيّ.

ويشير سوفير إلى أنّ النفط الذي كان من المفترض أنْ يكون مصدرًا للتقدم والازدهار أصبح لعنة لأنّه دفع العرب للاتكال والعجز عن مجاراة الشعوب في مجال الإبداع والتقدم، في حين تستثمر عوائد النفط في الإنفاق على شراء الأسلحة التي لا تُستخدم، وتصدأ في مخازنها. ويجزم سوفير في كتابه أنّ الشرق الأوسط الإسلاميّ والعربيّ، على حدّ وصفه، يرفض الاندماج في تيارات العولمة لأنّه ليس لديه ما يُضيفه بالنسبة لها، فهذا الشرق بالنسبة للمؤلف هو مركز للتطرف والإرهاب، وتخلو أجندته من الجدل حول قضايا المجتمع المدني وقضايا المرأة وغيرها.

وفي لهجة استعلائية يقول المؤلف إنّ اتفاق القوى الاستعمارية والذي قاد إلى نشوء الدول العربية لا يساوي المداد الذي كتب به. وفي المقابل يُصوّر سوفير إسرائيل بأنّها جزيرة من الاستقرار والتقدم الصناعي والتقني في هذا البحر المتلاطم من التخلف والانغلاق. وكلّ ذلك ليصل المؤلف في النتيجة إلى استنتاجٍ هامٍ وأساسيٍّ وهو أنّه في ظلّ أوضاع الشرق الأوسط (العالم العربي)، وسماته العامّة، فإنّه لا يوجد لإسرائيل شريك ممكن في عملية التسوية السياسية للصراع مع العالم العربيّ، وبالتالي فهو يرى أنّه يتوجّب على إسرائيل مواصلة امتشاق سيفها للذود عن بقائها، بحسب تعبيره.

وسوفير هو الذي زرع في أذهان: الوزير السابق دان ميريدور ومن بعده رئيس الوزراء الإسرائيليّ الأسبق، أرئيل شارون، وبنيامين بن أليعيزر وزير حربه، زرع ضرورة التصدّي العاجل لخطر القنبلة الديمغرافية الفلسطينيّة، حيث كشف الإعلام العبريّ النقاب عن أنّ هذا الأخير كان يحتفظ بدراسة سوفير في مكتبه في الوزارة ويقوم بتطبيقها بناءً على أوامر من رئيسه شارون الذي سرعان ما اتّخذ مبادرة بناء الجدار العازل غير مكترث بأحدٍ في هذا العالم، ولاسيما بقرار المحكمة الدولية في لاهاي والذي جاء معلنًا بطلان شرعية هذا الجدار، ودعا الحكومة الإسرائيلية إلى التراجع عنه وهدم ما بُني منه على الفور.

وهناك إجماع صهيونيّ على أنّ المشكلة الديمغرافية هي الخطر الأعظم الذي يتهدد أسس الدول العبرية، أوْ بكلماتٍ أخرى، صنّاع القرار في تل أبيب من المُستويين الأمنيّ والسياسيّ، يعتبرون الديمغرافيا تهديدًا إستراتيجيًا على الدولة العبريّة. وبشيء من مفارقات السخرية والتهكّم يقول أرنون سوفير إنّه لا بأس من أن نُبقي حاجتنا منهم (للفلسطينيين) لجهة استخدامهم في جمع القمامة والعمل في البنية التحتية الرثة، وكذلك في توفير الخضار والفواكه لنا وكذلك الخدمة في المقاهي والمطاعم. علاوة على ذلك، يقترح سوفير على عجل، لإنقاذ التدهور السكاني اليهودي في إسرائيل العمل على استيعاب أكثر من 200 ألف يهودي كل سنة. والأمر برأي سوفير يتطلّب وعلى جناح السرعة اتخاذ قرارات سياسيّة، صعبة ولا رجعة عنها، بدءاً مثلاً من الطرد الجماعي وكل ما خلا ذلك لا يفيد الإسرائيليين لا اليوم ولا غدًا، على حدّ تعبيره.

وإذا كانت إسرائيل قد قامت إيديولوجيتها على مبدأ طرد السكان العرب وإحلال يهود مكانهم، فإنّ مخازنها اليهودية في الخارج بدأت بالنضوب لجهة إمدادها بالصهاينة الراغبين في العودة إلى ما يُطلقون عليها أرض الميعاد، الأمر الذي جعل سوفير وأصدقاءه يعلنون تعويم الترانسفير الجديد وطرد كل من فلسطينيي 1948 ومعهم فلسطينيو غزة والضفة الغربية أيضًا إلى الأردن والعراق وتوطين الفلسطينيين حيث هم في الدول العربية ودول العالم كافة.

وتحت عنوان (دولة تل أبيب تهديد لإسرائيل) كتب أرنون سوفير يقول: إنّ إسرائيل ستُواجه خلال الـ 15 عامًا المقبلة مخاطر انهيار داخليّ مريع يتهددها أكثر من القنبلة النووية الإيرانيّة والجيوش العربيّة مجتمعةً، ويتجلّى ذلك في فقدان السيطرة على أطرافها وفي إطار اختزال تمركز ذاتها في دولة تل أبيب، على حدّ وصفه.

رأي اليوم